قلب اليابان الصناعي ينجو من الكارثة.. وتوقعات بأضرار اقتصادية أقل في الداخل والخارج

مركز الزلزال كان بعيدا نسبيا عن المنطقة الصناعية الرئيسية في البلد

جانب من الدمار الذي خلفه زلزال وتسونامي اليابان (ا.ب)
TT

على الرغم من الخسائر الكبيرة في الأرواح والممتلكات نتيجة للزلزال القوي والتسونامي اللذين ضربا اليابان، فإن الأضرار الاقتصادية في الداخل والخارج أقل نسبيا، لأن هذه الكارثة وقعت بعيدا عن قلب اليابان الصناعي.

وكان مركز الزلزال داخل وحول مدينة سينداي الساحلية، على بعد قرابة مائتي ميل شمال شرقي طوكيو، التي تعد مركز السكان في اليابان، وشمال المنطقة الصناعية الرئيسية في اليابان الممتدة من ناغويا إلى أوساكا وفي أقصى الجنوب والغرب.

ويقول ماركوس نولاند، الزميل البارز في معهد بيترسون للاقتصادات الدولية: «لو وقعت الكارثة على بعد مائتي ميل جنوبا، لكان من الصعب معرفة الخسائر في الاقتصاد والأرواح. وفي هذا الصدد أجد أن اليابان تجنبت كارثة كبرى هنا».

ويقول محللون إن الكارثة ربما تدفع الحكومة اليابانية إلى ضخ المزيد من الأموال في الاقتصاد، ومن المحتمل بدرجة كبيرة أن يؤدي ذلك إلى زيادة النفقات العامة على المباني والطرق.

ومن المحتمل أن يعطي ذلك دفعة إلى العملة اليابانية القوية بالفعل، لترتفع بدرجة بمقدار أكبر في مقابل الدولار والعملات العالمية الأخرى، حيث إن الأموال اليابانية المستثمرة في الخارج ستعود للمساعدة في عمليات إعادة البناء. وفي عملية تداول العملة العالمية يوم الجمعة، بعد الزلزال، ارتفع مستوى الين الياباني.

وتعد اليابان من الدول المهمة المصدرة للسيارات والسلع الإلكترونية وقطع الغيار والآلات الصناعية المتطورة. وفي أعقاب الكارثة، أغلقت بعض المصانع بصورة مؤقتة، كما أغلقت الموانئ اليابانية، وكذا أغلقت الكثير من المطارات، بما في ذلك مطار ناريتا الدولي، الذي يخدم طوكيو.

ويقول محللون إن تبعات ذلك من المحتمل أن تتضمن بعض عمليات الإرجاء في شحن البضائع وربما أسعار أعلى لبعض المنتجات والمواد. ولكن من المتوقع أن يكون الأثر متواضعا وقصير الأجل.

وتنتج اليابان، على سبيل المثال، 40 في المائة من شرائح الذاكرة خفيفة الوزن التي تستخدم لتخزين البيانات في أجهزة تشغيل الموسيقى الرقمية وأجهزة التليفون الذكية وأجهزة الكومبيوتر اللوحية، وذلك بحسب تقديرات جيم هانيد، المحلل لدى شركة الأبحاث «أوبجيكتيف أناليسيس». ولكن معظم المصانع التي تصنع هذه الشرائح ومحتويات أجهزة إلكترونية أخرى تقع في جنوب وغرب طوكيو.

ولا يجب أن ينهار أي مصنع تقنية متقدمة كي يضطر إلى وقف الإنتاج، حيث يمكن لهزة قوية - مثل تلك التي نجمت عن زلزال قوته 8.9 بمقياس ريختر الذي يعد أقوى زلزال سجل داخل اليابان وأحست بها مختلف أنحاء الدولة - التشويش على عمل الأجهزة الحساسة المستخدمة في عملية الإنتاج. ويقول محلل إن إعادة ضبط الماكينات يمكن أن يستغرق أسبوعا أو أسبوعين، مما سيؤدي إلى إعاقة الإمدادات.

ويقول دال فورد، المحلل بشركة أبحاث تقنية «آي إتش آي سابلي»: «في الواقع نتوقع ارتفاع الأسعار نوعا ما بسبب ذلك». ولكن أشار إلى أنه من المبكر جدا توقع مقدار ارتفاع الأسعار، على الرغم من أنه مفترض ألا يكون لذلك تأثير على المدى الطويل.

وبحكم طبيعة موقع اليابان داخل منطقة غير مستقرة من القشرة الأرضية، كما تعد الهزات من الأشياء الشائعة هناك، ولذا تعمل الحكومة اليابانية والعلماء وقطاع الصناعة عادة على تلطيف أثر الزلزال من خلال تصميمات مبتكرة للأبنية وقوانين بناء صارمة وتخطيط متقدم.

ولدى شركات السيارات الكبرى داخل اليابان، على سبيل المثال، خطط طوارئ من أجل المحافظة على استمرار الإمدادات. وقد أوردت شركات السيارات يوم الجمعة تلفا في بعض المصانع والمكاتب، وقالت شركة «هوندا» إن أحد الموظفين قتل في مركز بحثي في توتشغي، شمال طوكيو، بعد انهيار إحدى الكافيتريات. وأوردت شركة «تويوتا»، وهي من أكبر الشركات المصنعة للسيارات داخل اليابان، أن مصانعها لتجميع السيارات استأنفت الإنتاج بعد توقف لوقت قصير - على الرغم من أن أربعة مصانع تديرها شركات تابعة لـ«تويوتا» بقيت مغلقة فيما تم ترحيل العمال إلى أماكن أكثر أمنا.

ولكن يقع معظم إنتاج «تويوتا» داخل اليابان في جنوب طوكيو، ولا سيما حول ناغويا، بما في ذلك إنتاج السيارة «بريوس» الهجين التي يتم تصنيعها داخل اليابان وحدها. وعلى مدار العقدين الماضيين، حولت شركات السيارات اليابانية حصة كبيرة من إنتاج السيارات التي تباع داخل الولايات المتحدة إلى مصانع أميركية، فيما أقامت شركات توريد قطع غيار يابانية متجرا داخل أميركا الشمالية.

ويقول كليد برستويتز، وهو خبير ياباني ورئيس معهد الاستراتيجية الاقتصادية غير الربحي والمتخصص في الأبحاث داخل واشنطن: «على ضوء خطط الطوارئ لديهم تحسبا لوقوع زلازل ومقدار الإنتاج في الخارج هذه الأيام، سيكون مفاجئا لي أن يكون لذلك أثر حقيقي على شركة (تويوتا) أو أي شركة سيارات يابانية بارزة».

وفي عام 1995، بعد الزلزال المدمر في كوب - وهو ميناء ومدينة صناعية - الذي أدى إلى مقتل أكثر من 6000 ألف شخص وتسبب في دمار بلغت قيمته أكثر من 100 مليار دولار، ارتفع الين في القيمة في مقابل الدولار بنسبة 20 في المائة خلال الشهرين التاليين. ويتوقع بعض المحللين أن الين سوف ترتفع قيمته في أعقاب هذا الزلزال أيضا.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا تؤدي الكارثة إلى ارتفاع قيمة عملة الدولة التي منيت بها؟ في الحالة اليابانية، تكمن الإجابة بصورة جزئية في معدل المدخرات الكبيرة داخل الدولة والاستثمارات الكبيرة في الخارج. وكتب مايكل هارت، وهو محلل يعمل لدى «روبيني غلوبال إكونوميكس»، يوم الجمعة قائلا «عندما ترى العائلات أصولهم المادية يلحق بها الدمار وتظهر الحاجة إلى الأموال من أجل التعمير، يحتمل أن يعيدوا مدخراتهم إلى أرض الوطن». وخلال القيام بذلك، فإنهم يحولون حيازاتهم الأجنبية إلى الين الياباني من جديد، مما يرفع الطلب على العملة اليابانية، ومن ثم ترتفع قيمتها. ولكن ربما يمثل الين القوي مشكلات أمام المصدرين اليابانيين، حيث يجعل منتجاتهم أغلى ثمنا بصورة نسبية داخل السوق العالمية. وبالنسبة إلى المستهلكين اليابانيين، فإن إنفاقا من أجل زيادات المخزون داخل المنازل من الطعام والضروريات اليومية من المحتمل أن يرتفع، ولكن النفقات على السلع والخدمات الترفيهية، وأبرزها السياحة، سوف تتراجع بصورة حادة، وذلك وفق ما ذكره ماساكي كانو، وهو اقتصادي مقيم داخل طوكيو يعمل لدى «جي بي مورغان سكيوريتيز» في مذكرة أرسل بها إلى عملاء.

وأعلن المصرف المركزي الياباني يوم الجمعة أنه سوف يرفع وتيرة الاجتماعات الخاصة بالساسة النقدية، لتنتهي يوم الاثنين بدلا من يوم الثلاثاء. ويقول محللون إن المصرف من المتوقع أن يضيف إلى إمدادات الأموال، وربما من خلال توسيع برنامج لشراء السندات الحكومية ومن ثم ضخ المزيد من الأموال في الاقتصاد. ويقول علماء اقتصاد إن الكارثة ربما تدفع واضعي السياسات اليابانيين إلى زيادة الإنفاق الحكومي من أجل تنشيط الاقتصاد، على الرغم مما يضيفه ذلك إلى عبء الدين الكبير على المدى الطويل. ومن المتوقع أن يرتفع الاستثمار الخاص على عمليات البناء والتشييد أيضا.

ويقول إدوارد لينكولن، وهو خبير ياباني في كلية سترن للتجارة بجامعة نيويورك: «من المفترض أن يكون هناك أثر إيجابي بسبب التدافع على البناء. ولذا ربما تظهر فائدة اقتصادية من ذلك على العام أو العامين المقبلين».

- ساهم نيك بونكلي في التقرير من ديترويت وهيروكو تبوتشي من سان فرانسيسكو

* خدمة «نيويورك تايمز»