اعتماد الاتحاد الأوروبي على الغاز المستورد يتزايد في ظل تراجع إنتاجه محليا

ملف إمدادات الطاقة أحد أبرز ملفات أجندة القمة الأوروبية - الروسية

TT

أعلنت بروكسل عن زيارة مرتقبة لرئيس وزراء روسيا فلاديمير بوتين يوم الأربعاء المقبل، وحسب المسؤولين في الجهاز التنفيذي الأوروبي، سيكون ملف التعاون في مجالات الطاقة، أحد أبرز الملفات المطروحة على أجندة المحادثات مع رئيس المفوضية الأوروبية مانويل باروسو، ورئيس مجلس الاتحاد الأوروبي هرمان فان رومبوي، إلى جانب ملفات أخرى تتعلق بتعزيز العلاقات الاقتصادية والشراكة في المجالات المختلفة ومكافحة الهجرة والتهريب ومواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية. ويعتبر ملف إمدادات الطاقة عبر روسيا إلى الاتحاد الأوروبي في مقدمة المواضيع التي تتناولها القمم المشتركة، وتأتي زيارة بوتين إلى بروكسل عقب إعلان الشبكة الأوروبية لمشغلي شبكة نقل الغاز، أنه من المتوقع أن يتزايد اعتماد أوروبا على الغاز المستورد من 63 إلى 78 في المائة من الاستهلاك بحلول عام 2020، رغم تفاوت توقعات الطلب نحو عشرين في المائة. وتتوقع أكبر مجموعة لشبكة الغاز في أوروبا، تراجع إنتاج الغاز في أوروبا من نحو 37 إلى 22 في المائة من الطلب بحلول نهاية العقد مما يدفع موردي الغاز الأوروبيين للبحث عن مزيد من الإمدادات من الخارج. وقال ستيفان كامفيوس رئيس الشبكة: «نعلم جميعا أن أوروبا تتغير سريعا فيما يتعلق بالمصادر والنقل والاستخدامات لطاقتها الرئيسية». وأضاف: «الشبكة مقتنعة بأن الغاز الطبيعي والبنية التحتية سيلعبان دورا مهما متزايدا لتحقيق أهداف سياسة الطاقة التي تعهد بها الاتحاد الأوروبي». يأتي ذلك في وقت يتحرك المسؤولون في الاتحاد الأوروبي للضغط من أجل دمج اثنين من المشاريع الاستراتيجية في مجال إمداد أوروبا بالغاز الطبيعي من آسيا الوسطى وأذربيجان وهما خط نابوكو الممول من الاتحاد الأوروبي والخط الإيطالي المعروف باسم (آي تي جي). وحسب العديد من المراقبين في بروكسل، يريد الاتحاد الأوروبي التخلص من تبعيته الكبيرة لروسيا، في مجال الإمدادات بالطاقة وتنويع مصادر تزوده، والتوجه إلى منطقة بحر قزوين وإلى أذربيجان في مرحلة أولى. وقام رئيس المفوضية الأوروبية خوسيه باروزو بزيارة إلى باكو لهذا الغرض الشهر الماضي. وقالت الحكومة الأذرية مؤخرا أن القرار النهائي بشأن الجهات التي ستتولى تسويق ونقل الغاز عبر خط نابوكو إلى أوروبا سيتخذ في غضون ثلاثة أشهر من الآن.

وتبلغ التكاليف المعلنة لخط نابوكو زهاء 11 مليار دولار وهو مبلغ يجد الاتحاد الأوروبي صعوبة حاليا في توفيره بسبب الأزمة المالية. وإذا تم الاعتماد على الخط الإيطالي الذي يعبر اليونان والبحر الأدرياتيكي فإن الاتحاد الأوروبي سيجد مهلة كافية من الزمن للبحث عن شركاء آخرين سواء في أوروبا أو خارجها لتفعيل خط نابوكو. وفي أعقاب القمة الأوروبية الأخيرة التي انعقدت مطلع الشهر الحالي في بروكسل، أعرب رئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو عن السعادة لكون كتلة قادة الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وافقت على أربعة التزامات طرحها في مجال سياسة الطاقة. وقال: «إننا في الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى سوق متكاملة للطاقة بحلول عام 2014 الذي سنتمكن من خلاله من توفير خمسة ملايين فرصة عمل وتعزيز النمو والتقليل من اعتمادنا على الطاقة الذي يكلفنا في الوقت الحاضر 210 مليارات يورو سنويا». ولفت إلى أن «أوروبا بحاجة إلى بذل المزيد في مجال كفاءة الطاقة والتي تعتبر الطريقة الأسرع لخفض فواتيرنا وذلك لكي نتمكن من بلوغ أهدافنا المرجوة في عام 2020 والمتعلقة بالطاقة وخفض فواتير المستهلكين بنسبة ألف يورو لكل أسرة». وعقب زيارة قام بها رئيس المفوضية الأوروبية مانويل باروسو في يناير (كانون الثاني) الماضي إلى كل من تركمانستان وأذربيجان، لتحقيق الهدف الأوروبي في تنويع مصادر الحصول على الطاقة، وخاصة فيما يتعلق بالحصول على الغاز وتقليل اعتماد أوروبا على روسيا، وهي المورد الرئيسي التقليدي. قالت مصادر المفوضية: «جرى توقيع اتفاق تاريخي في هذا الملف مع أذربيجان وتوجه الوفد إلى تركمانستان التي تملك أيضا احتياطيات كبيرة من الغاز». ووقع الاتحاد الأوروبي اتفاقا مع أذربيجان لتوريد الغاز الأذربيجاني إلى أوروبا. وقال مانويل باروسو رئيس المفوضية الأوروبية في بيان: «يؤكد هذا الاتفاق حصول أوروبا على الغاز مباشرة من حوض بحر قزوين». وقالت المفوضية الأوروبية إن أذربيجان تعهدت بإمداد أوروبا بكميات كافية من الغاز، للتمكين من إنشاء ممر جديد لخطوط أنابيب للإمدادات عبر تركيا يعرف بالممر الجنوبي. وقال باروسو في باكو «إنشاء هذا الممر جزء من اهتمامنا الاستراتيجي المشترك». ومضى قائلا: «تريد أذربيجان تنويع صادراتها بقدر ما يريد الاتحاد الأوروبي تنويع وارداته». سيعطي الممر الجنوبي لأذربيجان منفذا فعليا يمكن الاعتماد عليه إلى سوق الطاقة الأوروبية وهي الأكبر في العالم. وتتنافس 3 اتحادات شركات على أعمال البنية التحتية لنقل الغاز من حقل شاه دنيز 2 في أذربيجان إلى أوروبا. وقالت المفوضية الأوروبية في البيان إن الاتفاق «التاريخي» يلزم أذربيجان بتوريد كميات كبيرة من الغاز على المدى الطويل إلى الاتحاد الأوروبي فيما تفتح أوروبا الأسواق أمامها. وشدد باروسو على أن «طريق الإمدادات الجديد هذا من شأنه تعزيز أمن الطاقة للمستهلكين والشركات في أوروبا». من جانبه قال مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون الطاقة غونتر أوتينغر «في ظل زيادة واردات الغاز في العقود المقبلة فإننا بحاجة إلى دول موردة جديدة من بينها أذربيجان بالطبع بالإضافة إلى شركائنا الحاليين». ويستند الممر الجنوبي إلى بناء خطوط أنابيب عدة مثل (نابوكو) و(آي تي جي آي) و(وايت ستريم) و(تي إيه بي) بهدف نقل الغاز من بحر قزوين إلى أوروبا، وتعمل أوروبا على إقامة استثمارات خارجية تضمن لها التزود بكميات كبيرة من الغاز من عدة دول مجاورة وعبر طرق نقل جديدة وفعالة على المدى الطويل مما سيغنيها تدريجيا عن الاعتماد على الشريك الروسي، بوصفه المصدر الأهم للغاز القادم إلى أوروبا»، حسب مصادر المفوضية الأوروبية. ويأمل الأوروبيون أن يكون الممر الجنوبي جاهزا بين عامي 2016 و2017، لينقل لهم ما بين 20 إلى 31 مليون متر مكعب من الغاز سنويا، من مصادر متنوعة مثل منطقة بحر قزوين والشرق الأوسط.. وتؤمن دول الاتحاد الأوروبي حاليا 40% من احتياجاتها من الغاز من روسيا، وتعمل حاليا على البحث عن تنويع مصادر التزود بالغاز وخطوط نقله مما سيجعل اعتمادها على الروس يتراجع في المستقبل. وفي تصريحات سابقة لباروسو أشار إلى أن أوروبا تبني مستقبلا يتضمن بنية أقوى على المدى البعيد للاقتصاد. وذكر أن الهيئة التنفيذية للاتحاد الأوروبي ناقشت في اجتماعها الأول هذا العام اثنين من القطاعات ذات الأولوية لتعزيز النمو والطاقة والابتكار. وأوضح «دعوني أقول لكم بكل صراحة إنني غير راض عن التقدم الذي أحرز في مجال كفاءة الطاقة». وأضاف: «بشأن الطاقة المتجددة فإننا نحرز الكثير من التقدم وليس هذا هو الحال بالنسبة لهدفنا في كفاءة الطاقة». وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أعلن الاتحاد الأوروبي عن اعتماد لائحة تضم تشريعات جديدة، سبق أن أقرها البرلمان الأوروبي، تهدف إلى الحفاظ على أمن إمدادات الغاز، من خلال ضمان واستمرار حسن سير السوق الداخلية للغاز، وتقديم تعريف واضح حول المسؤوليات مع تنسيق الاستجابة على مستوى الدول الأعضاء للإجراءات الوقائية ورد الفعل لأي اضطرابات، قد تؤثر على إمدادات الغاز إلى دول الاتحاد، مما قد يترتب عليه من أضرار اقتصادية كبيرة وتأثيرات اجتماعية، وخاصة على الفئات الضعيفة، وأشار بيان أوروبي صدر ببروكسل إلى أن الغاز الطبيعي هو عنصر أساسي في إمدادات الطاقة لدول الاتحاد ويشكل وحده ربع إمدادات الطاقة الأولية، وارتفع استهلاك الغاز بسرعة خلال السنوات العشر الأخيرة وفي نفس الوقت انخفض الإنتاج المحلي، وحذر البيان من خطر الاعتماد على الطاقة المستوردة وضرورة اتباع سياسة التنوع في الاعتماد على مصادر الطاقة والطرق.. وكان انقطاع إمدادات الغاز في النزاع الذي دارت رحاه بين روسيا وأوكرانيا في شتاء عامي 2008 و2009 وأسفر عن معاناة الملايين في الكثير من الدول الأوروبية من نقص التدفئة الدافع وراء التشريع الجديد. ويشكل الغاز الروسي ربع استهلاك أوروبا من الغاز، ويمر 80% منه عبر أراضي أوكرانيا.