السعودية: توقعات بنمو حجم تدوير السيولة بعد ضخ 27 مليار دولار في أهم شرايين الاقتصاد

خبير اقتصادي لـ «الشرق الأوسط»: الفائدة ستنصب في قطاعات أساسية تنعكس على الرفاهية الاجتماعية

فوائد كبيرة منتظرة من ضخ 100 مليار ريال (26.6 مليار دولار) في أهم شرايين الاقتصاد السعودي («الشرق الأوسط»)
TT

من المنتظر أن يعمل الدعم التنموي المقدر بنحو 100 مليار ريال (26.6 مليار دولار)، الذي تضمنته أوامر خادم الحرمين الشريفين الأخيرة، بعد عودته للبلاد، على تعزيز تدوير السيولة في الاقتصاد السعودي، لا سيما وأنه اشتمل على قطاعات حيوية شملت صندوق التنمية العقاري وبنك التسليف وهيئة الإسكان ومؤسسات أخرى تعنى باحتياجات المواطن البسيط، مثل الجمعيات الخيرية.

وبالنظر إلى الرقم الإجمالي الذي خصصته الدولة لمثل هذه القطاعات والذي يقدر بنحو 100 مليار ريال (26.6 مليار دولار)، فإنه من المتوقع أن يعزز ذلك في تدوير السيولة واتساع دائرة تداولها وحجم أرقامها، مما يعود بالفائدة على الاقتصاد ككل بدعمه لقطاعات أساسية مثل قطاعي العقارات والتشييد والبناء، إلى جانب فائدة الأساسية من خلال تحقيق الرفاهية الاجتماعي لكافة شرائح المجتمع، وتشجيع عجلة الاقتصاد على النمو بشكل أكبر. خبير اقتصادي سعودي وصف حزمة القرارات التنموية التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود لدى وصوله الرياض الأربعاء الماضي، بالشاملة لاحتياجات النماء الاجتماعي ومعالجة القضايا الأكثر أهمية بالنسبة للمواطنين، في حين أنها تشكل فائدة اقتصادية ضخمة، من خلال ضخ سيولة كبيرة من خلال قطاعات مختلفة في الاقتصاد، يكون لها الدور المحوري في إعادة تدوير السيولة بشكل أفضل.

كما اتصفت حزمة الأوامر الملكية، بالنظرة الشمولية الإيجابية لاحتياجات المواطنين، وبشكل خاص مشكلات الفقر ومحدودي الدخل، في حين أن ما اشتملت عليه هذه الأوامر من ضخ لأموال في قطاعات حيوية مهمة، سيعود بالفائدة الكبرى على المواطنين من جانب والاقتصاد من جانب آخر.

وكانت السعودية قد أعلنت في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ميزانية تاريخية للعام المالي 2011، قدرت بـ580 مليار ريال، وإيرادات متوقعة تبلغ 540 مليار ريال، في الوقت الذي حققت الإيرادات الفعلية للعام الماضي نحو 735 مليار ريال بزيادة بلغت نسبتها نحو 56 في المائة على المقدر له، تشكل الإيرادات البترولية نحو 91 في المائة. وكان لافتا أن الميزانية السعودية سجلت فائضا عام 2010 بلغ 108.5 مليار ريال، في الوقت الذي كان متوقعا فيه أن تبلغ مصروفات العام نحو 626.5 مليار ريال بزيادة تبلغ نحو 86.5 مليار ريال تشكل نسبة 16 في المائة على ما صدرت عليه الميزانية.

وتراجع الدين العام إلى 167 مليار ريال، واستحوذ قطاع التعليم والتدريب على 26 في المائة من الميزانية، بينما زادت مخصصات الصحة والتنمية الاجتماعية 12 في المائة، على ما كانت عليه في الميزانية السابقة.

ومع عودة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود للعاصمة السعودية الرياض، بعد رحلة علاج غاب فيها عن البلاد نحو 4 أشهر، أمر بقرارات كثيرة ركزت على النماء الاجتماعي، خصوصا فيما يتعلق بالشريحة المحتاجة لمثل هذا النوع من الدعم في المجتمع السعودي.

الخبير الاقتصادي السعودي فضل البوعينين قال لـ«الشرق الأوسط» إن دعم رأسمال صندوق التنمية العقارية بمبلغ إضافي قدره 40 مليار ريال، من شأنه التسريع في إنهاء الطلبات على القروض، مبينا أن ضخ سيولة بهذا الحجم في ميزانية صندوق التنمية العقاري سيصب في مصلحة المواطن من جهة والاقتصاد من جهة أخرى، حيث ستعطي هذه السيولة إضافة يستطيع من خلالها الصندوق تمويل قدر أكبر من القروض العقارية، وتدوير السيولة المتاحة للصندوق باستغلال إيرادات السداد وإعادة التمويل، الأمر الذي سيدعم قطاع التمويل العقاري وقطاع التشييد والبناء أيضا.

وأضاف البوعينين أن السعودية بهذا الدعم ستستثمر أكثر من 55 مليار ريال في القطاع العقاري من خلال «ضخ 40 مليار ريال لصندوق التنمية العقاري و15 مليار ريال لهيئة الإسكان» وذلك في سنة واحدة، وهو ما يعطي دعما قويا للاقتصاد خاصة القطاع العقاري، ومن جانب آخر سيساعد المواطنين على اقتناء منازلهم الخاصة وارتفاع مستوى رفاهيتهم الاجتماعية.

وعند النظر إلى دعم ميزانية صندوق التنمية العقاري بـ40 مليار ريال، فهذا يعني الدفع بحلول عاجلة للحد من وضع مشكلة الإسكان وإعطاء سيولة إضافية للصندوق تمكنه من التعجيل في إصدار القروض وخفض زمن الانتظار، حيث إن 40 مليارا ستضمن إصدار 133 ألف قرض عقاري، وهو ما يعد أمرا إيجابيا للغاية.

وأضاف البوعينين أنه في حال استمر وضع هذا الدعم لسنوات مقبلة من خلال فوائض الميزانية، ستتمكن الدولة من القضاء على مشكلة السكن.

وكان قرار دعم صندوق التنمية العقاري قد اشتمل على إعفاء جميع المتوفين من أقساط قروض صندوق التنمية العقارية للأغراض السكنية الخاصة المستحقة عليهم دون أية شروط، وإعفاء جميع المقترضين من صندوق التنمية العقارية للأغراض السكنية الخاصة من قسطين لمدة عامين. كما اشتملت حزمة الأوامر الملكية أمس على رفع رأسمال البنك السعودي للتسليف والادخار إلى 30 مليار ريال، وذلك بضخ مبلغ إضافي وقدره 20 مليار ريال، وإضافة الوديعة التي سبق وضعها لدى البنك والبالغ مقدارها 10 مليارات ريال، ليصبح مجموع الزيادة 30 مليار ريال، إلى جانب أمره بإعفاء جميع المتوفين من أقساط قروض البنك السعودي للتسليف والادخار الخاصة بالأغراض الاجتماعية دون أي شروط، وإعفاء جميع المقترضين من البنك السعودي للتسليف والادخار الخاصة بالأغراض الاجتماعية من قسطين لمدة عامين.

وهنا أكد فضل البوعينين على أن ذلك سيحقق إيجابيات كثيرة على جوانب مختلفة ربما لم تكن مستهدفة، مشيرا إلى أن تمويل رأسمال بنك التسليف يعطي ملاءة إضافية تساعد على الإقراض وبذلك ينعكس إيجابا على الاقتصاد بشكل عام من خلال دعم السوق المحلية وتدوير الأموال داخل هذا الاقتصاد.

وفي حين أن معظم المستفيدين من بنك التسليف هم الأفراد والأسر المحتاجة، التي لا تستطيع توفير القروض من قبل القطاع البنكي، سيضمن مثل هذا التوجه تخفيف أعباء المعيشة عن المواطن.

وكان من ضمن قرارات خادم الحرمين الشريفين أمس رفع الحد الأعلى لعدد الأفراد في الأسرة التي يشملها الضمان الاجتماعي من 8 أفراد إلى 15 فردا وتخصيص مبلغ مليار ريال لهذا الغرض، وتفعيل البرامج المساندة في الضمان الاجتماعي ودعمها، ومن أهمها: برنامج الأسرة المنتجة، برنامج الفرش والتأثيث، برنامج الحقيبة والزي المدرسي، برنامج بطاقة الشراء المخفض، وبرنامج دعم فواتير الكهرباء والماء، وبرنامج ترميم المنازل للمستفيدين من الضمان، وتخصيص مبلغ 3.5 مليار ريال لهذا الغرض.

وتوسيع الخدمات المقدمة من الرعاية والتنمية الاجتماعية وتطويرها، وذلك من خلال عدة برامج، من أهمها زيادة الاعتماد المخصص لإعانات ذوي الاحتياجات الخاصة، ورفع الطاقة الاستيعابية لمراكز تأهيلهم، والتوسع في إنشاء مراكز الرعاية النهارية، وخدمات الرعاية المنزلية المقدمة لذوي الاحتياجات الخاصة ورفع الطاقة الاستيعابية لمؤسسات رعاية الأحداث من الجنسين وزيادة الاعتماد المخصص للأسر الحاضنة والبديلة للأيتام وذوي الظروف الخاصة وزيادة عدد المستفيدين من برامج التنمية الاجتماعية وإقامة برنامج التدريب المهني والحرفي للنساء وتخصيص مبلغ 1.2 مليار ريال لهذا الغرض.

زيادة مخصص الإعانات التي تقدم للجمعيات الخيرية من الدولة بنسبة 50 في المائة لتصبح سنويا 450 مليون ريال، ودعم الجمعيات التعاونية بمبلغ 100 مليون ريال.

وفي ذلك قال الخبير الاقتصادي السعودي إن خادم الحرمين الشريفين ومنذ بداية توليه مقاليد الحكم واجه مشكلة الفقر بكل شفافية، وما هذا القرار إلا استمرارا لذلك، مؤكدا أن قرار الملك عبد الله بإعطاء الجمعيات الخيرية قدرة تمويلية تعادل نصف ميزانيتها، يشكل اهتماما حقيقيا بهذه الشريحة وعزيمة على تغيير وضعهم الاجتماعي.

وفيما يتعلق بالعفو عن سجناء الحق العام والتسديد عن المطالبين بحقوق مالية، أوضح الخبير الاقتصادي أن ذلك يشكل استهداف المعسرين والفقراء لمعالجة أحوالهم، مضيفا أن دعم أبناء الأسر المحتاجة في الجامعة، وهو ما تضمنته قرارات أمس، يعني أن هناك من يقرأ احتياجات المواطنين الأكثر حاجة لبرامج الدعم الأكثر مباشرة وهذا مهم جدا، إذ إن الأسر المحتاجة، خاصة المتعففة منها، تعاني كثيرا من توفير حاجاتها الأساسية خاصة عندما يصل أبناؤها إلى المراحل الجامعية.

وقال البوعينين إن اللفتة الكريمة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله للباحثين عن العمل، بإعانتهم ماليا حتى يحصلوا على وظائف، وهو الأمر الذي يحدث للمرة الأولى في السعودية سيكون ذا نتائج إيجابية كبيرة، إذا ما تم النظر في تفعيل برامج مكافحة البطالة، وبذلك يتم العمل على محورين أساسيين الأول إعانة من الدولة مباشرة للباحثين عن العمل، والثاني البحث عن العمل لمكافحة البطالة، مما يمكن من حل جزء كبير من مشكلة البطالة، والاعتراف أيضا بحق طالبي العمل وإعطائهم الإعانة. وكانت القرارات قد اشتملت على إقرار لائحة باسم لائحة الحقوق والمزايا المالية تتضمن إضافة شروط لمنح العلاوة الإضافية لجميع المراتب وتحديد عدد الموظفين الذين يمنحون هذه العلاوة بـ50 في المائة من الموظفين الذين تمت ترقيتهم في محضر الترقيات للمراتب العاشرة فما دون، وتوظيف جزء من موارده المالية لإقرار إعانة مالية مؤقتة للشباب الباحث عن العمل في إطار حل عاجل وقابل للتطبيق في هذه المرحلة، وتوفير هذا الدعم من احتياطي صندوق تنمية الموارد البشرية لفترة مبدئية لا تتجاوز عاما واحدا تتم خلالها دراسة نطاق نظام التأمينات الاجتماعية بهدف إحلال العمالة الوطنية بدلا من الوافدة ومما يمكن المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية من وضع برنامج للتأمين التعاوني للمواطنين العاطلين عن العمل، ودعم الباحثين عن العمل باستخدام مواردها الذاتية لتكون الباكورة الأولى لحزمة من الحوافز والتنظيمات التي ستدعم برنامج السعودة. ورأى البوعينين أن الأمر الذي صدر بحق الأندية الرياضية والأدبية والجمعيات المهنية، عكس للجميع مدى اهتمام صانع القرار بتحسين كافة مجالات المجتمع، وكأن صانع القرار عندما أراد تقديم مثل هذا الدعم لا يريد أن ينسى أي قطاع من القطاعات في المجتمع، حيث تضمنت أوامر خادم الحرمين الشريفين تقديم دعم لكافة الأندية الأدبية بالمملكة مقداره 10 ملايين ريال لكل ناد، وتقديم دعم للأندية الرياضية قدره 10 ملايين ريال لكل ناد من أندية الدوري الممتاز، و5 ملايين ريال لكل ناد من أندية الدرجة الأولى، ومليونا ريال لبقية الأندية الرياضية المسجلة رسميا، بالإضافة إلى تقديم دعم مالي لكافة الجمعيات المهنية المتخصصة المرخص لها مقداره 10 ملايين ريال لكل جمعية.

أما فيما يتعلق باستحداث 1200 وظيفة، فقد اعتبر البوعينين أن ذلك يعد من أهم القرارات، إذ إن وزارة التجارة على سبيل المثال تعاني مشكلة رقابية، وذلك يعود إلى عدم وجود كادر رقابي كاف لديها، مضيفا أن الجهات الرقابية الأخرى على المشاريع على الوزارات تعاني مشكلة بسبب الكادر الذي يقوم بهذه الإجراءات، إلا أن مثل هذا الأمر سيساعد في حل جزء كبير من المشكلة الرقابية في البلاد.