من ينشر ثقافة بناء المساكن؟

سعود الأحمد

TT

تبعيات القرارات الاستراتيجية وبالأخص ما يتعلق منها بالشأن العام، في الدول النامية.. تجدها في كثير من الأحيان لا تأخذ حقها من الحرص والعناية. على الرغم من أن الجهات المختصة بهذه الأمور موجودة والمفترض أنها معنية بالقيام بها، لكن المشكلة تكمن في الضبابية الإدارية وغياب اللوائح التنفيذية للقرارات الاستراتيجية التي تحدد برامج العمل والآليات التي تلزم هذه الجهات بالتنفيذ بفعالية لتحقيق الأهداف.. وعندما تبقى المسألة اختيارية. وتصبح الواجبات اختيارية فهنا يكمن الخلل! وأضرب على ذلك مثالا حيا هذه الأيام.. ففي السعودية صدرت (مؤخرا) القرارات الملكية بإنشاء عدد (500) ألف وحدة سكنية لمن ليس لديهم منازل. وقبلها بأيام أصدر صندوق التنمية العقارية أسماء قرابة (50) ألف قرض سكني للمتقدمين للصندوق، وتم رفع قيمة القرض من (300) ألف ريال إلى (500) ألف ريال. هذه القرارات جاءت مجتمعة لمصلحة المواطن، لكن النقطة الجديرة بالعناية هي أن هذه المبالغ والكميات الضخمة من المساكن المتوقع بناؤها خلال فترة وجيزة (وبالأخص) منها ما سيتم تنفيذه بأيدي مواطنين ليس لديهم أدنى مهارة في مهنة الهندسة المعمارية. وليسوا خبرة في أسواق مواد البناء، من أين يشترون ومواصفات ما يحتاجون. ولا يعرفون كيفية التعامل بفعالية مع العمالة، ولا كيف يصوغون عقود الاتفاقيات وتحديد الشروط وتنفيذ بقية مراحل البناء. هذه المشاريع إذا تركت لاجتهاد المواطنين، من الطبيعي أن تتبعها خسائر مالية كبيرة، وجهود كبيرة ستبذل ليس لها مبرر.

والأمر لا يحتاج لتأكيد، فالواقع يشهد اليوم أننا نلاحظ مساكن مبنية اليوم بأيدي ملاكها (على قدر خبراتهم ومهاراتهم المتواضعة في البناء)، وهي معيبة في الإنشاءات وفي رسم المخطط وتوزيع المباني وفي تدني مستوى شبكات الكهرباء والسباكة والتصريف وبعضها في حفر وردم أرضيات البناء والأحواش. وأكثر من ذلك، أمر قد يراه البعض بسيطا، لكنني أعتبره مشكلة تتعلق بالذوق العام، وهو تناسق ألوان دهانات وتصاميم الأسوار وجدران المباني الخارجية. لأن المجتمع بكامله يسعد ويرتاح وهو يمر بمنزل مطلي أو مصمم من الخارج بشكل جدي وجذاب، وبالعكس عندما تشاهد منزلا مطليا بألوان صارخة وغير متناسقة مع بعضها. ولذلك كان يجب على البلديات الفرعية حماية الذوق العام من هذا العبث الفردي.

وعليه فإن الحاجة تدعو وبأسرع وقت إلى تنظيم برامج إعلامية لنشر الوعي في مجال بناء المساكن الخاصة. ومن ذلك تصميم عقود البناء بأنواعها ونشرها دوريا بالصحف وعرض برامج توعوية تفي بالغرض في مجال البناء. فعلى سبيل المثال، المواطن العادي بأمس الحاجة لمعرفة الشروط التي يجب أن تتضمنها عقود المقاول المعماري وعقود الكهرباء والسباكة والتلييس والبلاط والدهان والأبواب الخارجية وأبواب الغرف وشبابيك الألمنيوم وغير ذلك من دهاليز المعرفة في مجال بناء المساكن، التي لا تأتي بالتجربة الأولى أو بالثانية! وسؤالي لهيئة الإسكان وصندوق التنمية العقارية: ماذا أعددتم من برامج توعية للمواطنين خلال تنفيذ عمليات البناء، وكذلك لصيانة الوحدات السكنية لمن ستمنح لهم مساكن جاهزة.. حتى يتحقق الهدف الاستراتيجي وهو توفر المساكن لإيواء الأسر السعودية؟

كاتب ومحلل مالي