«شل» تتوقع ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي بعد إعادة التفكير في الطاقة النووية إثر أحداث اليابان

أوروبا لديها استراتيجية للطاقة طويلة الأمد تعتمد على النووي إلى جانب مصادر أخرى

الطاقة النووية تبقى استراتيجية بالنسبة للاتحاد الأوروبي
TT

قبل ساعات من اجتماع استثنائي لوزراء الطاقة في دول الاتحاد الأوروبي لبحث ملف تداعيات تطورات الأوضاع في اليابان والكارثة النووية، قال المفوض الأوروبي لشؤون الطاقة غونتر آتينغر «ستكون الطاقة النووية جزءا من مجموعة من الطاقات لدى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لفترة طويلة». مشيرا إلى أن التكتل الموحد يعمل باتجاه نحو عدة أنواع من الطاقة ما بين العام ألفين وعشرين والعام ألفين وخمسين. بينما قال رئيس «رويال داتش شل» إن إعادة التفكير بشأن الطاقة النووية بعد زلزال اليابان قد تعزز الطلب على الغاز الطبيعي. وقال بيتر فوسر، الرئيس التنفيذي للشركة، إن هذا سيصب في مصلحة «شل» التي تنتج الغاز أكثر من النفط. لكنه حذر من أن الأمر سيستغرق وقتا للتوصل إلى استنتاجات مؤكدة بشأن أثر الأزمة النووية اليابانية على أسواق الطاقة العالمية. وقال «نحتاج لمعرفة كيف ستتطور السياسات النووية لمختلف الحكومات والدول والدروس التي ينبغي تعلمها من اليابان.. سيكون هناك طلب أعلى على الغاز في الأجل المتوسط والطويل». وقال على هامش منتدى في بكين، إن أسعار النفط والغاز العالمية سترتفع في الأجل المتوسط بسبب زيادة الطلب وتراجع الاستثمار في السنوات الأخيرة. وأثارت الكارثة النووية في اليابان، قلق أوروبا مما دفعها إلى إعادة التفكير في أمن وسلامة منشآتها النووية التي يبلغ عددها 146. بينها 143 محطة نووية قيد الاستخدام منها سبع محطات في بلجيكا ومحطتان في بلغاريا وست في جمهورية التشيك وأربع في فنلندا وأربع في هنغاريا ومحطة في سلوفينيا وأخرى في هولندا. وتوجد 58 محطة نووية في فرنسا و19 في بريطانيا و17 في ألمانيا وعشر في السويد وثمان في إسبانيا وأربع في سولوفاكيا ومحطتان في رومانيا، فيما تخطط إيطاليا وبولندا لبناء محطة نووية.

وأكدت وكالة الفضاء الأوروبية أن الزلزال الذي ضرب اليابان أزاح البلاد نحو الشرق في الساحل الشمالي الغربي لمسافة تصل إلى أربعة أمتار. وطلب الاتحاد الأوروبي من الدول الأعضاء تطوير تجارب خاصة بشأن إجراء اختبار التحمل الشامل للتأكد من موثوقية محطات الطاقة النووية. جاء هذا الطلب بعد اجتماع طارئ ضم وزراء الطاقة الأوروبيين والمشرفين على الطاقة النووية. كما طلب الاتحاد من الدول المجاورة أن تقوم بالاختبار ذاته على محطاتها. والهدف هو تحديد قدرة محطات الطاقة النووية على تحمل الزلزال أو انقطاع التيار الكهربائي أو الهجمات الإرهابية وغيرها من التهديدات. وبعد أن فاجأت ألمانيا الجميع بالإعلان عن إقفال محطات قديمة أنشئت قبل عام 1980، أعلنت الحكومة البلجيكية في بروكسل غضبها الشديد من هذا القرار الأحادي من جانب برلين وقالت الحكومة إنه قرار يمكن أن يؤثر على الكهرباء في دول أخرى منها بلجيكا، ولو أن خمس دول أخرى في الاتحاد اتخذت نفس الخطوة فسيؤثر ذلك على توليد الطاقة بالاتحاد الأوروبي، وأن الفترة الحالية تحتاج إلى تنسيق المواقف وليس القرارات الفردية.

وبعد الإعلان عن خطط لاختبارات قدرة المحطات على مقاومة الضغط، يقول المفوض الأوروبي لشؤون الطاقة غونتر آتينغر، في إجابته عن سؤال: هل يمكن الثقة في اختبارات قدرة المحطات على مقاومة الضغط؟ «اختبارات مقاومة الضغط تشكل تقدما على مسار السلامة أوروبيا باتجاه مقاييس مشتركة صارمة، وقواعد واضحة بالنظر إلى ما يجري في اليابان. أنا متأكد، ككل الناس، بأن الدول الأعضاء في الاتحاد والمؤسسات والمراقبين سيشاركون في العملية وسيهتم الجميع بالنتائج. وفي رده على أسئلة محطة التلفزة الأوروبية «يورونيوز» حول إمكانية أن يستغني الاتحاد الأوروبي عن الطاقة النووية؟ قال غونتر آتينغر ستكون الطاقة النووية جزءا من مجموعة من الطاقات لدى الدول الأعضاء لفترة طويلة. وهذا ما يجعل الأمن والتحليل الجديد في المجال النووي يكتسبان أهمية بالغة. وعن ما هي البدائل في المستقبل؟ قال آتينغر: سنرد على هذا السؤال شيئا فشيئا من خلال ورقة الطريق الأوروبية الخاصة بالطاقة، أي بواسطة استراتيجيتنا في المدى الطويل، وبالتوجه نحو عدة أنواع من الطاقة ما بين العام ألفين وعشرين والعام ألفين وخمسين. وحول نفس الموضوعات تقول البرلمانية الأوروبية عن حزب الخضر ميشال ريفاسي «لم نقم بتقدير المخاطر المضاعفة. نستطيع أن نضع كل النماذج النظرية التي نريد، لكن الطبيعة ستخترع، إذا صح التعبير، لأن لديها قوة لا يمكن تصورها وهي قادرة على تحطيم بلد بأكمله. أعتقد أن هناك نية لعدم التخلي عن الطاقة النووية. بالنسبة للناس، سيرتفع الاستهلاك. إذن، نحن دائما في ظل نظام يعتمد على النمو اللامحدود ونريد الزيادة في انتشار الهياكل النووية. لكن، عندما يقع حادث كما هو الشأن في اليابان، فإننا نجد أنفسنا أمام كارثة بل جحيم. لو كان هناك ابتكار، وقيمة مضافة لتطوير الطاقات الأخرى، خصوصا الطاقات البديلة، لتمكنا من الدفع باتجاه التخلي عن الخيار النووي. لكن موقف المفوضية هو بالأحرى موقف مع الطاقة النووية كخيار يجب تطويره. وبعد المخاوف التي أثارتها كارثة اليابان، فرنسا فتحت أبواب إحدى محطاتها النووية للاطلاع على التدابير الأمنية الصارمة فيها. وهي محطة بلدة شو، الواقعة في منطقة شامباني - آردين شمال شرقي البلاد، التي تشغل قرابة 1000 عامل. وقالت وسائل إعلام أوروبية زارت المحطة إنها تحتوي على مفاعلين نوويين من بين أقوى المفاعلات عالميا ودشنت في منتصف التسعينات. مدير المحطة النووية أوليفييه لامار يؤكد أن إجراءات السلامة المعمول بها تستبعد حدوث السيناريو الياباني في المنطقة: «لدينا مجموعة لمواجهة الأزمات تتشكل من 56 شخصا هنا في (شو) يمكن تجنيدهم في أقل من ساعة للالتحاق بنا… لدينا سيناريوهات تدخل في حال حدوث فجوات أو تسربات قابلة للتنفيذ فورا… ولدينا تقنيات في بعض حالات التسرب تضمن موازنة الضغط لوقف التسرب ثم تبريد المفاعل ووضعه في حالة سليمة أمنيا».

بمفاعلاتها النووية الـ: 58، التي تغطي 17 في المائة من حاجاتها من الطاقة، تعد فرنسا أكثر بلدان العالم من حيث عدد الهياكل النووية بالنظر إلى عدد السكان. وبعد أن كشفت الكارثة النووية في اليابان حدود تقنيات البناء المضاد للزلازل، اكتشف البلجيكيون أن مفاعلاتهم النووية السبعة ليست في مأمن من حوادث مماثلة. مدينة «وي» البلجيكية تحتضن ثلاثة مفاعلات أقدمها مفاعل «تيانج 1» الذي بني في السبعينات من القرن الماضي بمقاييس أمنية ضعيفة القدرة على مقاومة الزلازل. وهو اليوم يثير الانشغال في الوسط السياسي.. مقابل نزعة إلى اللامبالاة وسط السكان. وتقول سيدة بلجيكية شديدة الاطمئنان على أمن المفاعلات المحلية: «لست خائفة من المنشآت النووية في تيانج، لأنني أعرف كيفية اشتغالها وتمت دعوتنا لزيارتها وطمأنتنا على سلامة أسلوب بنائها». لكن هناك مواطن يخالفها الرأي وقال: «خطط الإنقاذ برأيي سيئة جدا. والناس هنا يفتقرون إلى المعلومات الكافية». وهناك أيضا من يعارض مبدئيا الاعتماد على الطاقة النووية دون اكتراث كبير بالمخاطر التي قد تنجم في أي لحظة عن المفاعلات المحلية. وتقول سيدة عجوز: «أنا مع الطاقات البديلة وضد الطاقة النووية». من جهته، يشرح عمدة بلدة وي، آليكسي أوزيو، موقف سكان المنطقة بهذه العبارات: «سكان البلدة بشكل عام يحبون محطتهم النووية، يجب الاعتراف بذلك. إنها جزء من المشهد في المنطقة، وهذه هي المشكلة بعينها، لأن التعود عليها قد يقلص درجة الوعي بالمخاطر. يجب توخي اليقظة فيما يخص الأمن. السكان هنا يريدون شروطا أمنية مثلى. لكن، لا أعتقد أن هناك أغلبية من السكان يرغبون في غلق المحطة… رغم ما حدث في اليابان».