«بنك اليابان» يضخ 183 مليار دولار في الأسواق ويرصد 61 مليارا أخرى لشراء أصول خطرة

في إطار إجراءات متكاملة لضمان استقرار الاقتصاد

TT

ضخ البنك المركزي الياباني (بنك اليابان) 15 تريليون ين (183 مليار دولار) في الأسواق أمس، كما رصد 61 مليار دولار أخرى لشراء أصول خطرة، ضمن خطة متكاملة لتأمين استقرار الاقتصاد الياباني من تداعيات أسوأ زلزال وأسوأ تسونامي يضرب اليابان في التاريخ الحديث. وضخ البنك المركزي الياباني مبالغ التيسير المالي في الأسواق المالية على ثلاث دفعات، لتهدئة مخاوف الأسواق التي هبطت عن الفتح بشكل حاد. ومنذ الصباح الباكر أمس ضخ المصرف دفعة أولى بقيمة سبعة تريليونات ين أتبعها بدفعة ثانية، قدرها خمسة تريليونات ين، وقرابة الظهر ضخ الدفعة الثالثة وقيمتها ثلاثة تريليونات. وقرر المصرف كذلك رصد مبلغ إضافي قدره خمسة تريليونات ين (61 مليار دولار) لشراء أصول خطرة، كما أبقى معدل الفائدة الرئيسي ما بين صفر و0.1 في المائة لتسهيل عمليات التمويل وإرساء الاستقرار في الأسواق بعد الزلزال. وقال البنك إن شراء الأصول الخطرة سيبعث الثقة في الاقتصاد ويشجع الشركات على الاستثمار. وكان المركزي الياباني قد تعهد بعد ساعات من وقوع الكارثة المروعة يوم الجمعة في بيان أولي بأنه سيقوم بضمان استقرار الاقتصاد الياباني وحمايته من تداعيات ما بعد الزلزال والتسونامي. وقال البنك في بيان اطلعت عليه «الشرق الأوسط» إنه سيواصل مراقبة التوقعات المستقبلية للاقتصاد والأسعار عن كثب لأخذ الإجراء المناسب عند الضرورة.

وفي أول فتح للبورصة منذ كارثة الزلزال، هبط مؤشر «نيكاي» القياسي الياباني في جلسة التعاملات الصباحية في بورصة طوكيو أمس الاثنين إلى أقل من مستوى 10 آلاف نقطة، وخسر مؤشر «نيكاي» القياسي المؤلف من 225 سهما 597.11 نقطة أو ما يعادل 5.82 في المائة ليصل 9657.32 نقطة ولينخفض المؤشر إلى أقل من 10 آلاف نقطة لأول مرة منذ ثلاثة أشهر ونصف الشهر. كما هوى مؤشر «توبكس» الأوسع نطاقا 66.13 نقطة أو ما يعادل 7.22 في المائة ليصل إلى 849.38 نقطة. يذكر أن بورصة طوكيو فتحت على هبوط حاد، حيث انخفض مؤشر «نيكاي» نحو 5.8 في المائة وتراجع «توبكس» 7.4 في المائة لفترة وجيزة قبيل أن يتدخل بنك اليابان في السوق.

وفي سوق العملات فقد الين التقدم الكبير الذي سجله مقابل الدولار في التعاملات الإلكترونية التي جرت في أعقاب حدوث الزلزال. وكان الين قد ارتفع إلى معدل شهده قبل أربعة أشهر مقابل الدولار، على افتراض أن الاستثمارات اليابانية السائلة في الخارج ستعود إلى اليابان للإسهام في الاستقرار الاقتصادي، مما يعني أن الطلب على الين سيرتفع مقابل مبيعات الدولار. ولكن حينما ضخ «المركزي الياباني» مبلغ الـ15 تريليون ين تراجع الين وفقد جميع مكاسبه بسبب المعروض الهائل من الينات.

وسجل النشاط الاقتصادي في اليابان يوم أمس الاثنين تباطؤا بعد ثلاثة أيام على الزلزال العنيف الذي ضرب هذا البلد، فعلق الإنتاج في العديد من المصانع وشهدت حركة المواصلات بلبلة وتم تقنين استهلاك الطاقة لتجنب انقطاعها. وكانت شركة طوكيو للطاقة الكهربائية تسعى لضمان توزيع كاف للتيار في ظروف بالغة الصعوبة، فيما تحاول شركات السكك الحديدية تحسين حركة القطارات.

وعلى صعيد صناعة السيارات لم تخرج سيارة واحدة من سلاسل الإنتاج في مجموعات «تويوتا» و«هوندا» و«نيسان» وهي الشركات اليابانية الكبرى لصنع السيارات. وتقع بعض مصانع هذه الشركات في المناطق الشمالية الشرقية التي ضربها الزلزال والتسونامي الجمعة. غير أن مواقعها في كانتو (منطقة طوكيو وجوارها) التي لم تكن عرضة للزلزال تأثرت بالقدر ذاته من الشدة، وفي غرب اليابان وجنوبها اللذين لم يتضررا بقيت خطوط الإنتاج أيضا مغلقة. وما أعاق الإنتاج في هذه الشركات انقطاع التموين، وقد عجز مزودوها عن إنتاج أو إرسال قطع التبديل بسبب البلبلة في المواصلات. كما سجل جمود في القطاع الاستراتيجي الثاني لصادرات الاقتصاد الياباني، وهو القطاع الإلكتروني، وقد تضرر بشكل كبير مع تجميد المجموعة العملاقة «سوني» على سبيل المثال نشاطها في سبعة من مواقعها معظمها في شمال شرقي البلاد، حيث غمرت المياه أحد مصانعها لاسطوانات بلو راي. وتعتبر منطقة سنداي وهي الأقرب إلى مركز الزلزال مركزا صناعيا مهما للإلكترونيات وكذلك لمعدات الاتصالات والآلات والأدوات.

وعلى صعيد المواصلات، ظلت حركة القطارات معطلة كليا في شمال شرقي اليابان، فيما سجلت بلبلة كبيرة في طوكيو القلب الاقتصادي للبلاد والبالغ عدد سكانه 35 مليون نسمة والذي يضم آلاف المقرات الاجتماعية والمصانع والمتاجر. ولم يكن بوسع شركة شرق اليابان للسكك الحديدية المسؤولة عن تشغيل العديد من القطارات التي يستخدمها سكان الضواحي، تأمين ما يزيد على 20 في المائة من الرحلات. وسعيا لإيجاد حلول للوضع في محطات القطارات المكتظة، نصحت الحكومة السكان بالحد من تنقلاتهم بأقصى قدر ممكن، فيما طلبت العديد من الشركات من موظفيها عدم القدوم للعمل.

من جهة أخرى، أدى تراجع حركة النقل التي تسجل اكتظاظا كبيرا عادة في ساعات الزحمة، إلى تخفيف الضغط بعض الشيء عن شركة طوكيو للطاقة الكهربائية (تيبكو) التي تواجه صعوبة في توزيع التيار الكهربائي. ويترتب على «تيبكو» تأمين توزيع التيار رغم توقف المفاعلات النووية العشرة في منطقة فوكوشيما منذ وقوع الزلزال الذي ألحق أضرارا بالعديد منها. ودعيت الشركات كما الأفراد إلى الحد من استهلاك الطاقة لتجنب انقطاع التيار بشكل معمم عن كامل منطقة كانتو، وقد أغلقت العديد من الشركات سواء طوال النهار أو لقسم منه. غير أن شركة الكهرباء اضطرت لوقف توزيع التيار مؤقتا في العديد من مدن منطقتي إيباراكي (شمال طوكيو) وشيزووكا (جنوب غربي طوكيو) في إجراء استثنائي أعلن عنه مسبقا وقد يبقى مطبقا بشكل متقطع في المنطقة حتى نهاية أبريل (نيسان).

وعلى صعيد تعويض النقص في الطاقة قال خبراء أمس إنه من المرجح أن تسعى اليابان بخطى حثيثة لزيادة وارداتها من الغاز الطبيعي المسال وأنواع الوقود المنخفض المحتوي الكبريتي لتوليد الطاقة في المحطات الحرارية وللتعويض عن إمدادات الكهرباء من المحطات النووية التي تعطلت في أعقاب أسوأ زلزال يعصف بالبلاد في تاريخها المدون. لقد تعطلت إمدادات كبيرة من الطاقة في اليابان - التي تأتي في المركز الثالث بين دول العالم من حيث واردات النفط وحجم اقتصادها - بسبب الزلزال الذي بلغت شدته 8.9 درجة يوم الجمعة وتسبب في فقدان ما يقدر بنحو 9700 ميغاوات من الطاقة النووية أي خُمس الإجمالي تقريبا و10831 ميغاوات من الطاقة الحرارية. وتم أيضا إيقاف 2670 ميغاوات أخرى من الطاقة النووية وقت الزلزال لإجراء فحوص دورية.

وسوف تضطر شركة طوكيو للطاقة النووية (تيبكو) وهي أكبر شركة مرافق عامة لإنتاج الكهرباء في آسيا، لشراء الطاقة من شركات أخرى والبحث عن مزيج من الغاز الطبيعي المسال والمازوت (زيت الوقود) المنخفض الكبريت مع منتجين آخرين مثلما فعلوا في العام 2007 حينما أغلق مفاعل كاشيوازاكا النووي الذي تبلغ طاقته 8000 ميغاوات لمدة عامين بعد زلزال.

وسوف تضطر شركات مرافق الخدمات العامة أيضا إلى البحث في الخارج عن المزيد من أنواع الوقود الأخرى مثل المخلفات الشمعية المنخفضة الكبريت وخام دوري من إندونيسيا من أجل تعزيز المفاعلات الاحتياطية للطاقة الحرارية. وقال توموميتشي أكوتا كبير الاقتصاديين في مؤسسة «ميتسوبيشي يو.إف.جيه للبحوث والاستشارات» في طوكيو «بالنظر لما تتمتع به محطة الطاقة التي تعمل بزيت الوقود من مرونة فإنها أنسب بديل لسد النقص في توليد الكهرباء، الأمر الذي يقتضي زيادة استخدام النفط الخام الثقيل في الأجل القريب». غير أن تاجرا في سنغافورة حذر بقوله إن إمدادات المعروض من زيت الوقود المنخفض الكبريت شحيحة. وقال التاجر «العرض والطلب من زيت الوقود المنخفض الكبريت في آسيا متوازنان في الوقت الحالي ولذا فإن أي شيء يخل بهذا التوازن سيؤثر على الأرجح في الأسعار». وقد ارتفعت أسعار زيت الوقود في آسيا للجلسة الرابعة يوم الجمعة وسجل سعر عقود زيت الغاز المنخفض الكبريت لتسليم أبريل (نيسان) ومايو (أيار) 5.25-5.75 دولار و4.75 دولار للطن على الترتيب. وتعتمد أكبر خمس شركات مرافق عامة يابانية لإنتاج الكهرباء في الأغلب على الغاز الطبيعي المسال في توليد الطاقة وهو ما يفوق كثيرا استهلاكها من زيت الغاز والفحم، لكن بعض الشركات الصغيرة تستخدم الفحم أكثر مما تستخدم الغاز الطبيعي المسال أو زيوت الوقود. وقالت مؤسسة «باركليز كابيتال» في مذكرة بحثية في 11 من مارس (آذار) «إذا استخدم زيت الوقود وحده بدلا من الغاز الطبيعي فإن تقديراتنا تشير إلى أن الزيادة الإضافية في الاستهلاك ستكون نحو 238 ألف برميل يوميا». ومن المتوقع أن يزداد الطلب الكلي على الطاقة في اليابان 5.5 في المائة في السنة المالية التي تنتهي هذا الشهر إلى 1056.5 مليار كيلووات/ساعة. لكن هذا التقدير قد يتغير مع تأثر الاقتصاد بالزلزال وحث الحكومة للقائمين على الصناعة والعائلات لخفض استهلاك الطاقة ومواجهة انقطاعات ممتدة للكهرباء في سعيها لإعادة تشغيل محطات الطاقة النووية. وقالت شركة «تيبكو» يوم الأحد إنها استأنفت توليد الكهرباء من الوحدة الثالثة التي تعمل بالمازوت وطاقتها 350 ميغاوات في محطتها للطاقة في طوكيو لكن الوحدة الثانية ما زالت مغلقة. وتظهر تجارب التاريخ أن أي إغلاق في محطات الطاقة النووية في اليابان التي تقدم 30 في المائة من إجمالي طاقة توليد الكهرباء في اليابان يؤدي إلى زيادة حادة في الطلب على الغاز الطبيعي المسال. وكان إغلاق 17 مفاعلا من مفاعلات اليابان الأربعة والخمسين في أغسطس «آب» عام 2002 لإجراء فحوص السلامة قد تسبب في زيادة نسبتها 11 في المائة في طلب اليابان على الغاز الطبيعي المسال في العام التالي وتسبب إغلاق أكبر محطة للطاقة النووية في البلاد -وهي محطة كاشيوازاكي - عام 2007 في ارتفاع حاد للأسعار الفورية لغاز الطبيعي المسال في شتى أنحاء العالم. وعرضت روسيا بالفعل زيادة إمداداتها من الغاز الطبيعي إلى اليابان من مشروع «سخالين-2» إذا طلب منها ذلك.

وقالت مذكرة «باركليز كابيتال» «نلاحظ أن ألف ميغاوات تعادل تقريبا 150-180 مليون قدم مكعبة يوميا من الطلب على الغاز إذا كانت الوحدات تعمل بالحمل الأساسي على مدار الساعة كما جرت العادة في المحطات النووية». وأضافت المذكرة قائلة «وهكذا فإن هذا النقصان سيؤدي إلى طلب قدره 1.0 - 2 مليار قدم مكعبة يوميا من الغاز إذا تم التعويض عنه بالغاز الطبيعي وحده. وقالت مجموعة يوراسيا إن منشآت التكرير تضررت أيضا ومن ذلك حريق في مصفاة شيبا لشركة «كوزمو أويل» وطاقتها 220 ألف برميل يوميا و145 ألف برميل في محطة «جيه.إكس نيبون» للنفط والطاقة في منطقة سينداي، الأمر الذي يعني تعطل ما مجموعه 774 ألف برميل من طاقة التكرير منذ وقوع الزلزال. وقالت شركة «تيبكو» يوم الأحد إن مستويات الإشعاع حول محطة فوكوشيما دايتشي تجاوزت حد السلامة لكن هذا لا ينبئ بخطر فوري على صحة البشر. وقال محللون إن استعادة التشغيل الكامل للطاقة النووية قد يستغرق وقتا أطول كثيرا مما حدث في محطة كاشيوازاكي. وقالت مجموعة يوراسيا في تقرير لها «بالنظر إلى أن استعادة التشغيل الكامل للمشروع بعد إغلاقه استغرق أكثر من عامين فإنه من المحتمل أو من المرجح أن الطاقة المفقودة وقدرها 12370 ميغاوات في المواقع المتضررة ستبقى معطلة مدة مماثلة على الأقل». وتذهب تقديرات مجموعة «يوراسيا» إلى أن فقد 9700 ميغاوات من طاقة توليد الكهرباء يؤدي إلى زيادة في الطلب السنوي على الغاز الطبيعي في اليابان قدرها 7.3 مليار متر مكعب أو 5.6 مليون طن سنويا من الغاز الطبيعي المسال. وتقول مؤسسة «تراي زين إنترناشيونال» إنه من المتوقع أن تفوق إمدادات المعروض العالمي من الغاز الطبيعي المسال 360 مليون طن بحلول عام 2015 وأن الاحتياجات الإضافية لليابان بعد الزلزال تعادل 1.5 في المائة من الإنتاج العالمي. وأضافت قولها «بالنظر إلى ارتفاع معدلات التشغيل للطاقة النووية ذات الحمل الأساسي فإنه سيكون هناك طلب مرتفع بالمثل من أجل تعزيز أو إعادة تنشيط توليد الطاقة الحرارية للتعويض عن النقص». وقد نما على نحو متزايد اعتماد اليابان على الطاقة النووية وكانت تعتزم إجراء زيادة كبيرة في إمكانياتها من هذه الطاقة في العقد القادم في بلد يستورد 80 في المائة من احتياجاته من الطاقة ويهدف إلى أن يكون رائدا على مستوى العالم في خفض الانبعاثات الكربونية الضارة. غير أن التحول عن الطاقة النووية قد لا يكون ممكنا بعدما حدث من تسرب في محطة فوكوشيما دايتشي ومن المرجح أن تكون له آثار مهمة على خطط توليد الطاقة في اليابان على الأجل الطويل. وقال توني ريغان المحلل في مؤسسة «تراي زين كابيتال» في سنغافورة «أصبح كل شيء الآن أكثر خطورة عقب الانفجار الذي وقع في فوكوشيما». وأضاف قوله «أتوقع إغلاق الكثير منها، لا سيما تلك المماثلة في العمر والمواصفات. وبعدئذ سيكون صعبا للغاية إعادة تشغيلها حتى بعد الإصلاحات والتجديدات).