رجال المال ينظرون بتفاؤل إلى مستقبل الاستثمار في مصر

يقولون إنها ستجذب استثمارات هائلة.. والمستثمر سيحقق عوائد كبيرة

يبلغ حجم الاستثمارات السعودية في مصر ما بين 27 و30 مليار جنيه (أ.ب)
TT

أبدى رجال المال العرب الذين يستثمرون أموالهم في مصر تفاؤلا بالمستقبل الاقتصادي والاستثماري في مصر بعد الثورة التي أجبرت الرئيس حسني مبارك على ترك السلطة.

وتوقع اقتصاديون ومستثمرون سعوديون أن تشهد مصر مرحلة جديدة أكثرا شفافية وانفتاحا على رؤوس الأموال الأجنبية بعد التطورات الأخيرة التي أسفرت عن تنحي الرئيس المصري حسني مبارك عن منصبه وتسليم السلطة للجيش تمهيدا لحكم مدني ديمقراطي.

وعلى الرغم من عدم التيقن بشأن المستقبل السياسي للبلاد يساور المسؤولين الحكوميين والمستثمرين عموما إلى جانب أغلبية المصريين أمل كبير في حكومة وسوق أكثر انفتاحا وأكثر جذبا للمستثمرين مع رسوخ قدم اقتصاد الأسواق ونمو التجارة تدريجيا، في بلد يتطلع سكانه البالغ عددهم 80 مليون نسمة لأن يصبحوا جزءا من الاقتصاد العالمي.

وقال عبد الله صادق دحلان رئيس المجلس السعودي المصري للأعمال لـ«رويترز»: «المرحلة القادمة مرحلة إصلاح وتطوير للقوانين والأنظمة التي تستطيع أن تحد من الفساد المالي والإداري، والشعب المصري أثبت أنه لا يهدف إلى التخريب، فمطالبته كانت الإصلاح بشكل سلمي وسعت للحفاظ على أصول الاستثمارات».

ووفقا للمجلس السعودي المصري للأعمال يبلغ حجم الاستثمارات السعودية في مصر ما بين 27 و30 مليار جنيه (بين 4.5 و5.10 مليار دولار) وتتوزع رؤوس الأموال السعودية في مصر على الكثير من الخيارات الاستثمارية، أبرزها قطاع الخدمات والسياحة والطيران والقطاع العقاري والزراعي، إلى جانب بعض الأنشطة المالية.

من جانبه قال ناصر الطيار الرئيس التنفيذي لمجموعة «الطيار للسفر والسياحة»، الذي يبلغ حجم استثمارات شركته في مصر 100 مليون ريال سعودي (26.6 مليون دولار): «أعتقد أننا أمام تجربة تركية جديدة في العالم العربي سياسيا واقتصاديا». وأضاف: «من استثمر في تركيا قبل عشر سنوات حقق نتائج ممتازة، ومصر هي تركيا الحاضر في حال الاستقرار السياسي الذي نأمل أن يكون سريعا». وتوقع الطيار أن تكون هناك عودة سريعة للأعمال منذ أعلن الرئيس مبارك تنحيه، مشيرا إلى أن نسب الأشغال ارتفعت في رحلات وبرامج شركته إلى 20 في المائة بعد أن كانت شبه معدومة. وكان الطيار قال لـ«رويترز» الأسبوع الماضي إن عمليات شركته تراجعت بما يقارب 30 في المائة أثناء الأزمة التي دفعت أعدادا كبيرة من السياح لمغادرة البلاد في ذروة الموسم السياحي في مصر.

من جانبه أكد عبد العزيز الجاسر رئيس مجلس إدارة شركة «العربية للعود»، والمستثمر في البورصة المصرية، عزمه الاستمرار والتوسع في جميع استثماراته في مصر، كما قرر أن يضاعف حجم تعاملاته في سوق الأوراق المالية المصرية بنسبة 100 في المائة، لكنه امتنع عن الخوض في تفاصيل. وقال الجاسر: «البورصة المصرية من أفضل الأسواق العربية، وأتوقع أن تكون عوائدها مذهلة خلال العامين المقبلين»، لكنه أوضح أن ذلك سيكون مرهونا بتسلم الحكومة المدنية لمهامها». والبورصة المصرية مغلقة منذ 30 يناير (كانون الثاني)، وقد خسرت في آخر جلستي تداول لها قبل الإغلاق 70 مليار جنيه مصري (12 مليار دولار).

وقال مسؤول في البورصة المصرية أمس الاثنين إنه تقرر استمرار إغلاق البورصة المصرية لحين استقرار الأوضاع بالبنوك المصرية. وصرح مهيدب المهيدب مدير عام شركة «الصرح للسفر والسياحة» وعضو لجنة الاستثمار في غرفة تجارة وصناعة الرياض، بأن البورصة المصرية تشكل إغراء كبيرا أمام المستثمرين. وقال إنه ينوي الاستثمار في البورصة المصرية عند عودتها إلى العمل، ويتوقع أن تحقق استثماراته أرباحا تقترب من 30 في المائة خلال عام. وقال إحسان أبو حليقة الاقتصادي السعودي وعضو مجلس الشورى السابق: «اقتصاد مصر كبير ومبني على قاعدة اقتصادية منوعة، وهو متقدم على معظم البلاد العربية بما فيها دول الخليج على مستوى الصناعات المصرفية والخدمات المالية».

ويرى أبو حليقة أن الثقة في الاقتصاد المصري تعززت أكثر بعد الأحداث، إذ حرص الجميع على الحفاظ على السمعة التي اكتسبتها مصر في مجال الاقتصاد والمناخ الاستثماري في السنوات الماضية. وقال: «تكاليف التأمين على السندات المصرية في ذروة الأحداث كانت أقل منها في مشروع النخيل بدبي».

وفي الكويت قال حسين الخرافي، رئيس اتحاد الصناعات الكويتية، إن الاتجاه الواضح في مصر حاليا يسير نحو ديمقراطية أفضل، وكلما زادت الديمقراطية في بلد من البلدان، تأصل حكم القانون، وهو ما يبحث عنه المستثمر دائما لأن الديمقراطية مرتبطة بالعدل الذي يحفظ حقوق المستثمرين، بعكس الحكم الفردي الذي لا يستند إلى قواعد واضحة، ولا يبعث على الاطمئنان.

وأضاف الخرافي: «مهما اختلف الحكم في مصر، فإن أي قيادة تأتي سوف تعطي الأولوية للاقتصاد.. عدد السكان في مصر تخطى الثمانين مليون نسمة، والناس بحاجة للعمل، والعمل لا يأتي إلا من خلال مصانع جديدة وخدمات جديدة، وبالتالي يفترض في أي حكومة جديدة في مصر أن تعطي الأولوية لتنمية الاقتصاد، وتوفر الحماية الكافية للمستثمر الأجنبي.. المنطق يقول هذا».

وبلغت قيمة الاقتصاد المصري نحو 217 مليار دولار العام الماضي، وهو ما يعادل نصف اقتصاد السعودية الغنية بالنفط. ويعتمد اقتصاد مصر على الاستثمارات الأجنبية والسياحة وإيرادات قناة السويس.

وتوقع محللون في استطلاع لـ«رويترز» قبل شهر من اندلاع الاحتجاجات نموا يبلغ 5.4 في المائة في السنة المالية التي تنتهي في يونيو (حزيران)، وهو ثاني أكبر معدل نمو في المنطقة العربية بعد قطر. وتوقعت الحكومة نموا يبلغ ستة في المائة.

في القاهرة، قال رئيس أحد أبرز بنوك الاستثمار في مصر، أمس الاثنين، إن المستثمرين الأجانب يرون التطورات الأخيرة في مصر، التي أسفرت عن تنحي الرئيس حسني مبارك، تطورات إيجابية على المدى المتوسط؛ إذ إن عوامل النمو الاقتصادي لم تتغير، وإن تحول البلاد نحو حكم مدني ديمقراطي سيؤدي في نهاية الأمر إلى تدفق هائل للاستثمارات.

وقال كريم هلال، الرئيس التنفيذي لبنك الاستثمار «سي آي كابيتال» لـ«رويترز» في مقابلة عبر الهاتف: «تحدثنا مع الكثير من المستثمرين الأجانب على مدى الأسابيع الـ3 الماضية وجميعهم يرون أن كل ما حدث إيجابي». وأضاف: «مصر تتجه نحو حكم مدني ديمقراطي وتطهير واضح للفساد.. أيا من كان من يقود السيارة لن تتغير الوجهة». وذلك في إشارة إلى قيادة عجلة النمو الاقتصادي في البلاد. وأوضح هلال أن العوامل الأساسية الدافعة للنمو، ومن بينها ارتفاع معدل السكان وزيادة الاستهلاك والحاجة الماسة لتطوير البنية الأساسية، لا تزال موجودة ولم تتغير. وقال: «على المدى المتوسط ستظل العوامل الأساسية الدافعة للنمو كما هي دون تغيير.. لكن مع ذلك هناك ضرورة ملحة للسعي وراء تنفيذ خطة التنمية بصورة أسرع من ذي قبل».

وفي سؤال حول مدى تقبل الأجانب لحالة عدم التيقن حاليا، أشار إلى أنه حتى خلال حكم مبارك «كانت هناك حالة من عدم التيقن بشأن قضية التوريث ونقص الديمقراطية وارتفاع مستوى الفساد والمحسوبية والرشوة، لكننا تمكنا الآن من إلغائها.. لكن يبقى هناك خيط رفيع؛ إذ إنه يجب عدم إساءة فهم حركة التطهير من الفساد كمعركة ضد الرأسمالية أو حرب ضد رجال الأعمال الناجحين».

ومن غير المؤكد ما الذي ستسفر عنه التطورات، إلا أن المسؤولين الحكوميين والمستثمرين عموما إلى جانب أغلبية المصريين يساورهم أمل كبير في حكومة وسوق أكثر انفتاحا. وتوقع هلال أن تحتفظ الغالبية العظمى من المستثمرين الأجانب باستثماراتها وأن تنتهج سياسة الانتظار والترقب، بينما سينتهز البعض الفرصة الحالية لتنفيذ عمليات شراء، مستبعدا ظهور عمليات بيع بدافع الذعر. وقال: «اتضح ذلك من أداء شهادات الإيداع الدولية، كما أنه على مدى الأيام الماضية أنهت معظم البنوك تعاملاتها باحتياطيات صافية».