محافظ مؤسسة النقد السعودي: لا يوجد خروج غير عادي لرؤوس الأموال من المملكة

الجاسر يؤكد أن اقتصاد المملكة في معزل عن الاضطرابات الإقليمية

محافظ مؤسسة النقد السعودي متحدثا في منتدى جدة (تصوير: خضر الزهراني)
TT

كشف مسؤول رفيع في السعودية عن وجود جهود حثيثة وكبيرة للتطبيق الجديد على قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وذلك من خلال وزارة المالية والبنوك المحلية، إضافة إلى وزارة المالية، ومشاركة بعض الصناديق الداعمة لهذا القطاع.

وقال الدكتور محمد الجاسر، محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي - البنك المركزي - لـ«الشرق الأوسط»: إن منظومة الجهود المتواصلة تعمل في هذا الاتجاه، مبديا تفاؤله ببعض النتائج الملموسة، خاصة أن هذه القضايا تأخذ مزيدا من الوقت، موضحا أنه عند صدور أنظمة التمويل التي لا تتعلق فقط بالرهن العقاري بل بأنواع أخرى من التمويل، فإن أنظمة التمويل تعطي دفعة قوية تضاف إلى ما أعلنه خادم الحرمين الشريفين في أوامره الملكية السابقة.

وكشف الجاسر عن أن مؤسسة النقد العربي السعودي لم تلاحظ خروجا غير عادي لرؤوس الأموال في السعودية، مشيرا إلى أن اقتصاد السعودية في معزل عن الاضطرابات الإقليمية على نحو مقبول، وأن الاضطرابات في العالم العربي لم يكن لها أثر يذكر على الاقتصاد والبنوك السعودية.

وأكد الجاسر أن حزمة القرارات التاريخية التي أعلنها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، مؤخرا، ستغير مجرى التنمية الشاملة في السعودية خلال السنوات القليلة المقبلة.

كان محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي يتحدث خلال الجلسة الأولى لمنتدى جدة الاقتصادي، أمس، التي ناقشت «تأثير القوى العالمية» وأدارها كيتو دي بوير، المدير المسؤول بشركة «مكنزي»، وشارك فيها عدد من الخبراء الاقتصاديين.

وأكد الجاسر أن مجموعة العشرين، التي تضم في عضويتها السعودية وتركيا، ستكون ذات تأثير قوي في المستقبل، خصوصا أنها تمثل ثلث سكان العالم، ولا تخضع في نفوذها إلى دولة بعينها، وتملك إرادة جماعية وتؤثر بشكل كبير في القرارات الدولية العالمية التي ستقود إلى إصلاح متوقع للوضع الاقتصادي العالمي، وتنهي آثار الأزمة المالية التي حدثت في السنوات الماضية.

وأضاف: «لا بد من التفريق بين الحكومة والتنظيم الحكومي»، مشيرا إلى أن الأخيرة تعني الجهات التي يجري دعمها من الحكومة، لكنها لا تأخذ الصفة الرسمية. وأشار إلى أن التأثير الأحادي أو الثنائي قبل 30 سنة كان له تأثير سلبي على القوى الاقتصادية العالمية.

واسترجع الجاسر النمو الاقتصادي الذي حدث في العالم؛ حيث أشار إلى أنه في عام 1900، كانت الولايات المتحدة الأميركية هي أكبر اقتصاد عالمي، وكانت هناك مؤسسات عالمية اقتصادية قد أنشئت في هذا العهد للتعامل مع القضايا الاقتصادية، وكانت هناك أنظمة في العالم الثالث مغلقة ولا تسمح بالتحرر الاقتصادي.

وتابع: «كان هناك منجز أساسي يتمثل في دفع أجندة التجارة التي أدت إلى ظهور اختلال كبير؛ حيث ظهرت فقاعات شركات الإنترنت، وبات من الممكن أن نفكر في أسباب كثيرة للإخلال الذي حدث في مجموعة السبع، التي كان ينظر لها على أنها نادي الأغنياء».

ولفت الجاسر إلى أن هذه المجموعة صارت فيما بعد تسمى مجموعة الثلاث عشرة، بعد أن انضمت إليها مجموعة من الدول، ثم مجموعة العشرين، ولم يكن أمامها تحدٍّ كبير حتى حدثت الأزمة المالية العالمية، التي أدخلت العالم في أسوأ مرحلة كساد في تاريخه، وفي خريف 2008 اجتمعت مجموعة العشرين وبحثت عن حزمة من الحلول للأزمة المالية، وطالبت بإصلاحات في النظام المالي العالمي.

وأضاف: «لا أعتقد أن الاختلالات الموجودة في النظام العالمي هي السبب الرئيسي في الأزمة الاقتصادية العالمية، لكن ينبغي أن يكون هناك نظام متعدد الاتجاهات يضم الدولار واليورو والعملة الصينية، التي تؤثر بشكل كبير في الاقتصاد العالمي، وعلينا أن ندرك أن العولمة تجلب فوائد لكنها تجلب أيضا تحديات».

وشدد على أن المؤسسات الدولية، مثل البنك الدولي، ليست لديها السلطة للضغط على القوى الاقتصادية؛ حيث إن مجموعة العشرين حققت مصداقية وأملا في أنها ستزدهر لأنها تطورت بصورة كبيرة. وأضاف: «أتصور أنها أكبر تجسيد للرغبة العالمية لجعل الفائدة العامة قبل المصالح الذاتية للدول، وقد حققت الكثير من الإنجازات، وهناك الكثير ممن يعتقدون أن العملات هي أساس المشكلة، ويجب أن نكون حذرين، خاصة في السعودية».

وأشار إلى أن السعودية تستخدم فوائض الميزانية لتحقيق التنمية الاقتصادية، وعندما تتوافر الموارد المالية فإنها تعطي الفرصة لجعل اقتصادك أقوى وأكثر متانة، وهو ما سُعي إليه في المملكة.

من جانبه، تطرق كيتو دي بوير، المدير المسؤول بشركة «مكنزي»، إلى القوة العالمية وإعادة الموازنة الدولية بين الغرب والشرق في البلدان المتقدمة والنامية إلى جانب الإنتاجية وزيادتها باستخدام وسائل ومنصرفات أقل، وتطرق لما يُعرف بالشبكة العالمية، وهو وصف العالم الذي يعتمد على بعضه البعض والمترابط مع بعضه البعض.

كما أشار إلى دور وازدهار التقنية في العالم، ومنتجات الغذاء والأسعار وزيادة الاختلافات الموجودة داخل البلد والمستقبل وضغوطه بين الذين يملكون ولا يملكون في البلد الواحد. وتطرق لليابان كثالث أكبر اقتصاد في العالم.

وقال: إن هناك 60% من الإنتاجية لدعم الاقتصاد، وليس هناك مفاجأة في التطور التكنولوجي الكبير لليابان، مشيرا إلى أن الاقتصادات تتغير، لكن الإنتاجية هي الشيء الوحيد الذي سيحسن الاقتصاد.

وانتقل دي بوير إلى العالم الثالث، وقال: إن أنماط التجارة والحركة التجارية تطورت كثيرا، ونمت بصورة كبيرة مقارنة بالاقتصادات الكبرى، وكذلك في مجال براءات الاختراع والتكنولوجيا، لافتا إلى أن أكبر شركة تسجل براءات اختراع كانت في الصين.

وتناول الاتجاه الرابع العالمي المتعلق بوضع الأسعار وكيفية إدارة العرض والطلب. وأشار إلى أن ما بين عامي 2010 و2030 سيزيد الطلب بصورة كبيرة على الغذاء قد تصل إلى 48%، مشيرا إلى أنه في عام 2009 كان هناك تحول كبير فيما يتعلق بنمو المدن، لافتا إلى أن 1.5 مليون شخص ينتقلون أسبوعيا إلى المدن، وأن ذلك فيه مساواة بالنسبة للإنتاجية، ولأن المدن بها مساواة أقل من الريف.

وتابع: «إذا نظرنا إلى المجتمعات الزراعية فإن الفرق بين الأغنياء والفقراء يمثل 3 أضعاف؛ فمن الصعب أن تكون مزارعا غنيا، فهنالك فرق كبير بين الأغنياء والفقراء».

ولفت كيتو إلى أن ما قامت به المملكة خلال الـ40 سنة الماضية، جعلها البلد الخامس الأكثر تطورا فيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية، وقد جاءت بعدها عمان وإندونيسيا ونيبال. وقال: «يتعين خلق 100 مليون وظيفة خلال السنوات المقبلة، لا سيما أن دول الخليج العربي تعتبر من الاقتصادات الديناميكية، والتحدي يكمن في القدرة أعلى إحداث وظائف، وإذا نظرنا إلى السكان فإن نسبة التوظيف تعتبر الأقل في العالم بالنسبة لمجتمع تعداده السكاني الأكبر من الشباب، الذين من المفترض أن يدخلوا سوق العمل خلال السنوات المقبلة، مقارنة بالصين وتعداد السكان الذي يتناقص فيها نتيجة اتباع سياسات تحديد النسل».

إلى ذلك، قال كاسبر فليجر، رئيس مجلس إدارة بنك يو بي إس: إن التغير الاقتصادي الكبير في العالم الغربي والنمو المتسارع للنظام الاقتصادي والمالي في العالم سينتج عنه خاسرون ورابحون، متناولا آثار البطالة وزيادة الديون التي تساعد على توليد كثير من الضغوط الانكماشية.

وتابع: «الفرق في مستويات الدين لا يزال كبيرا، والعجز في ميزانية الولايات المتحدة كبير، ويمول من الاحتياطي المركزي، ومن المحتمل أن تحدث زيادة في التضخم مستقبلا، كما أن مستقبل الاقتصاد للدول الكبرى يشكل علامات استفهام كبيرة، وكما هو الحال في بقية الدول الأوروبية».

وتساءل عن القارة الأوروبية وعن مستقبل منطقة اليورو، وقال: «لا أعتقد أنها ستفكك نفسها، وأعتقد أن الحل الوحيد لاستدامة منطقة اليورو هو الاتحاد النقدي أو اتحاد العملات، وأن هيكلة النظام المصرفي الأوروبي أمر لا يمكن تجنبه».

من جانبه، تناول عارف نقفي، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «أبراج كابيتال»، ما يمر به الاقتصاد العالمي، الذي يتطلب من الجميع أن يضعوا الحلول والمعالجات، مشيرا إلى أن الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة تضاعفت بنسبة 400%، إلى جانب انخفاض مستوى عدم التيقن في العالم والمخاطر التي يمكن قياسها ومعالجتها وإيجاد حلول للنتائج المرتبطة بها.

وأشار إلى أهمية المنشآت الصغيرة والمتوسطة التي توفر فرص عمل كبيرة وفرصا هائلة لرجال الأعمال لإنشاء البيئة المواتية لرفع الإنتاجية، واستيعاب البيئات الاقتصادية الصغيرة، وعلينا كرجال أعمال أن نفكر فيما سيسود في الاقتصاد والإسهام في المعالجة.

وأشار إلى أن الدولة وحدها لا يمكن أن تتحمل عبء التوظيف والبطالة في ظل وجود 200 مليون شاب يبحثون عن وظائف، مؤكدا أن منطقة الخليج يمكنها أن توفر قطاعا كبيرا من الوظائف في السنوات المقبلة نتيجة المشاريع الكبيرة التي بدأت في إنشائها.