الصين تسعى للانتقال إلى اقتصاد يدفع نفقات المستهلكين

اقتصادها الحالي يعتمد على الصادرات

جانب من تداولات الأسهم الصينية
TT

تشتمل جداول أعمال جلسات مجلسين شبه تشريعيين في الصين، من المزمع انعقادها خلال الأسبوع الحالي، على مقترحات تقضي برفع الضرائب المفروضة على السيارات التي تفرط في استهلاك الغاز، وتعاقب السائقين الثملين، وتحسين سلامة الغذاء، ومعظم هذه المسائل كانت قد سبق أن طرحتها قيادة الحزب الشيوعي، وكانت في طريقها إلى أن يتم المصادقة عليها.

ولكن مصدر الشك الوحيد كان يرتبط بالموضوع الذي سوف يستحوذ على معظم الاهتمام، وهو مستقبل الاقتصاد الصيني الذي حقق نجاحات كبيرة خلال الآونة الأخيرة. وسوف يكشف الاجتماعان السنويان عن أحدث خطة خمسية للصين، تطالب بالانتقال من اقتصاد يعتمد على الصادرات ومشاريع الأعمال العامة إلى اقتصاد تدفعه نفقات المستهلكين.

ويقول خبراء اقتصاديون أجانب وقادة سياسيون إن التغيير سوف يكون جزءا حساسا من الجهد المبذول لإعادة توازن التجارة العالمية. وفي الصين، يُنظر إلى التغيير على أنه أمر مهم لتعزيز النمو الاقتصادي في الصين والحكم المستقر للحزب.

ويكمن الشك فيما إذا كان يمكن أن تتراجع القيادة الصينية عن هذا التغيير. وكانت الخطة الخمسية السابقة، التي صدرت في عام 2006، تقترح أيضا اتخاذ إجراءات تهدف إلى زيادة الدخول في جهد يهدف إلى إعادة هيكلة الاقتصاد.

ولكن في النهاية، سرعت الصادرات والمشاريع العامة من وتيرة النمو الاقتصادي، وارتفع إجمالي الناتج المحلي بنسبة 10.3 في المائة خلال عام 2010 مقارنة بإجمالي الناتج المحلي المسجل في عام 2009، وفاقت الزيادة بشكل كبير النسبة المستهدفة من قبل الحكومة الصينية. وفي نفس الوقت، انخفضت حصة نفقات المستهلكين من إجمالي الناتج المحلي بمقدار 10 نقاط مئوية تقريبا خلال الفترة من عام 2000 وحتى عام 2009، إلى أن وصلت لنسبة 35.6 في المائة - وهي نسبة تمثل تقريبا ثلثي المستوى المسجل في الكثير من الدول الآسيوية، ونصف المستوى المسجل في الولايات المتحدة.

وقال آرثر كروبر، المدير الإداري لشركة «دراغونوميكس» للتوقعات الاقتصادية التي تتخذ من مدينة بكين مقرا لها خلال مقابلة: «لعدة سنوات، كانوا يتحدثون عن إعادة توازن الاقتصاد وزيادة استهلاك السلع المنزلية». وذكر أن الخطة الجديدة «تظهر أنهم كانوا يستمعون إلى خبرائهم الاقتصاديين، وأنها تمتلك، بشكل مبدئي، التزاما أقوى لمحاولة حساب كيف يمكن خلق اقتصاد أكثر توجها للداخل».

ولكن كروبر ذكر أنه لم يتوقع ظهور نتائج سريعة، وقال: «الصين دولة كبيرة جدا لدرجة أن أي تغيير مثل هذا سوف يستغرق وقتا أطول من الوقت الذي يمكن أن يستغرقه في دولة أصغر. إن هذا يشبه الفارق بين ناقلة سوائل ضخمة وقارب شراعي».

وهناك إلحاح متزايد يقف خلف مشروع الإصلاح. وقد أثرى النمو الاقتصادي السريع للصين الساحل الشرقي في هذه الدولة ومدنها الكبرى، ولكنه أهمل الكثير من الأسر الريفية. ويمثل الفائض الضخم في الميزان التجاري مصدرا متزايدا للخلاف مع الولايات المتحدة ودول أخرى قد تؤدي إلى اندلاع حروب تجارية وصراعات على العملة، ويمكن أن تبطئ من نمو الاقتصاديات في شتى أنحاء العالم.

وسوف يتناول المجلسان التشريعيان، وهما المجلس الاستشاري السياسي للشعب الصيني ومجلس الشعب الوطني، أحدث خطة اقتصادية بشكل منفصل. وتجدر الإشارة إلى أن مجلس الشعب الصيني، الذي انعقد أمس (الخميس)، هو هيئة استشارية. وسوف يمنح مجلس الشعب الوطني الذي يقوم بصياغة وسن التشريعات، مبدئيا، الخطة اعتمادا قانونيا رسميا بعد انعقاده (السبت).

وعادة ما تقوم قوات الشرطة بتأمين وسط العاصمة بكين أثناء جلسات الاجتماعات. ولكن يبدو أن الحملة الأمنية خلال العام سوف تكون أشد قسوة في أعقاب المظاهرات المؤيدة للديمقراطية السائدة حاليا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد تسببت هذه المظاهرات، التي حازت على اهتمام محدود من وسائل الإعلام الحكومية هنا، في اندلاع مظاهرات مؤيدة لها هنا.

وقد حظرت المدينة مرور الشاحنات غير المسجلة في بكين بالطرق السريعة الموجودة في المدينة، وأقامت نقاط تفتيش للشاحنات التي تدخل إلى المدينة، ومنعت نقل المواد الخطرة عليها.

وكان مسؤولون أمنيون قد هددوا (الأربعاء) بإلغاء تأشيرات إقامة الصحافيين الأجانب، من بين وسائل العقاب الأخرى، إذا أصدروا تقارير عن المظاهرات. وتعرض الكثير من الصحافيين لجروح، وتعرض أحدهم للضرب أثناء محاولة كتابة تقرير عن مظاهرة محدودة خرجت في وسط مدينة بكين يوم الأحد الماضي.

وكانت أهداف الخطة الاقتصادية قد تم إقرارها في اجتماع الحزب الشيوعي خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ومن المتوقع أن يستعرض رئيس الوزراء الصيني، وين جياباو، تفاصيل الخطة في خطاب من المزمع أن يلقيه السبت أمام المجلسين التشريعيين، ولكن بعض التفاصيل تم تناقلها في الصحف الحكومية وعلى مواقع الإنترنت.

وفي جلسة حوارية نقلت على شبكة الإنترنت يوم السبت الماضي، أشار وين إلى أن الحكومة الصينية سوف تكتفي بتحقيق معدل نمو لإجمالي الناتج المحلي نسبته 7 في المائة خلال العام الحالي، وهو أقل معدل في التاريخ الحديث للصين. ويشير هذا التصريح إلى أن بعض الملايين التي تم إنفاقها على إعانات البناء والإعانات التجارية قد يتم تحويلها من أجل زيادة إيرادات الأسر الصينية.

وقدمت الحكومة إشارة أخرى إلى استراتيجيتها، الأربعاء، عندما ذكر مجلس الدولة الصيني أنه سوف يطلب من مجلس الشعب الوطني زيادة الحد الأدنى لضريبة الدخل الخاصة، التي تصل الآن إلى 2000 يوان، أو 304 دولارات أميركية في الشهر، بمبلغ غير محدد.

كما أشارت تقارير إخبارية إلى أن مجلس الشعب الوطني يدرس إجراءات من أجل تحسين دخل المزارعين، الذين استفادوا بشكل أقل كثيرا من الرخاء الذي تحقق في الصين مقارنة بمعظم الفئات العمالية الأخرى.

ولكن معظم التفاصيل المتعلقة بقانون إعادة التوازن الاقتصادي للصين لم يكشف عنها بعد، ومن الوارد أن تواجه الكثير من المقترحات الواردة في هذا القانون معارضة قوية وجادة من جماعات منتفعة كانت قد شهدت ازدهارا خلال فترة النمو الهائل الذي شهدته الصين مؤخرا، مثل الشركات الحكومية القوية ومسؤولين إقليميين ومحليين.

وقال شين مينغاو، كبير الخبراء الاقتصاديين الصينيين في مصرف «سيتي بنك» بهونغ كونغ، إن الحكومة كانت تحتاج إلى خفض الضرائب ورفع الرواتب وزيادة الإنفاق الاجتماعي، إذا كانت تريد زيادة طلب المستهلكين. وقال: «باختصار، لقد قالوا إنهم كانوا يوجهون قدرا كبيرا من الاهتمام لهذه المجالات. وما يثير فضولي هو معرفة حجم الأموال التي سيتم إنفاقها من أجل تحقيق هذا الهدف بعد هذه التصريحات».

وسوف تشتمل الخطة الخمسية على مجموعة كبيرة من المبادرات الأخرى، من بينها دعم الحكومة المتزايد لشركات التقنية العالية وصناعات استراتيجية أخرى ومقترحات تنادي بضرورة التعامل مع المشكلات البيئية وتخصيص أموال أكبر للرعاية الصحية والإعانات ومتطلبات الرعاية الاجتماعية الأخرى.

وقد اتخذ مجلس الشعب الوطني بعض الخطوات التمهيدية؛ حيث أقرت لجنته القائمة المكونة من 3000 مندوب أو ما يقترب من هذا العدد، فرض ضريبة تصل إلى 820 دولارا أميركيا على الشاحنات التي تمتلك إزاحة محرك بسعة أكبر من لترين. وتصل أعلى ضريبة الآن إلى نحو 100 دولار أميركي.

وقد أقرت اللجنة أيضا تشريعا يجرم امتناع أصحاب العمل عن دفع الرواتب، وهي مشكلة متكررة تواجه الشركات التي تتعرض لمصاعب مالية، كما أقرت خططا لإزالة 13 جريمة، تتعلق معظمها بالاقتصاد، من قائمة الجرائم التي يمكن أن تفضي إلى إصدار عقوبة الإعدام على مرتكبها.

* خدمة «نيويورك تايمز»