استقرار

علي المزيد

TT

يعرف الاقتصاديون قبل غيرهم أن عامل الاستقرار أهم عامل لنمو الاقتصاد، فمن دون الاستقرار لا يمكن أن يكون هناك أي حياة سوى الحياة البائسة والخائفة، ويمكن للاقتصاد أن ينمو مع انعدام الحريات والفساد ولكن ببطء، ولكنه لا يمكن أن ينمو مع انعدام الاستقرار. ويضرب الاقتصاديون مثلا لذلك بفترة إمام اليمن الذي حكم ثلاثين عاما بقوة الحديد والنار والخزعبلات، إذ كان يحضر السينما لسادة قومه وخاصته ليقول لهم سأريكم حياة الجن، فيعرض عليهم فيلما سينمائيا يكون في الغد حديث صنعاء بأن الأمام له نفوذ حتى على الجن. وعلى الرغم من ذلك، ازدهرت اليمن اقتصاديا، إذ إن من كان عمره خمسة عشر عاما حينما تولى الإمام الحكم، سيصبح عمره ثلاثين عاما في منتصف حكم الإمام، لذلك يكون لديه رغبة في بناء سكن وبناء تجارة أيضا، لأنه يشعر بالاستقرار، والإنسان غير المستقر أمنيا لن ينشئ تجارة لأنه يعرف أنها ستنهب منه حينما تزدهر.

وعلماء الاجتماع يقولون إن الإنسان يبحث عن أمن، وعندما يجد الأمن يبحث عما يستر عورته، ثم يبحث عن الأكل والشرب، بعد ذلك يبحث عن الجنس.

والمتتبع لسوق الأسهم السعودية يجد أنها انخفضت ثلاثا وعشرين في المائة منذ منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي وحتى إغلاق الأربعاء الماضي. وبصدق شديد، أقول إن السوق السعودية صمدت في مواجهة انعدام الاستقرار الإقليمي، سواء كان ذلك في ليبيا أو اليمن أو عمان أو البحرين، وأنت تعرف أيها القارئ الكريم أن الفوضى تجعل الناس يتحفظون في الشراء، لأنهم لا يستطيعون التنبؤ بالمستقبل ولا يعرفون ما سيحصل غدا، فقد تجر الفوضى تخريب المنشآت وهو ما يتخوف منه المجتمع. وكل ثورة لها ثمن، وقد يكون الثمن بخسا كما حدث في مصر أو مكلفا كما يحدث في ليبيا، وعدم الاستقرار يجعل بعض الأموال تغادر خارج البلاد لتبحث عن مأوى آمن، والاقتصاديون لا يرون في ذلك بأسا، بل يرون أن توزع خريطة الاستثمار يجعل المحفظة متنوعة جغرافيا، مما يمنحها أمنا أكثر.

وأقول في الختام إنه مع هدوء الأوضاع الإقليمية ستصعد السوق السعودية بشكل حاد وجنوني، لأن تراجع الأسعار حسن مكررات الربحية وجعل الاستثمار في السوق السعودية أكثر أمنا، والدليل على ذلك أن مؤسسة التأمينات الاجتماعية تزيد حصتها في أسهم شركات السوق السعودية، مما يدلل على جاذبية السوق.

* كاتب اقتصادي