الحلا برا

علي المزيد

TT

فقد الوسط الاقتصادي في السعودية إمبراطور التجار صالح الراجحي، رحمه الله، وأنا اليوم لن أكتب عن عصامية هذا الرجل، فهذه قصة تناولتها الصحف وتحدث عنها هو شخصيا لوسائل الإعلام بكل صدق وشفافية حتى باتت معروفة للجميع. أحمل بين جنباتي تقديرا كبيرا لهذا الرجل، رغم أنني لم ألتقه. ستقولون بماذا يهذي هذا الكاتب؟.. كيف يقدر رجلا لم يلتقه؟.. لن أطيل عليكم، لكني سأسرد عليكم القصة وأجعلكم حكما.. والدي رحمه الله كان تاجر أقمشة نسائية في الرياض العاصمة السعودية، وكان جاره عبد الله الغيث زميلا لوالدي في المهنة وجارا له في الحانوت، وهو رجل خير وصلاح، وهو والد إبراهيم الغيث رئيس الهيئات، ومن حبه للخير كان متطوعا لخدمة محتاجي المدينة - ليعرف الشباب أن العمل التطوعي قديم وأزلي. كان ذلك في أواخر الستينات الميلادية، وكنت صبيا.. حدث عبد الله الغيث والدي فقال: «أذهب إلى صالح الراجحي فيعطيني مليون ريال (266 ألف دولار) أفرقها على فقراء المدينة ومحتاجيها، وأكتب كشفا بمن فرقت عليهم المبالغ، وأعود بالكشف للشيخ صالح الراجحي فأجده يحتسي الشاي فيناولني قدحا منه، فالحظ أن السكر في وعاء خارجي أو ما يعرف في مقاهي السعودية فيما بعد بطريقه (الحلا برا).. أسأل الشيخ صالح الراجحي: لماذا لا تضع السكر داخل إبريق الشاي؟.. فيضحك صالح الراجحي ويقول: يا شيخ عبد الله خسرنا الشاي فهل نخسر أيضا السكر؟ وهم، أي قاطني مدينة الرياض، ينظرون إلى هذا الفعل على أنه نوع من الحرص والتدبير الشديدين في ذلك الوقت، وليس مظهرا مدنيا كما في وقتنا الحالي». يقول الغيث: «فيجفل قلبي، لكني أقدم له الكشف، فإذا بالراجحي يدعو سكرتيره ويسلمه الكشف، ونكمل حديثنا واحتساء الشاي، وإذا بالسكرتير يعود مرة أخرى لتسليمي مليونا آخر لتفريقه على المحتاجين، وهذا يتكرر كلما نفد هذا المليون».. فيا أيها القارئ الكريم هل أنا على خطأ أم على صواب في تقديري؟ الحكم لك ودمت.

* كاتب اقتصادي