ارتفاع صادرات أميركا من القمح مع ازدياد الطلب العربي عليه

كثير من الأميركيين يرون تحسنا في اقتصاد بلادهم لكن ليس لصالحهم

TT

ارتفعت صادرات الولايات المتحدة من القمح للمرة الأولى منذ أربعة أسابيع، في إشارة إلى انحسار تراجع الطلب مع إقبال دول مضطربة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مجددا على السوق الأميركية للاستفادة من هبوط الأسعار. ويتوقع محللون وتجار أن تزيد هذه الدول طلبها على القمح في إطار محاولتها بناء مخزونات بعد أن أذكى ارتفاع نفقات الغذاء موجات احتجاجات. واستحوذت الولايات المتحدة على جزء كبير من مناقصات القمح التي طرحت هذا الأسبوع، وقال المحللون والتجار إنهم يتوقعون زيادة المبيعات بعد هبوط بلغ ستة في المائة في الأسعار في شيكاغو من ذروة صعود الأسعار عند ما يقرب من تسعة دولارات للبوشل. وقال بريان ليدل محلل السوق لدى «كونتري هيدجينج»: «الأمر ليس كما يعتقد بتوقف هذه المناقصات العالمية الكبيرة. إنه مجرد انخفاض الشراء من الولايات المتحدة نظرا لأسعارها المرتفعة. سيؤدي تراجع الأسعار إلى استعادة مزيد من الصفقات مجددا إلى الولايات المتحدة». وأضاف: «ونظرا للوضع السياسي في الشرق الأوسط، أعتقد أن (الحكومات) ستقع في خطأ شراء أكثر من اللازم من الغذاء وليس أقل من الاحتياجات». وارتفع الطلب العالمي على القمح في يناير (كانون الثاني) مدعوما بشراء الجزائر نحو مليوني طن من دول غير معروفة في غضون أسابيع، حيث أثار صعود أسعار الغذاء احتجاجات اجتماعية عبر دول معتمدة على استيراد الأغذية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط. وأظهرت بيانات لوزارة الزراعة الأميركية يوم الخميس أن صادرات القمح الأميركية الأسبوع الماضي تعافت لترتفع إلى ما يزيد على 725 ألف طن بعد انخفاضات لثلاثة أسابيع على التوالي من بينها 600 ألف طن للشحن في يونيو (حزيران) قبل حصاد محصول القمح التالي في نصف الكرة الشمالي. واستحوذ القمح الأميركي منذ ذلك الحين على نصيب كبير في مناقصات عديدة هذا الأسبوع في مصر والعراق وتركيا، مما يشير إلى أن أرقام الصادرات في الأسبوع المقبل ستكون أكثر ارتفاعا. وتزيد صادرات القمح الأميركية 55 في المائة عن الفترة نفسها من العام الماضي مسجلة أعلى مستوى في منتصف فبراير (شباط) منذ 2008 حينما اندلعت أيضا احتجاجات أدت إلى استيراد كميات كبيرة من الأغذية لتهدئتها. واشترت دول عديدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كميات من القمح في الأشهر السابقة حيث تحاول الآن تغطية احتياجاتها بعد تناقص المخزونات في بعضها. وأبرمت مصر، أكبر بلد مستورد للقمح في العالم، صفقات مضطردة منذ أن بدأت الأسعار في الارتفاع الصيف الماضي، لكن دولا أخرى في المنطقة اشترت كميات أكبر بشكل أكثر غرابة. وقال تاجر قمح أميركي: «في ظل الاضطرابات في مصر سيواصلون بناء مخزونات حتى حصاد محصولهم في مايو (أيار). سيشترون كميات أكثر في أبريل (نيسان) وربما نصف مليون طن في مايو قبل أن تتراجع مشترياتهم». وتقلصت الإمدادات في العراق، وهو مستورد رئيسي آخر، بعد إلغاء مناقصات عديدة في الأشهر السابقة نظرا لارتفاع الأسعار أو الشراء من تجار أقل مصداقية أخفقوا في التسليم. وطرح العراق ثلاث مناقصات الشهر الماضي ومن المتوقع طرح مناقصة الأسبوع المقبل. ويتوقع التجار أن تطرح السعودية قريبا مناقصة لشراء 500 ألف طن على الأقل، بينما ستسعى أفغانستان قريبا لشراء 200 ألف طن. وربما تطرح سورية والسودان قريبا مناقصات، وربما يدفع الجفاف الذي ضرب إيران حكومة طهران لطرح مناقصة لشراء قمح بحلول أبريل، وقال تجار إنها ربما تحتاج بضعة ملايين من الأطنان من القمح. وقال تاجر: «لم ير كثير من هذه المناطق أمطارا وفيرة في موسم هطول الأمطار أو في الشتاء. لا يزالون يعتمدون بكثافة إلى حد ما على إنتاجهم المحلي وعندما يتعرضون لجفاف فإنهم يظهرون في السوق ويشترون كميات كبيرة». وربما تكون الأسعار الأقل هذا الأسبوع قد أغرت مزيدا من المشترين للإقبال على السوق، ومن المنتظر أن تدفع علامات على شح إمدادات قمح الطحين (الدقيق) من أستراليا وكندا وأوروبا إلى تفضيل القمح الأميركي. وارتفعت أسعار العقود الآجلة للقمح الأميركي في بورصة شيكاغو لأعلى مستوى في عامين ونصف العام مقتربة من تسعة دولارات للبوشل الأسبوع الماضي قبل أن تنخفض ستة في المائة، وصعدت أسعار العقود الآجلة في «كنساس سيتي» مقتربة من عشرة دولارات للبوشل قبل أن تتراجع خمسة في المائة. وقال تجار إن الإمطار سببت أضرارا لجزء كبير من محصول القمح في أستراليا وتهافت المشترون الآسيويون على ما تبقى من قمح الطحين. ولم تقدم أستراليا كميات تذكر من القمح لمصر مؤخرا، وقال بعض التجار إنهم أصيبوا بالدهشة من استمرار أستراليا في التقدم بعروض للعراق في معظم المناقصات التي طرحها مؤخرا. وتواجه الصين جفافا في المنطقة الشمالية المنتجة للقمح مما يمكن أن يجبر بكين على استنزاف احتياطياتها.

من جانب آخر، أصبح الأميركيون أكثر تفاؤلا بمستقبل الاقتصاد، لكنهم لا يزالون قلقين بشأن موقفهم المالي. وبحسب تقرير نشر في «نيويورك تايمز»، فلأول مرة منذ ست سنوات يعتقد نصف الأميركيين على الأقل ممن شملهم مؤشر «طومسون رويترز» بجامعة ميتشغان لقياس مشاعر المستهلك الخاص، أن ظروف العمل قد تحسنت خلال العام الماضي بحسب النتائج الأولية لمسح أجري في فبراير.

وبالمثل، أشار التقرير إلى ازدياد عدد الأميركيين الذي يعتقدون في احتمال انخفاض معدل البطالة لا ارتفاعه، حيث يتوقع 29 في المائة انخفاضه، في مقابل توقع 21 في المائة ارتفاعه. بالنظر إلى ارتفاع معدل البطالة، الذي وصل إلى 9 في المائة في يناير (كانون الثاني) وهو آخر رقم صدر قبل إجراء المسح، قد لا يمثل ذلك صوتا قويا يؤكد الثقة في تعافي الاقتصاد.

لكن لم يتوقع أكثر الأميركيين انخفاض معدل البطالة منذ يوليو (تموز) 2004 عندما وصل إلى 5.5 في المائة. وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2009 عندما وصل المعدل إلى 10.1 في المائة، توقع 36 في المائة استمرار ارتفاعه، في مقابل توقع 16 في المائة انخفاضه. على الجانب الآخر، لم يتوقع البعض حدوث أي تغير في معدل البطالة أو لم يكن لهم رأي محدد.

وكما يلاحظ في الرسوم البيانية الملحقة، يعتقد أكثر الأميركيين أن ظروف العمل شهدت تحسنا خلال فترة الازدهار في التسعينات، لكن هذا ينطبق على فترة التوسع التي أعقبت الركود في 2001.

وخلال فترة الانتعاش الاقتصادي التي شهدها العقد الماضي، اعتقد أكثر الأميركيين أن أوضاع أسرهم المالية تحسنت عن العام الذي يسبقه رغم أنه كان من الطبيعي أن يشعروا باتجاه تلك الأوضاع إلى الأسوأ.

قبل الانكماش الاقتصادي الأخير وبالتحديد في أوائل الثمانينات أثناء الركود الحاد الذي صاحبه تضخم شديد، قال أكثر الأميركيين إن وضع أسرهم المالي قد ساء عن العام الذي قبله. لكن هذا الشعور خيم على الـ18 شهرا بدءا من منتصف 2008 مع بداية الأزمة المالية. ويقول 37 في المائة الآن إن وضعهم اتجه إلى الأسوأ في مقابل 28 في المائة يعتقدون أن وضعهم قد تحسن.

في الماضي لم يكن من المألوف اعتقاد الأغلبية المطلقة من الأميركيين في عدم قدرتهم على مجاراة التضخم العام المقبل، وقبل الأزمة المالية ارتفع التضخم. لكن حاليا يراود هذا الشعور 53 في المائة من الأميركيين، بينما يعتقد 8 في المائة أن دخلهم سوف يرتفع على نحو أسرع من الأسعار.

يبدو أن السبب وراء ذلك في الأساس هو القلق بشأن الدخل لا الأسعار. فرغم ارتفاع معدلات التضخم المتوقعة، فإنه لا يزال أكثر الأميركيين يتوقعون ارتفاع الأسعار بنسبة 4 في المائة أو أقل.

لكن قال أكثر من شملهم المسح إنهم يعتقدون أنهم لن يتمكنوا من مجاراة التضخم حتى ولم يكن موجودا. ويتوقع نحو ربع من شملهم المسح انخفاض دخل الأسرة خلال العام المقبل. ويعد هذا أقل مما كان عليه الحال في أوج الأزمة، إلا أنه أعلى من أي مستوى تم تسجيله قبل عام 2008. ويعتقد 10 في المائة فقط أن دخلهم سوف يرتفع بنسبة تفوق الـ5 في المائة. ويعد هذا أقل رقم تم تسجيله منذ بدء طرح هذا السؤال في المسوحات عام 1978.