السعودية: اقتصاديون يطالبون بضبط نسب التضخم ومراقبة الأسواق

دعوا إلى ترشيد الإنفاق الحكومي.. واتخاذ خطوات سريعة للاستثمار بالأمن الغذائي

بلغت نسبة التضخم في البلاد حسب آخر إحصائية رسمية لشهر يناير 5.3% (أ.ف.ب)
TT

ما بين أسباب محلية وأخرى خارجية، دفعت إلى زيادة معدلات التضخم في السعودية، لا تختلف آراء الاقتصاديين السعوديين كثيرا حول إمكانية الإمساك بمواضع الخلل في ذلك، في حين أنهم يجمعون على حلول طالبوا بها لكبح جماح التضخم، لا سيما في ظل استمرار غلاء المعيشة بصورة وصفت بالمبالغ بها، وخصوصا أن ذلك صاحب تدني الأجور في الكثير من مجالات العمل.

وبعد أن بلغت نسبة التضخم في البلاد حسب آخر إحصائية رسمية لشهر يناير (كانون الثاني( 5.3 في المائة، والتي وصفها البعض بأنها غير دقيقة، لما تشهده أرض واقع الأسواق السعودية من غلاء مبالغ فيه، مطالبين بضبط نسب التضخم ومراقبة الأسواق وترشيد الإنفاق الحكومي بقدر ما يستطيع الاقتصاد أن يستوعبه، في حين ذهب البعض إلى المطالبة باتخاذ خطوات سريعة للاستثمار بالأمن الغذائي ومستقبله من خلال الدخول في شراكات دولية، وإنشاء صناديق استثمار عالمية.

ويرى فضل البوعينين الخبير الاقتصادي السعودي أن التغذية الأساسية للتضخم هي تغذية محلية بسبب السياسة المالية والرقابية، وهذا لا ينفي وجود تضخم مستورد، إلا أنه لا يقارن بالتغذية المحلية، وبدلا من الاعتماد على البصل كمؤشر على وجود التضخم المستورد، فمن الأفضل الاستشهاد بالإيجارات والعقارات التي تمثل المجموعة التي غالبا ما تؤثر بقوة في معدل التضخم.

وقال الخبير فضل، خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إنه من الأهمية بمكان أن يتم خلال احتساب مؤشر تكلفة المعيشة اعتماد كلي على السلع الأساسية المتغيرة وليست الثابتة، مشيرا إلى وجود سلع استهلاكية تستنزف مداخيل المواطنين، مؤكدا على أهمية نقل الصورة الحقيقية لتكلفة العيشة كما هي لمتخذي القرار.

وأوضح البوعينين أن الأسواق السعودية وصلت إلى مستويات عالية جدا في التضخم، خصوصا في غلاء المعيشة، مبديا تخوفه من أن يرتبط هذا الغلاء بتدني الأجور، الأمر الذي سيثقل كاهل الفرد، مشددا في ذات الوقت على أهمية ضبط نسب التضخم وكبح جماحه، معتبرا ذلك عملا حقيقيا للاقتصاد، إذ لا يمكن ترك معدلات التضخم في الارتفاع دون معالجة، ولا حتى فصل معدلات التضخم عن المؤشرات الأخرى.

وأكد البوعينين أن سوق المواد الغذائية على سبيل المثال يشهد أسعارا مرتفعة عما كانت عليه في الشهر الماضي، الأمر الذي يفترض أن ينعكس على مؤشر التضخم العام، الذي صدر الأسبوع الماضي.

وعن الرعاية الطبية قال البوعينين إن أسعارها ارتفعت عما كانت بكثير، حيث باتت فواتير المستشفيات الخاصة تشهد أسعارا مبالغا فيها، الأمر الذي قد يؤثر مستقبلا على قطاع التأمين، لأن معظم المستشفيات الخاصة تعتمد اعتمادا كبيرا على شركات التأمين، مستشهدا في ذلك بإحدى شركات التأمين الكبرى عندما استبعدت بعض المستشفيات من قائمة بوليصة التأمين بسبب ارتفاع فواتيرها.

وذهب البوعينين في حديثه إلى أن الإنفاق الحكومي التوسعي أدى إلى تحفيز التضخم وتغذيته حتى وصل إلى هذا المستوى العالي، خصوصا في مجموعتي الإيجارات والمواد الغذائية، إذ لا يمكن التحدث عن ضبط التضخم بمعزل عن السياسة المالية التي تشهد إنفاقا توسعيا غير مسبوق، إضافة إلى عدم مراعاة شرائح المجتمع المختلفة التي تعد المتضرر الأول من هذا التضخم.

وقال فضل البوعينين إن الحكمة في ذلك تفرض أن الإنفاق يتم بقدر ما يستطيع الاقتصاد أن يستوعبه، بحيث لا يكون أكبر ويؤدي إلى هذا التضخم الذي حدث، مضيفا: «نحن نحتاج إلى هذا الإنفاق التوسعي وعملية التنمية، ولكن يجب أن يكون هناك مقابل هذا الإنفاق عمليات منظمة لكبح جماح التضخم، وهذه من مسؤولية المسؤولين عن السياستين المالية والنقدية، والكفاءة في الأداء تقاس بالناتج من مشروعات التنمية ومخرجاتها الحقيقية، ومستوى حياة المواطنين وتأثير التضخم عليهم».

وزاد البوعينين أنه من الواجب السيطرة على الأسواق من خلال الجهة الرقابية التي تمثلها وزارة التجارة، إذ إن ضعف الرقابة يتسبب في زيادة معدلات التضخم.

وركز البوعينين على أهمية احتساب التضخم في جميع مناطق البلاد، بأساليب وطرق تناسب كل منطقة، حيث إن هناك مناطق يكون التضخم فيها أعلى من نسب التضخم في مناطق أخرى، وخصوصا في مجموعات المواد الغذائية والإيجارات، لذلك لا يوجد هناك تناغم حقيقي في مدخلات مؤشر تكلفة المعيشة.

خبير اقتصادي آخر، فضل عدم ذكر اسمه، أشار إلى أن واقع تكلفة المعيشة يشهد نسب تضخم عالية جدا، مضيفا أن أغلب المواد الغذائية شهد ارتفاعا حادا خلال الأيام الماضية، والإيجارات ما زالت في ارتفاع مستمر وكذلك الدواء.

ومن وجهة نظره يرى الخبير الاقتصادي أن كل ذلك يعود لسببين: الأول استمرار انخفاض أسعار صرف الدولار أمام العملات الأخرى، حيث إن السعودية التي تستورد أغلب وارداتها من أوروبا والصين والهند تتأثر بشكل مباشر عندما تنخفض أسعار صرف الدولار، لارتباط سعر صرف عملتها بسعر صرف الدولار، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض القوة الشرائية للريال، مما ينعكس على أسعار التكلفة في داخل السوق السعودية، وتصبح تكاليف الاستيراد على الموردين السعوديين أعلى كلما انخفض سعر صرف الدولار، مما يجعل التضخم في السعودية تضخما «مستوردا».

وزاد الخبير الاقتصادي: «ومن هذا المنطلق يكون من الأجدى إعادة تقييم سعر صرف أو إعادة تقييم سعر ربط الريال بالدولار بدلا أن 3.75 ريال يصبح 3.20 ريال أو أقل، وبهذا يتم التوصل وبشكل سريع جدا للحد من ارتفاع نسب التضخم المستورد».

أما السبب الثاني وفقا للخبير الاقتصادي فهو استمرار صناديق استثمارية ضخمة في الدول الصناعية الكبرى في المضاربة على العقود الآجلة لأسعار السلع والخدمات من دواء وغذاء، إضافة إلى المواد الخام مثل البترول، حيث أشار الخبير السعودي إلى وجود مضاربة شرسة من قبل صناديق ومستثمرين كبار ينطلقون من الدول الصناعية الكبرى إلى جانب الصين والهند للمضاربة على الأسعار المستقبلية للسلع الأساسية من الأدوية والأغذية، لهذا ستستمر هذه المضاربة برفع تكلفة المنتجات الأساسية.

وقال الخبير السعودي إن السعودية التي تستورد أغلب احتياجاتها من الخارج تحتاج إلى إعادة النظر في ربط سعر صرف الريال بالدولار، واتخاذ خطوات سريعة من حيث الاستثمار بالأمن الغذائي ومستقبله، وذلك بأن يكون هنالك صندوق يدار بمهنية عالية واحترافية ويقارع تلك الصناديق العالمية والبدء بتملك شركات بطريقة مدروسة ومالية.

ودعا خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى تكوين شركة كذراع استثمارية تسمى بصندوق أغراض خاصة (صندوق الملكية الخاصة)، يدار بشكل استثماري، بحت ويقوم هذا الصندوق بالاستحواذ أو الدخول بمشاركة شركات عالمية يكون نشاطها في الزراعة والأغذية، مضيفا أنه ومن خلال إجراء هذه الشراكات وتملك أسهم لهذه الشركات، يمكن للبلاد توجيه جزء كبير من المحاصيل لأراضيها وتكون شريكا في ملكية بعض المحاصيل.

ولفت الاقتصادي السعودي إلى الأصوات التي تركز على أن ارتفاع سعر صرف الريال سيؤثر على الفوائض المالية للدولة في الدولار، يجب أن ينظر في المقابل إلى التكاليف التي تتكبدها ميزانية الدولة بالنظر للدعم الحكومي للدواء والغذاء.

وكان وزير المالية السعودي إبراهيم العساف قد قال في حديث سابق لـ«الشرق الأوسط» إن هناك عددا من الأمور تحتاج إلى معالجة، والمعالجة هذه تأخذ وقتا، خصوصا أن عنصرا من العناصر المغذية والمؤدية إلى ارتفاع التضخم هي الإيجارات، وأن الإيجارات في حاجة إلى استثمار في الإسكان، وفي هذا المجال هناك مبادرات كثيرة، سواء من القطاع الخاص أو من الحكومة ولكنها في حاجة إلى وقت، مضيفا أن هناك عوامل خارجية أسهمت في زيادة معدلات التضخم مثل تكلفة الغذاء.

وزاد العساف: «وهذه نتيجة لعوامل طبيعية وعوامل تتعلق بدول أخرى، ولا نستطيع أن نعمل خارج إطار الدولة، ولكن كذلك العوامل التي أدت إلى ضغط في الماضي على التضخم لن تكون بمثل مستوياتها خلال الفترة الحالية أو المستقبلية، كأسعار مواد البناء، وهذه استقرت على أسعار معقولة، وبالتالي ستساعد على إيجاد النمو في بناء المساكن، وهو ما سينعكس على المدى المتوسط، وسيكون هناك انخفاض في معدلات التضخم في المملكة».

وأشار الجاسر خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» نهاية الشهر الماضي إلى أن بلاده وضعت بعض الإجراءات لمواجهة التضخم، كالنسبة التي أضيفت من قبل وزارة المالية إلى الرواتب لمواجهة الغلاء، إضافة إلى العناصر التي تتضمنها سلة المستهلك، وهي مثبتة، كالبنزين والتعليم والصحة، إضافة إلى المواد الغذائية، مؤكدا أنه لا يقلل من القلق حول مؤشرات التضخم التي وصفها بالمستوردة.