إدارة أوباما تدرس استخدام الاحتياطي الاستراتيجي

وسط مخاوف من تواصل ارتفاع أسعار الوقود على النمو الهش

TT

بينما تواصل أسعار المحروقات في أميركا ضغطها على الاقتصاد الأميركي وتهدد الانتعاش الاقتصادي الهش، صرح رئيس فريق العاملين بالبيت الأبيض ويليام إم. ديلي، أول من أمس الأحد، بأن إدارة أوباما تدرس استغلال احتياطيات النفط الاستراتيجية استجابة لأسعار الغازولين الآخذة في الارتفاع السريع جراء الفوضى التي تضرب دول الشرق الأوسط. وأضاف ديلي، خلال مقابلة معه في برنامج «ميت ذي برس» على قناة «إن بي سي»: «إنه أمر لم تقدم عليه البلاد من قبل سوى في حالات نادرة للغاية. ونحن نفكر بهذا الأمر حاليا». يُذكر أن سعر غالون البنزين بلغ في المتوسط 3.5 دولار في أميركا. ويقول خبراء: إن بلوغ السعر 4 دولارات سيؤدي إلى خفض معدل النمو، خاصة إذا استمرت الأسعار الحالية المرتفعة لفترة طويلة. وقد أصدر مسؤولون بالإدارة الأميركية إشارات متضاربة حيال احتمالية اللجوء إلى الاحتياطي النفطي الذي بإمكانه زيادة المعروض داخل السوق النفطية المحلية ودفع الأسعار نحو الانخفاض. واعترف وزير الطاقة ستيفين تشو، الجمعة، بأن الإدارة تراقب الأسعار، لكن يخالجها تردد حيال اتخاذ خطوات أكثر قوة.

واستطرد موضحا أنه «لا نود أن تكون جميع إجراءاتنا في إطار رد الفعل بحيث نجد الذعر يخيم على الجميع لدى ارتفاع الأسعار، وعندما تنخفض ينسحب الجميع إلى حالة من الخمول». وقبل ذلك بأيام قلائل، قال تشو: إن الإدارة تراقب الموقف عن قرب، لكنها تتوقع أن يجري تعويض الفاقد من الإنتاج النفطي الليبي من خلال إنتاج دول أخرى.

ويؤكد مسؤولو الإدارة الحاجة الحيوية لاتخاذ خطوات طويلة الأمد لتقليص استهلاك النفط، مثل ترشيد استهلاك السيارات للوقود والترويج للسيارات التي تعمل بالبطاريات. إلا أنه مؤخرا، دعا 5 أعضاء بمجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي إلى اللجوء للاحتياطي الاستراتيجي المخزن داخل 4 قباب ملحية في تكساس ولويزيانا. وحسب صحيفة «نيويورك تايمز»، بعث 3 من أعضاء مجلس النواب عن الحزب الديمقراطي في 24 فبراير (شباط) رسالة إلى الرئيس أوباما أعربوا خلالها عن اعتقادهم أنه بينما بإمكان المصدرين زيادة الإنتاج «فإنهم أيضا ينتفعون من الارتفاعات في أسعار النفط، وبالتالي لا يملكون سوى القليل من الحافز للاستجابة بسرعة بزيادة المعروض عندما تتطلب الحاجة ذلك لتهدئة الأسواق». وخلال الأيام الأخيرة، تجاوزت أسعار الخام المعياري الأميركي «ويست تكساس إنترميديت» 100 دولار للبرميل. واستقرت أسعار تسليم أبريل (نيسان) عند مستوى 104.42 دولار للبرميل لدى إغلاق بورصة نيويورك، الجمعة، لكنها عادت للصعود فوق 106 دولارات أمس. ووصل متوسط سعر الغالون من الغازولين الخام إلى 3.50 دولار، بارتفاع عن 3.12 دولار منذ شهر سابق. ومن المعروف أن أسعار الغازولين ترتفع في العادة عندما يصبح المناخ أكثر دفئا وتزداد تنقلات الأفراد، مما دفع بعض الخبراء لتوقع وصول أسعار الغازولين إلى 4 دولارات للغالون هذا الصيف.

يُذكر أن إنشاء احتياطي البترول الاستراتيجي في أميركا حدث استجابة للحظر النفطي العربي عامي 1973 و1974. وكانت آخر مرة لجأت إليه واشنطن إلى الاحتياطي الاستراتيجي في سبتمبر (أيلول) 2008 استجابة لإعصاري غوستاف وآيك. في ذلك الوقت، رتبت وزارة الطاقة «تبادلات» مع شركات نفطية تعرض خطوط الإمدادات الطبيعية لها لخلل، وفي وقت لاحق أعادت الشركات النفطية كميات مكافئة لما حصلت عليه. أما آخر مرة باعت خلالها الحكومة نفطا من الاحتياطي فكان عام 2005 عندما رغبت في التعامل مع الخلل الذي تعرضت له الإمدادات في أعقاب إعصار كاترينا. وباعت الحكومة أيضا من الاحتياطي النفطي في يناير (كانون الثاني) 1991 لبث الهدوء في الأسواق العالمية عندما بدأت الولايات المتحدة مع الحلفاء حرب تحرير الكويت، التي كانت قد احتلت في العام السابق من جانب العراق. وجمدت الحكومة مشتريات النفط عندما اقتربت الأسعار من مستوى الذروة عام 2008، قبل أن تبدأ مرحلة ركود.

إلى ذلك واصلت أسعار النفط ارتفاعها، أمس الاثنين، في خضم استمرار حالة الفوضى التي تعصف بليبيا، واستمرار القلق داخل أسواق الأسهم في المنطقة الآسيوية المطلة على المحيط الهادي، مع ترقب المستثمرين، في خوف، تداعيات ارتفاع أسعار النفط على الاقتصاد العالمي. والملاحظ أن أسعار النفط تشهد ارتفاعا مستمرا منذ اندلاع قلاقل في شمال أفريقيا والشرق الأوسط. وحققت أسعار البيع الآجل من الخام الأميركي الخفيف (خام غرب تكساس) مزيدا من القفزات لتتجاوز 106 دولارات للبرميل، وهو أعلى مستوى لها منذ سبتمبر 2008، بدلا من 104.42 دولار خلال التداول في نيويورك، الجمعة. وجرى تداول خام برنت، الذي يستخدم كمعيار في آسيا، عند مستوى أعلى من 117 دولارا للبرميل لتسليم أبريل في إطار صفقات بيع الآجل في البورصة الأوروبية في لندن.

ولم تثر الاضطرابات موجة مضاربات في أسعار النفط فحسب، لكنها أثارت حالا من عدم الأمان وسط المستثمرين الذين عادوا للاستثمار في الذهب الذي ينظر إليه كاستثمار آمن، وبالتالي يرتفع سعره في أوقات التوتر، فجرى تداول أوقية الذهب (الأونصة) عند مستوى أعلى بالكاد من 1437 دولارا للأونصة، ليقترب بذلك من أعلى مستوى قياسي بلغه، 1440 دولارا، الذي وصله الأسبوع الماضي.

وأصاب الوهن بعض أسواق الأسهم الرائدة في آسيا، الاثنين، في خضم مخاوف حول انتشار الفوضى في ليبيا التي تعتبر واحدة من المناطق المحورية المنتجة للنفط؛ حيث تراجع مؤشر «كوسبي» في كوريا الجنوبية بمقدار 1.2%، وانخفض المؤشر الرئيسي في أستراليا، بمقدار 1.4%. وفي الهند، تراجع مؤشر «سنسكس» 2% بحلول فترة بعد الظهيرة. وفي هونغ كونغ، انخفض مؤشر «هانغ سنغ» بمقدار 0.3% بحلول أواخر فترة بعد الظهيرة.

كانت شركات الخطوط الجوية، التي شهدت ارتفاعا بالغا في تكاليف الوقود خلال الأسابيع الأخيرة، من بين الأسهم الأكثر تضررا؛ حيث تراجع سهم «كاثي باسيفيك» بنسبة 3.3% في هونغ كونغ، وانخفض سهم «كوريان إير لاينز» بنسبة نحو 3.1%، وانخفض سعر سهم شركة «كانتاس» الأسترالية بنسبة 1.7%، وانخفض سهم «سنغافورة إير لاينز» بنسبة 0.9%.

وأغلق مؤشر «نيكاي 225» في اليابان بتراجع بنسبة 1.8% عند مستوى 10.505.02 نقطة، وقد تضرر أيضا من المخاوف حول الوضع السياسي في اليابان بعد الاستقالة المفاجئة لوزير الخارجية الياباني سيجيي مايهارا خلال عطلة نهاية الأسبوع، مما جاء بمثابة صفعة قوية لحكومة رئيس الوزراء ناوتو كان التي تواجه مشكلات بالفعل. إلا أن الأسهم داخل الصين تحركت عكس هذا التوجه، بتحقيقها ارتفاعا بنسبة 1.8%، متلقية دفعة من الخطط الحكومية لتعزيز الاستهلاك المحلي أعلن عنها خلال عطلة نهاية الأسبوع.