زلزال اليابان يقطع خطوط الإمداد للكثير من الصناعات العالمية

أجزاء ذكية مهمة تصنع يابانيا تعوق إنتاج السيارات والإلكترونيات

جانب من الدمار الذي لحق باليابان (أ.ب)
TT

فجأة تحول توجه اليابان النشط تجاه التجارة القائم على «التحرك في الوقت المناسب تماما» إلى توجه آخر يقوم على مبدأ «دعونا ننتظر لنرى ما ستتمخض عنه الأحداث». في يوم الأربعاء بدا أن الكثير من أنشطة القطاع الصناعي الياباني في حالة توقف، حيث جعل الدمار الذي خلفه الزلزال والتسونامي، علاوة على المخاوف والشكوك بشأن وقوع كارثة نووية، من الصعب على الشركات اليابانية التفكير في النشاط التجاري على النحو المعتاد. وقد ترك ذلك الكثيرين خارج اليابان من عملاء وشركاء تجاريين في حالة من الخواء المعلوماتي، ويفتقرون إلى معرفة متى ستظهر تداعيات الخلل الذي أصاب سلسلة الإمداد التي تعتمد عليها شركاتهم وصناعاتهم، وإلى متى ستبقى.

حتى شركة «جنرال موتورز» الأميركية، وهي شركة قد يبدو أنها قد تستفيد من الأضرار التي لحقت بصناعة السيارات اليابانية، تجد نفسها في مرحلة من الانتظار والترقب. من بين الأسباب وراء ترقب وانتظار شركة «جنرال موتورز» أن السيارة «شيفروليه فولت» الجديدة المعتمدة في عملها على وقود مختلط وبطاريات كهربية يتم شحنها، تعتمد على اليابان في جزء من مركباتها، وهو جهاز نقل الحركة. ولولا ذلك كان يمكن لمبيعاتها الاستفادة من أي تراجع في إنتاج «بريوس» التي تصنعها «تويوتا» داخل اليابان.

من جهته صرح مارك إل. رويس، رئيس عمليات «جنرال موتورز» في أميركا الشمالية يوم الأربعاء، بأن ما يجهله حتى الآن هو ما إذا كانت الشركة بإمكانها الاعتماد على تدفق منتظم لهذا العنصر بالسيارة «شيفروليه فولت» من اليابان. وأثناء خطاب ألقاه بجامعة ديترويت ميرسي أمام حشد من الصحافيين، قال: «إننا لا ندري فحسب من منظور العرض. إن هناك الكثير من العناصر الرائعة التي تخرج من اليابان للصناعة بأكملها».

هنا في طوكيو، العاصمة التجارية لليابان، تشتت انتباه الكثير من الشركات - سواء يابانية أو أجنبية - تجاه خطط نقل موظفيها بعيدا عن الأماكن المحتملة للتسرب الإشعاعي النووي من مفاعل فوكوشيما دايتشي الواقع على بعد 140 ميلا إلى الشمال. ولم يتم الرد على الكثير من الاتصالات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني التي تدفقت على مقار رئاسة الكثير من الشركات داخل طوكيو. ويذكر أن «إير ليكويد»، وهي شركة فرنسية تعد المنتج الأول عالميا لغازات صناعية، أغلقت مكتبها الرئيسي في طوكيو ونقلت عملياتها إلى 250 ميلا إلى الجنوب من أوساكا. وتعمل شركة «بي إم دبليو» الألمانية العملاقة بمجال السيارات حاليا على إعادة موظفيها الألمان القلائل في اليابان إلى الوطن، بينما تعرض على موظفيها المحليين مناطق أكثر أمنا داخل اليابان.

وفي اليابان جمدت «نيسان» الكثير من عملياتها التصنيعية على الأقل خلال عطلة نهاية الأسبوع لأنها «لا تزال تحتاج إلى وقت لاتخاذ الترتيبات اللازمة للحصول على قطع من جهات التوريد التي نتعاون معها»، حسبما ذكرت الشركة في بيان لها. وأفادت الشركة بأن مصنع إنتاج المحركات الخاص بـ«نيسان» في إيواكي، قرب الساحل داخل المنطقة التي ضربها الزلزال، لا يزال متوقفا عن العمل. في تلك الأثناء لا تزال الكثير من شركات الإلكترونيات الأميركية غير واثقة من - أو ترفض الإفصاح عن - ما إذا كانت إمدادات العناصر الجوهرية من اليابان ستستمر. لكن شركة «تكساس إنسترومنتس»، ومقرها دالاس، اعترفت أن واحدا من مصانعها في اليابان سيتوقف على الأقل جزئيا حتى يوليو (تموز)، ولن يستأنف نشاطات الشحن بكامل قدرته حتى سبتمبر (أيلول).

وعانى المصنع القائم في ميهو، على بعد 40 ميلا إلى الشمال من طوكيو، من أضرار كبيرة جراء الزلزال. وينتج هذا المصنع بصورة أساسية رقائق تتولى تحويل الإشارات التناظرية والرقمية، التي تستخدم في مجموعة واسعة النطاق من المنتجات، منها الهواتف النقالة والتلفزيونات الرقمية وعناصر تتعلق بالحاسب الآلي ومعدات طبية، وتشكل قرابة 10% من إجمالي الإنتاج العالمي لـ«تكساس إنسترومنتس»، تبعا للعائدات. وقد رفضت كمبرلي مورغان، المتحدثة الرسمية باسم الشركة، الإفصاح عن أي من عملاء المصنع.

ويرى خبراء معنيون بمجال التكنولوجيا أن مصدر القلق الرئيسي لمصنعي الأجهزة الرقمية يتركز حول الإمدادات القادمة من اليابان لما يسمى «فلاش ناند» (flash NAND)، وهي رقائق تخزين خفيفة الوزن يجري استخدامها في الهواتف الذكية والحواسب الآلية اللوحية والكاميرات الرقمية ومجموعة متنوعة من الأجهزة الأخرى. كما أغلقت «توشيبا»، ثاني أكبر مصنع عالميا للرقائق بعد «سامسونغ» الكورية الجنوبية، بعضا من خطوط إنتاجها. وأعلنت «سانديسك»، ثالث أكبر منتج لـ«فلاش ناند»، والتي تملك مصنعين في اليابان بالتعاون مع «توشيبا»، أن هذه المصانع لا تزال تعمل. لكن الشركة، التي يوجد مقرها في ميلبيتاس بكاليفورنيا، قالت إن القلق يساورها حول إمكانية الاعتماد على شبكات النقل والكهرباء في اليابان. وقال مايك وونغ، المتحدث الرسمي باسم «سانديسك»: «قد يتطلب الأمر الكثير من الأيام أو ربما الأسابيع قبل أن نتمكن من تقييم الموقف بأكمله».

وقد تسبب التسونامي في أضرار كبيرة في الموانئ على امتداد الساحل الشمالي الشرقي لهونشو، أكبر جزر اليابان. ورغم أن واحدا منها فقط - سينداي شيوغاما - يعد من بين الموانئ الأكبر على مستوى البلاد، فإن جميعها تلعب دورا في تسلم السلع من الخارج وتخدم الموانئ الكبرى بالبلاد الواقعة إلى الجنوب. وقال يوشياكي هيغوتشي، مدير شؤون التخطيط لدى اتحاد الموانئ والمرافئ اليابانية: «الوضع شديد السوء، لكننا في الوقت الراهن لا ندري على وجه التحديد حجم الأضرار».

ووجد مراسل زار اثنين من الموانئ الأخرى الصغيرة، ميناميسانريكو وأوفوناتو، أن منشآت الموانئ تعرضت لتدمير شبه كامل. في أوفوناتو حملت الأمواج الكثير من المواد التي كانت مخزنة على أرصفة الميناء، مثل خشب الأشجار، إلى داخل المدينة، حيث اصطدمت بالمنازل وزادت من حجم الدمار، حسبما ذكر سكان المدينة. وتحمل سينداي شيوغاما أهمية خاصة لبعض الشركات، بينها «سوني» المصنعة للإلكترونيات و«كانون» و«بايونير» و«كيرين». وتأتي في المرتبة الـ13 تقريبا بين الموانئ اليابانية في ما يخص الشحنات المعتمدة على حاويات، حسبما ذكر هيغوتشي. وتمثل أكثر 10 موانئ تضررا نحو 10% من إجمالي تجارة الحاويات اليابانية، حسبما أضاف.

وأعرب هيغوتشي عن اعتقاده بأن هذا الأمر قد يتطلب ما بين ستة شهور وعام قبل أن يعاود سينداي شيوغاما العمل بصورة كاملة، بالنظر إلى أن رافعة ضخمة تتعامل مع الحاويات سقطت في البحر ويبدو أنها تعرضت للتدمير. وقال ماريو مورينو، خبير اقتصادي يتولى تحليل بيانات تتعلق بالتجارة المحمولة بحرا لحساب «بييرز غلوبال إنتليجنس سلوشنز»، إنه من المبكر للغاية القول بما إذا كانت الأزمة في اليابان ستؤثر على التجارة اليابانية - الأميركية على المدى البعيد. وأضاف أنه على المدى القصير «ستصاب التجارة بالضعف خلال الشهور المقبلة».

أيضا تعرضت شركات الشحن الجوي لبعض الاضطرابات بسبب الأضرار التي لحقت بالمطارات في شمال شرقي اليابان وتداعيات ذلك على حركة المرور من وإلى المطارات الواقعة إلى الجنوب. مثلا، أوقفت شركة «فيديكس» الأميركية العملاقة خدماتها في الكثير من أرجاء شرق اليابان، بما في ذلك طوكيو، في أعقاب الزلزال.

وأعربت «فيديكس»، الثلاثاء، عن أملها في استئناف نشاطها سريعا في شرق اليابان، فيما عدا فوكوشيما ومياغي وأجزاء من مقاطعة إيباراكي، لكنها حذرت من أن التأخيرات ستستمر. وتجابه الكثير من الشركات التي تحاول شحن منتجاتها إلى اليابان مشكلات كثيرة.

وطوال عطلة نهاية الأسبوع عكف بريان تيراساوا، المدير الإقليمي للعمليات بمنطقة آسيا المطلة على المحيط الهادي لدى «كوموديتي فوروردرز»، وهي شركة شحن مقرها لوس أنجليس متخصصة في المنتجات المعرضة للتلف، وزملاؤه على الاتصال هاتفيا بشركات نقل جوي لضمان وصول شحنات العملاء إلى اليابان. وقد استأنف النقل الجوي لكن بجزء صغير فقط من حجمه المعتاد. من قبل كانت شركته تشحن 80 طنا يوميا إلى اليابان، بينها الهليون المكسيكي والطماطم ولحم الخنزير المجمد. الأربعاء شحنت الشركة ما يتراوح بين 10 و20 طنا فقط. وأوضح تيراساوا أن المشكلة تكمن في الحظر الذي تتعرض له الطائرات التي تنقل سلعا لليابان، خصوصا لمطار ناريتا الدولي قرب طوكيو. الآن، تمر عبر المطار بصورة أساسية الواردات من البريد ومواد الإغاثة، والتي لا تترك سوى مساحة ضئيلة لأي شيء آخر. وقال تيراساوا: «محليا، يصعب عليهم إيجاد غذاء وخضراوات، ليس لديهم غذاء كافٍ، ويخشون من تكديس الأرفف».

وأضاف: «لقد حاولنا أن نشرح لشركات الطيران أن السلع المعرضة للتلف التي نحاول إرسالها هي مواد إغاثة أيضا. لكنهم ما زالوا عاجزين عن فهم ذلك». وأسهم في التقرير كين بيلسون من طوكيو، ومارتن فاكلر من أوفوناتو باليابان، وليز ألدرمان من باريس، ومارك غيتزفريد من نيويورك، ونيك بنكلي من ديترويت، وميغيل هلفت وفيرن جي. كوبيتوف.

* خدمة «نيويورك تايمز».