أردوغان.. ضيف منتدى جدة وعنوانه

رحلة طويلة أخذته من بسطة البطيخ إلى رئاسة الوزراء

أردوغان متحدثا في منتدى جدة («الشرق الأوسط»)
TT

ما إن أطل رجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا، على قاعته التي تستضيف هذه الدورة الجديدة من منتدى جدة الاقتصادي 2011، حتى التهبت أكف الحاضرين تصفيقا وتعالت الوجوه فرحا، بينما تأججت الأنفس المبهورة بإطلالة الضيف، أملا في مصافحة سليل العثمانيين.

الأيادي المصفقة، وكما قال صالح كامل رئيس غرفة جدة: «استحضرت مواقف الضيف الكبير الذي يبدو كمن ولد في إحدى حارات المدينة القديمة في القدس، وليس هناك على ضفاف (البوسفور) في القسطنطينية التي أضاءتها شمس الإسلام قبل 842 عاما».

أبصر ابن حي إسطنبول الفقير النور خلال حكم سلفه عدنان مندريس، رئيس الوزراء الذي كان وقتها يحاول وضع أولى لبنات الحركة الإسلامية في البناء الأناضولي الكبير، بينما كان أردوغان يبيع البطيخ، عله يجد في قيمته ما يسد حاجة أسرة والده. وتلك الحقبة من حياته كانت صاحبة السبق في نبوغ الفتى الجورجي الأصل اقتصاديا.

النزعة الإسلامية لحكم أردوغان في تركيا سهلت بناء جسور التواصل بين بلاده والعالم العربي، فباتت معرفة أرجاء البلد الأوروآسيوي، والسياحة فيه والتواصل الثقافي والسياسي معه، جزءا مهما في قلوب وعقول العرب والسعوديين، الذين صفق من حضر منهم بحرارة لأردوغان مع كل كلمة قالها حتى إن رئيس الغرفة التجارية الصناعية بجدة قدمه بـ«آبي» (الكلمة التركية التي يوصف بها الكبير).

نزعة أردوغان الدينية الدافئة أثرت كثيرا على عمله، حتى إنه أجمل مهمته القيادية في كفاح 3 أمور في تركيا، وهي الفساد والمحرمات والفقر، بينما لا يخفي رئيس الوزراء تلك النزعة، إذ سجن ذات مرة بسبب استشهاده في أحد خطاباته بالأبيات «مساجدنا ثكناتنا، قبابنا خوذاتنا، مآذننا حرابنا، والمصلون جنودنا، هذا الجيش المقدس يحرس ديننا».

تلك البذرة المتينة دفنت في قلب أردوغان منذ سنين عمره الأولى، إذ التحق بمدارس إمام خطيب الدينية النادرة والعزيزة الوجود في بلاده خلال تلك الأثناء، ثم انضم لدراسة الاقتصاد والعلوم الإدارية بجامعة مرمرة.

ومع كل تلك العاطفة الدينية الدافئة تمكن أردوغان من اعتلاء منصة رئاسة الحكومة في بلد علماني متشدد يستلهم علمانيته تلك من عهد يقطعه أبناء البلاد في نشيدهم الوطني لأتاتورك قائلين «.. أتاتورك العظيم، أقسم لك أن أسير بلا توقف على الطريق الذي مهدته وعلى المبتغى الذي اخترته..».

اعتلاؤه منصة الحكومة لم يكن بسلاسة اعتلائه منصة المنتدى، إذ كان في حياته السياسية أحد أكثر ربائب من تعرض للمضايقة من قبل مؤسسات الدولة التركية نجم الدين أربكان رئيس الوزراء الراحل، وكانت البداية من خلال حزب الخلاص الوطني الذي سرعان ما حل بعد انقلاب عام 1980، ثم وبعد عودة عرابه إلى السياسة، انضوى أردوغان تحت حزب الرفاه الذي أوصله في عام 1994 لعمودية إسطنبول كبرى مدن تركيا. إن انفتاح حكومة حزبه (العدالة والتنمية) اليوم تجاه المملكة العربية السعودية والعالم العربي لقي الانفتاح، بل والتدفق ذاته، فأردوغان غدا قائدا شريكا، وحزبه أصبح نموذجا ملهما، وليس أدل على شراكة القائد من دعوته المتكررة لزيارة المملكة، ومنحه جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام، وكذلك منحه الدكتوراه الفخرية في ذات المجال من جامعة أم القرى، كما أنه ليس أدل على إلهام الحزب من استنساخ اسمه في تونس ومصر والمغرب، واستشفاف سياسته في عدد آخر من البلدان العربية.

أما الحزب الملهم فقد أتى عبر قصة انشقاق عدد ممن ملوا الحال التي مرت بها أحزاب أربكان، فقد حلت أحزابه 3 مرات حتى عام 1998 الذي شهد الإطاحة بحكومته في انقلاب أبيض، وهو العام ذاته الذي أودع فيه أردوغان السجن، فلم يجد بدا بعد خروجه وإزالة حظر ممارسة السياسة عنه، إلا العمل على تأسيس حزب جديد مع رفيق دربه والرئيس الحالي لتركيا عبد الله غل.

حضر أردوغان للمنتدى، حينما دعي للمرة الثالثة وحضرت أيقوناته معه، وذكر احتشاد الحضور للاستماع، باستقباله الحار بمطار إسطنبول بعد عودته من منتدى اقتصادي آخر في دافوس، حينما اضطره الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريس لرد عنيف استدعى خروجه من المنتدى غضبا من عدم منحه الوقت، في حين وجد طيب أردوغان أمس في منتدى جدة الاقتصادي العوض عما حصل في دافوس حينما منح 20 دقيقة إضافية لاستكمال مرئياته وآرائه. ليس عجيبا أو غريبا أن يحمل أردوغان على الأكتاف بعد رحلة دافوس، فقد تم ذلك له قبل ذلك، حينما قاد الحزب الوليد لفوز كاسح في الانتخابات التشريعية عام 2002، مدعوما بسمعة أربكان النضالية، ومدعوما كذلك بانفتاحه الكبير على تيارات مختلفة، ومدعوما من أمينة أردوغان، أول عقيلة رئيس وزراء تظهر بالحجاب في تركيا.

وليس الاحتفاء الأخير لأردوغان بعد عودته من دافوس، فقد حمله 57 في المائة من شعبه على أكتافهم، تأييدا له في إجراء تعديلات دستورية رئيسية في استفتاء تجاوز التعديلات إلى شعبية القائد والحزب وسياستهما.

سياسة الحزب ظهرت أمس من خلال تحذير أردوغان إسرائيل من استمرار سياسة الدمار التي تمارسها في المنطقة، ودعمه رغبات الشعوب العربية في التغيير، ودعوته العقيد معمر القذافي للتنحي حقنا لدماء الليبيين.

بينما ليس الليبيون وحدهم من يهم أردوغان في الشرق الأوسط، فقد اتجهت بوصلة بلاده منذ 2002 إلى المنطقة، بعد أن أشاحت عقودا طويلة عنها، ففتحت الحدود وألغيت التأشيرات بينه وبين سورية ولبنان والأردن، وضحى بعلاقته مع إسرائيل حينما كسر تعنتها بقافلة الحرية للمحاصرين في قطاع غزة، وأطلق قناة رسمية ناطقة بالعربية.