مصرف سويسرا: تسونامي القلق من تدهور الاقتصاد الياباني يغمر الأسواق العالمية

أكد أنه يواجه تدفق استثمارات الملاذ الآمن على الفرنك

TT

أبقى مصرف سويسرا المركزي معدل الفائدة عند ربع نقطة مئوية، مشيرا إلى اتباعه لسياسة متراخية نقديا في الوقت الحاضر تماشيا مع مستجدات ارتفاع سعر صرف الفرنك السويسري. وأوضح مصرف سويسرا المركزي في تقرير له صدر يوم أمس أن الاقتصاد السويسري سيستمر في النمو بشكل طفيف خلال عام 2011 نتيجة ركود الصادرات السويسرية. هذا الركود في الصادرات يعود إلى استمرار ارتفاع أسعار صرف الفرنك السويسري في الأسواق الدولية، الذي شملت آثاره انخفاض معدلات الإنفاق في قطاع السياحة السويسري حسب ما أكده التقرير. ولمح المصرف السويسري إلى أن استمرار أزمة الديون الأوروبية يشكل ضغوطا على معدلات النمو في الآونة الأخيرة.

وفي خطوة لم تتخذها المصارف المركزية حتى الآن، بادر مصرف سويسرا المركزي إلى ذكر آثار الزلزال المدمر في اليابان، مشيرا إلى عدم اتضاح الصورة لديه من عواقب الكارثة إلى حلت في اليابان على الاقتصاد العالمي وصعوبة تقييمها هذه الأيام.

وقال فيليب هيلديبراند، رئيس المصرف المركزي السويسري، إن ارتفاع سعر صرف الفرنك ساهم في كبح الضغوط التضخمية الناتجة من ارتفاع أسعار الغذاء والوقود. ومن المتوقع أن يؤجل مصرف سويسرا المركزي أي خطوة تجاه رفع معدلات الفائدة طالما استمر ارتفاع سعر صرف الفرنك السويسري نتيجة تدافع استثمارات الملاذ الآمن إلى سويسرا بعد أن شكلت تداعيات الأزمة اليابانية قلقا لدى أسواق المال من انتقال حالة اللايقين في الأوضاع الاقتصادية في اليابان إلى دول أخرى في الفترة المقبلة.

ويرتكز القلق لدى أسواق المال من تأثر سلسلة الإنتاج في الدول الصناعية نتيجة انقطاع الصادرات اليابانية من معدات النقل وآلات السيارات والقطع الإلكترونية، مما يشير إلى احتمال توقف النمو في قطاع الإنتاج الصناعي للكثير من دول العالم قبل أن تستطيع بعض الشركات إيجاد بدائل لبعض مكملات القطع الإلكترونية من دول أخرى.

وأدى زلزال عنيف يعقبه تسونامي مدمر لم تشهده مدن اليابان منذ عقود إلى توقف بعض مصافي البترول في اليابان عن عملياتها التشغيلية، مما زاد من أعباء قدرة اليابان على إيجاد طاقة كهربائية مستقرة بعد أن قامت الحكومة اليابانية بإغلاق مفاعلاتها النووية كإجراءات احترازية. ويأتي إغلاق أحد المفاعلات النووية في اليابان نتيجة فشل كبح ارتفاع الحرارة لقوالب ثلاثة مفاعلات في شمال طوكيو، مما أدى إلى انخفاض كبير في قدرات توليد الكهرباء، الذي يرجح قيام اليابان بالسحب من المخزون النفطي لديها، الذي تصل مستوياته إلى 580 مليون برميل لتعويض النقص في إنتاج الطاقة الكهربائية من قبل المفاعلات النووية.

وتشكل عقبة توليد الكهرباء ضغوطا على نمو الاقتصاد الياباني، الذي يعتمد على الكهرباء لتغذية نشاطه الصناعي، حيث بدأت تقارير اقتصادية من قبل بعض المصارف الاستثمارية تشير إلى توقعات بانخفاض شديد لمعدلات الناتج الصناعي خلال النصف الأول من هذا العام، الذي بدوره يرسم ملامح ركود اقتصادي لقطاع الصادرات، الذي ما زال يعاني من ارتفاع سعر صرف الين في أسواق الصرف الدولية. وسجلت أسعار صرف الين يوم أمس مستويات قياسية جديدة مقابل الدولار الأميركي لامست 76.34 ين لكل دولار أميركي، وهو أعلى سعر صرف منذ أبريل (نيسان) سنة 1995 عندما سجل 79.65 ين لكل دولار.

وتجدر الإشارة إلى أن اليابان تعد مصدرا للمنتجات النفطية، مما قد يثير تخوفات أسواق النفط من قدرة المصافي في جنوب شرقي آسيا على تعويض النقص في الأسابيع المقبلة. وحسب بيانات «تريس داتا إنترناشيونال» فإن اليابان تستورد 3.8 مليون برميل من النفط يوميا مقابل 6.5 مليون طن متري من الغاز الطبيعي، إلا أن استيراد اليابان من الغاز الطبيعي قد يتضاعف إلى مليار قدم مكعب يوميا إذا قررت اليابان استخدام الغاز الطبيعي لتوليد الكهرباء تعويضا عن فقدانها للطاقة النووية.

وتشكل الواردات النفطية في اليابان أهمية لدى الدول الأعضاء في منظمة «أوبك» حيث تعتبر اليابان ثالث أكبر مستهلك للنفط بعد الولايات المتحدة والصين. وتصدر السعودية لها ما يعادل 1.2 مليون برميل يوميا مقارنة بـ950 ألف برميل يوميا من قبل الإمارات و500 ألف برميل يوميا من قبل قطر ومثلها من قبل إيران.

وسجل سعر صرف الفرنك السويسري مقابل الدولار الأميركي مستويات قياسية جديدة يوم أمس عند مستوى 0.8914 فرنك لكل دولار، وهو أعلى مستوى يسجله منذ عام 1971 حسب بيانات شركة «تريس داتا إنترناشيونال». وساهم سعر صرف الفرنك السويسري في دفع المصدرين إلى خفض أسعار الصادرات السويسرية بنحو 4 في المائة في محاولة من قطاع الصادرات لامتصاص آثار ارتفاع أسعار الصرف في الأسواق الدولية على الرغم من تآكل ربحية قطاع التصدير نتيجة تلك الخطوة.

ومنذ عام 2005 ارتفع الفرنك السويسري بنحو 30 في المائة مقابل الدولار الأميركي في خطوة يعدها المستثمرون نوعا من الملاذ الآمن للمستجدات الجيوسياسية ومخاطر الاستثمار. إلا أن سعر صرف الفرنك مقابل الدولار شهد تذبذبا كبيرا خلال الخمس سنوات الأخيرة حيث شهد هبوطا بنحو 20 في المائة خلال عام 2008 ولكن سرعان ما شكل الفرنك مسارا تصاعديا آخر سجل فيه مستويات قياسية جديدة يوم أمس وسط امتعاض قطاع الصادرات من تآكل ربحية الشركات وترحيب حذر من قبل السياسة النقدية السويسرية لبقاء التضخم تحت السيطرة.

وأشارت بيانات صادرة من مكتب الإحصاء الفيدرالي السويسري إلى أن فائض الميزان التجاري السويسري انخفض بنحو 700 مليون دولار أميركي (780 مليون فرنك) في العام الماضي، الذي يعد أول مرة منذ عام 2005. وسجل فائض الميزان التجاري السويسري 18.4 مليار دولار في العام الماضي مقارنة بـ19.1 مليار دولار أميركي في 2009. وكان الميزان التجاري السويسري يسجل نموا قويا بشكل متواصل منذ 2005 إلا أن استمرار ارتفاع سعر صرف الفرنك السويسري مقابل العملات الأخرى كالدولار الأميركي واليورو منذ شهر أكتوبر (تشرين الأول) عام 2005 ساهم في الحد من نمو الصادرات في الكثير من القطاعات في الاقتصاد السويسري. وبلغ إجمالي الصادرات السويسرية 193 مليار فرنك مقارنة بـ173 مليار فرنك لإجمالي الواردات.

وشهد قطاع إنتاج الساعات والمعادن نموا ملحوظا بنحو 21 في المائة في العام الماضي، الذي عوض انكماشا قاسيا في ذلك القطاع بنحو 22 في المائة في عام 2009 إلا أن قطاع الملبوسات ما زال يعاني من هبوط مستمر منذ سنتين في المبيعات بنحو 15 في المائة. وسجل قطاع الأدوية نموا بنحو 5 في المائة مقارنة بهبوط طفيف في عام 2009.

وشجع ارتفاع سعر صرف الفرنك السويسري الإقبال على الواردات حيث سجل الاقتصاد السويسري نموا في وارداته إلى 173 مليار فرنك في 2010 مقابل 160 مليار فرنك في عام 2009 وشمل مجمل تلك الواردات المواد الخام والسلع الأولية من آسيا وأميركا الجنوبية حيث ارتفعت الواردات بنحو 25 في المائة مقارنة بنمو الواردات من أوروبا بنحو 7 في المائة في 2010. وسجلت أذربيجان وكازاخستان الحصة الأكبر في نمو تلك الواردات نتيجة صادراتهما من النفط.

وعلى حساب قطاع الصادرات السويسرية، ساهم ارتفاع الفرنك السويسري في خفض الضغوط التضخمية على الاقتصاد السويسري جراء ارتفاع أسعار السلع الأولية وفي مقدمتها أسعار النفط الحالية. وسجلت أسعار المواد الخام المستوردة ارتفاعا طفيفا بنحو 0.3 في المائة، مما يشير إلى امتصاص آثار ارتفاع أسعار المواد الخام في الأسواق السويسرية.