الاتهامات الأميركية بغسل الأموال «تطيح» بالبنك اللبناني ـ الكندي

«سوسيته جنرال ـ لبنان» يفوز بصفقة الشراء

TT

خرج البنك اللبناني - الكندي من السوق المصرفية اللبنانية بعد اتهامه، قبل أقل من شهر، تم إعلان الاتهامات يوم 10 فبراير (شباط) الماضي، من قبل وزارة الخزانة الأميركية بالتورط في أعمال شبكة دولية لغسل الأموال وتجارة المخدرات. واقتضى إغلاق الملف بيع كامل أصول البنك لأفضل العروض المقدمة لتفوز بالصفقة مجموعة «بنك سوسيته جنرال في لبنان». بإشراف صريح من البنك المركزي، وموافقته بعد تعثر فتح خيارات بديلة تضمن استمرارية البنك إلى حين البت في صحة الاتهامات لدى المحاكم الأميركية، ضمن مهلة الستين يوما.

وخاض بنك «سوسيته جنرال» منافسة حامية وسريعة للفوز بالصفقة، شارك فيها أربعة بنوك من لائحة البنوك الكبرى في لبنان. وقد بدأت المفاوضات في باريس التي قصدها الكثير من رؤساء المصارف الكبرى، نهاية الأسبوع الماضي، لملاقاة حاكم البنك المركزي، رياض سلامة، العائد للتو من واشنطن على رأس وفد مصرفي رفيع المستوى، بعدما أجرى مفاوضات رسمية مع مسؤولين كبار في وزارتي الخزانة والخارجية أفضت إلى قناعة بصعوبة استمرار نشاط البنك بصيغته القائمة، في ظل منع عملياته في السوق الأميركية، وتمدد الحظر إلى المصارف المراسلة في عدد من الأسواق الدولية.

وتم استكمال عروض البيع مع عودة الحاكم والمصرفيين إلى بيروت، حيث تلقى رئيس ومدير عام البنك اللبناني – الكندي، جورج زرد أبو جودة، ثلاثة عروض بيع على الأقل من قبل المصارف التي شاركت في «استطلاعات» باريس، كما تلقى استفسارات تتسم بالجدية من قبل مصارف أخرى.

وبعد مناقشة هذه العروض في اجتماع طارئ لمجلس الإدارة، تمت الموافقة على العرض المقدم من قبل «سوسيته جنرال»، وإبلاغ الحاكم بالقرار.

ومن شأن هذه الصفقة التي يحرص الطرفان على إبقاء بعض تفاصيلها سرية، بما في ذلك قيمتها التي تردد أنها تناهز 500 مليون دولار ومندرجاتها إلى حين إنهاء الإجراءات القانونية واكتمال الموافقات، رفع درجة ترتيب المصرف الشاري من العاشرة إلى الخامسة على لائحة أكبر البنوك اللبنانية، وفقا للبيانات المالية المحققة (غير المدققة) في نهاية عام 2010. إذ يرتفع حجم الأصول الإجمالية حسابيا لبنك «سوسيته جنرال» من 5.12 مليارات دولار إلى 11.6 مليار دولار، ويزيد حجم الودائع من 4 مليارات دولار إلى 9.3 مليارات دولار، وترتفع التسليفات من 1.41 إلى نحو 3.2 مليارات دولار، فيما يرتقب أن تصل الأموال الخاصة إلى نحو 900 مليون دولار.

وإذ تقدر مصادر مصرفية أن عملية التملك ستنهي عمليا حال الاضطراب التي عاناها البنك المعني بعد إعلان الاتهامات الأميركية، فإن الاهتمام يتركز حاليا على منع الانزلاق مجددا إلى وضع مماثل من خلال حزمة تدابير وإجراءات إضافية يتخذها البنك المركزي لتحديث البيئة القانونية والرقابية لمكافحة غسل الأموال، خصوصا بعد تأكيدات الجانب الأميركي بعدم وجود أي استهداف للمصارف اللبنانية، ونفي الخلفيات السياسية للاتهامات التي طالت البنك المعني، علما بأن البيئة القانونية والتنفيذية (القانون 318 وتطبيقاته) لمكافحة غسل الأموال في لبنان هي من بين الأفضل عالميا، وذلك باعتراف المؤسسات المالية الدولية المختصة، وفي مقدمتها المعنية بالموضوع تحديدا، كما يتمتع البنك المركزي بسمعة عالمية عالية في هذا المضمار.

وكان لافتا في هذا السياق كلام صدر، أمس، عن رئيس جمعية المصارف، الدكتور جوزف طربيه، في افتتاح المؤتمر المصرفي الفرانكفوني في العاصمة الفرنسية، جاء فيه: «في عالمنا المالي والمصرفي، نحن مدعوون باستمرار إلى إدارة المخاطر وفق أشكالها كافة، سواء كانت مخاطر تشغيلية أو مخاطر ائتمانية، أو مخاطر ترتبط بالسيولة، وإلى الالتزام بالتوصيات الجديدة الصادرة عن لجنة (بازل 3) والتقيد بالقوانين الصارمة لمحاربة غسل (تبييض) الأموال وتمويل الإرهاب وبالأنظمة المحلية التي ترعى مصارفنا المركزية الهادفة إلى المحافظة على الاستقرار المالي والنقدي في اقتصاداتنا».

وأعلن حاكم مصرف لبنان أن رئيس البنك اللبناني - الكندي أبلغه أن مجلس الإدارة اتخذ قرارا بدمج الموجودات والمطلوبات مع بنك «سوسيته جنرال»، مؤكدا «استمرار الموظفين في عملهم بشكل طبيعي، إذ لا يوجد أي توجه سلبي من قبل الموظفين».

وأكد في حديث تلفزيوني مساء الخميس، أن «عملية الدمج ستتم بإشراف مصرف لبنان وبشفافية تامة، وأن العمل في المصرفين لن يتأثر بهذه العملية»، مشيرا إلى تقديم عروض أيضا من مصارف «اللبناني - الفرنسي» و«فرنسبنك» و«بيبلوس»، إلا أن «سوسيته جنرال» استطاع في النهاية أن يحقق اتفاقا مع البنك اللبناني - الكندي لحصول عملية الدمج هذه. وأضاف: «القانون الأميركي يمنع مؤسسات تقوم بعمليات مع مصارف معينة، وهذا القانون يجري في أميركا فقط». ولفت إلى أن «القضية تتعلق بغسل (تبييض) أموال نتيجة تجارة المخدرات، ويمكن للبنك أن يدافع عن نفسه في أميركا إذا أراد». وشدد على أن «العمل المصرفي في لبنان سليم، والمصرف المركزي اتخذ كل الإجراءات والتدابير حتى لا تكون هناك حالات مماثلة، والعمل سيكون طبيعيا من الآن وصاعدا في القطاع المصرفي»، كاشفا أن «الحديث مع الخزانة الأميركية كان مصرفيا وليس سياسيا، في حين أكدت الخارجية الأميركية لنا أن هذا الأمر لا علاقة له بالسياسة».

وأوضح أن «لبنان يعتبر من الدول المتعاونة في مكافحة غسل (تبييض الأموال)، وأنه مستوف معظم الشروط في هذا الشأن»، مشيرا إلى أن «القانون يلحظ مسألة تمويل الإرهاب وفقا للتعريف اللبناني». وأكد أن «لبنان لم تكن لديه أي صعوبة للتجاوب مع المجتمع الدولي».

وأشاد بـ«عمل هيئة غسل الأموال»، مؤكدا أنه «لا وجود للجو الذي يحب البعض أن ينشره، إذ هناك تدقيق ومراقبة وملاحقة، ولم تضبط أي عملية إلا وكانت هناك ملاحقة ومتابعة خدمة لسمعة لبنان وحفاظا عليها».

وعن أموال الأنظمة العربية الموجودة في لبنان، أوضح أنه «تم تجميد أموال تعود لتونس، وفي مثل هذه الحالات يتم استشارة وزارة الخارجية».

ولفت إلى أن «عدم وقوع لبنان في الأزمة المالية التي وقع فيها عدد من الدول سمح برفع مستوى الثقة بالقطاع المصرفي اللبناني، وأدى أيضا إلى رفع مستوى التسليف وانخفاض الفوائد، مما أدى إلى رفع مستوى معيشة اللبنانيين، وبالتالي يكون القطاع المصرفي في خدمة الناس أكثر منه في خدمة الدولة»، مشددا على «متانة القطاع المصرفي اللبناني، الذي سيكون له مستقبل كبير».

وعما إذا كانت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان قد تقدمت من لبنان بطلب الحصول على معلومات متعلقة بحسابات مواطنين لبنانيين، قال: «لم يتم ذلك، ومثل هذا الأمر يحصل عبر (مدعي عام التمييز) في لبنان».