كم تكلفنا أخطاء توقعات الأرصاد الجوية

سعود الأحمد

TT

المفترض أن مؤسسات الأرصاد الجوية بالمجتمعات المتحضرة تقدم خدمات جليلة لقطاع المال والأعمال. والناس تتعامل وتتفاعل «وبجدية» مع ما يُعلن عن التوقعات الجوية. ويكون ذلك من منظور اقتصادي، وهذا ما لا نجده بالمجتمع الخليجي. وربما يكون السبب أن الناس، وعلى مدى نصف قرن مضى (تقريبا)، كلما تابعوا النشرات الجوية، أصيبوا بالإحباط.

فعلى سبيل المثال، عندما شنت المؤسسة العامة للأرصاد وحماية البيئة السعودية، الأسبوع الماضي، حملة حذرت فيها من حدوث تقلبات جوية خطيرة على مدينة الرياض، وحددت وقتها من الساعة الخامسة عصرا إلى الثالثة صباحا! وتأكدت وتكررت التحذيرات المخيفة من الدفاع المدني وشركات الاتصالات وجوال منطقة الرياض وموقع «مكشات».. والنتيجة أن بعض المقاولين ورجال المال والأعمال ألغوا أعمالهم الميدانية ليومي الثلاثاء والأربعاء خوفا على أرواحهم وعمالتهم ومعداتهم.

والبعض اكتفى بعمل نصف يوم، الثلاثاء فقط، وحركة شوارع الرياض تقلصت للعشر تقريبا! فما الذي حدث؟! هطلت أمطار خفيفة ورياح خفيفة عادية على أحياء معدودة، لكنها لا ترقى إلى حالة الهلع التي أوجدتها تلك التحذيرات! وانظر إلى حال التوقعات الجوية بالدول المتقدمة. أذكر (شخصيا) أننا في مدينة سياتل الأميركية يتوقعون رش (shower) عند الساعة 1:48 ظهرا على حي أدموند، ويحصل ما توقعوا! فلماذا لديهم هذه الدقة ونحن نفتقر لها؟! والحقيقة أن المتابع لتوقعات الأرصاد السعودية يتأكد له وجود نقص أو خلل تقني أو إداري يجعل من توقعاتها غير دقيقة! ويمكن إثبات ذلك بسهولة. فالأمطار الغزيرة التي هطلت على أجزاء من منطقة الرياض قبل أسبوعين، ولم يسبق لها تحذيرات، بحجم الأمطار التي سبقتها تحذيرات، لدرجة أصابت الناس بالهلع. فهناك مشاريع إنشائية كانت بصدد صب قوالبها الخراسانية.. وقد تسببت الأمطار التي هطلت قبل ثلاثة أسابيع في خسائر بملايين الريالات! وبالمقابل الأعمال التي تعطلت في الرياض بسبب تخويفات (أو تحذيرات) الأسبوع الماضي، ولم يحدث منها ما يصل لدرجة الخطر، وخسرت مشاريع المقاولات أعمالها في هذين اليومين. وأهم من ذلك وأوضح على ضعف أجهزة الأرصاد، أمطار جدة الأخيرة التي تضرر منها سواد عظيم من الناس، وتوفي وفقد الكثير من البشر جراءها، هذه لا أذكر أنه سبقها تحذيرات بحجم تحذيرات الرياض الأسبوع الماضي.. التي مرت بسلام.

الشاهد.. أن المؤسسة العامة للأرصاد وحماية البيئة السعودية تعتمد على عدد غير كافٍ من المحطات، وتمنح مميزات مالية لعامليها لا تتناسب وطبيعة رواتب المهنيين. فعدد محطات رصد الظواهر السطحية المتوفرة بالسعودية 31 محطة، ومخصصة لخدمة المطارات الدولية والإقليمية، و8 محطات رصد علوي. بينما يوجد في أميركا محطة رصد لكل خمسين كيلومترا مربعا! وانظر إلى هذه المساحة الشاسعة الواقعة بين مدينة الرياض ومنطقة الشرقية (التي تصل إلى 400 كيلومتر) لا يوجد إلا محطتان بمطاري الملك خالد الدولي ومطار الملك فهد الدولي ومحطة رصد واحدة بالأحساء، لكنها بعيدة.

الأمر الآخر.. أننا بحاجة إلى قناة إعلامية تختص بالنشرات الجوية يتم من خلالها بث التحذيرات والنشرات الجوية.. وهذه موجودة في معظم دول العالم، مثل قناة «مت سفن» (MET 7) الفرنسية، وكما يحصل في غيرها بالدول المتقدمة.

وختاما، وعلى صعيد التعاون بدول الخليج العربية، يمكن إنشاء مؤسسة للأرصاد الجوية الخليجية تواكب التطلعات، وعلى مستوى نظيراتها بدول العالم المتقدم.

* كاتب ومحلل مالي