معاشات التقاعد.. القنبلة الموقوتة في أميركا

انهيار الأسهم والكساد أدى إلى تراجع كبير في صناديقها

TT

تلقى ما يقرب من نصف عمال مدينة كوستا ميسا الأسبوع الماضي إشعارات بتسريحهم من وظائفهم، شملت عمال نظافة المدينة والمطافئ والميكانيكيين والموظفين المدنيين وعمال السيطرة على الحيوانات. ويشكل هؤلاء الذين تلقوا إشعارات 210 من بين 472 موظفا، الذين عمل العديد منهم في هذه الوظائف لثلاثة عقود وخلال تسلم هؤلاء الموظفين هذه الإشعارات يوم الخميس الماضي أقدم عامل صيانة، 29 عاما، على الانتحار بالقفز من سطح مجلس المدينة.

وقال بيلي فولسام، 58 عاما، الميكانيكي الذي تلقى إشعارا بتسريحه من العمل: «هذا القرار من شأنه أن يفجر الأوضاع في المدينة».

يؤكد المدافعون عن خفض أعداد الموظفين أن القرار يمثل ضرورة ملحة بالنظر إلى الارتفاع الكبير في تكلفة تقديم المعاشات لضباط الشرطة السابقين ورجال الإطفاء وموظفي الاتحادات النقابية السابقين الذين يستنفدون عائدات المدينة.

وتشير التقديرات المستقبلية إلى أن المدينة ستضطر إلى إنفاق أكثر من دولار من بين كل خمسة دولارات تدخل خزينتها على فوائد تقاعد موظفيها التي كانت سخية خلال الأعوام التي سبقت انهيار أسواق الأسهم في عام 2008.

ويقول جيم ريجيمير، الذي انتخب عمدة للمدينة مؤخرا بصفة مؤقتة: «إن مجرد التفكير في هذا بعملية يصبح أمرا غير قابل للاستمرار، فبموجب هذا النوع من الأعباء لن نتمكن من الاستمرار في القيام بواجباتنا نحو المدينة». وكانت حملة ريجيمير الانتخابية تقوم على قضية المعاشات، وهو ما أثار غضب رجال الشرطة الذين قاموا بحملة مضادة تتألف من رجال الشرطة ورجال الإطفاء في المدينة.

ظهرت هذه الأخطاء المالية لسنوات الازدهار ـ المصارف التي أقرضت الأموال بسهولة بالغة، لمشتري المنازل الذين اشتروا منازل لا يمكنهم دفع أثمانها ـ بجلاء في أعقاب وقت قصير من الكساد. لكن العديد من الولايات والمدن ربما تكون قد أجبرت نفسها على تبني التزامات مفرطة ومن ثم فالخطر الذي يواجهونه الآن يتمثل في إمكانية حدوث قصور في المعاشات العامة وإثارة معارك سياسية في كل أرجاء الولايات المتحدة.

وقد أثارت جهود الجمهوريين في إعادة رواتب موظفي الدولة إلى سابق عهدها والمساومة حول الحقوق عددا من الاحتجاجات في أماكن مثل ويسكنسون إنديانا وأوهايو. لكن في كوستا ميسا حيث يهيمن المحافظون على مقاليد السلطة وصل الهجوم على رواتب الموظفين الحكوميين مدى واسعا للغاية.

جدير بالذكر أنه خلال فترة الانتعاش الاقتصادي وعدت الكثير من الولايات والحكومات المحلية موظفيها بمعاشات أفضل، حتى إن بعض موظفيها كانوا يتقاعدون في وقت مبكر. أما آخرون فقد حصلوا على قسم كبير من آخر راتب حصلوا عليه. كان ذلك من الناحية المالية، وربما يكون هذا سهلا مع الارتفاع الكبير في أسواق الأسهم وأرصدة صناديق التقاعد، فأشارت إحصاءات التعداد العام إلى ارتفاع المعاشات التي تدفعها الحكومات المحلية والولايات إلى ضعف رواتبهم خلال الفترة بين عامي 1998 و2008 العام الأخير الذي تتوافر فيه الإحصاءات.

لكن أما وقد أدى الكساد إلى تراجع كبير في صناديق المعاشات، فسيكون من الصعب الوفاء بهذه التعهدات للموظفين. فهناك العشرات من صناديق المعاشات المحلية والتابعة للولايات في طول الولايات المتحدة وعرضها ينظر إليها على أنها مفتقرة للحد الأدنى من التمويل، وهو معيار من معايير السلامة لمعاشات التقاعد، وفقا لمركز أبحاث التقاعد في جامعة بوسطن.

وكان لأوجه القصور هذه نتائج سياسية بعيدة المدى، فعزا بعض السياسيين الذين عارضوا نقابات موظفي الدولة من الناحية الآيديولوجية هذه المشكلات إلى جشعهم ونفوذهم السياسي. والآن تقف هذه النقابات في موضع المتحفز للهجوم.

ويقول جاسون بايل، 38 عاما، بإدارة الإطفاء الذي كان يجني 160000 دولار كأساسي إلى جانب الوقت الإضافي وراتب المؤهل في عام 2010 وفق سجلات المدينة: «ما أغضب الكثيرين منا هو أننا اتهمنا بأننا السبب في هذا الوضع الاقتصادي الصعب». بات بمقدور بايل الذي عمل مع القسم 14 عاما أن يتقاعد في سن الرابعة والخمسين وأن يحصل على 90 في المائة من راتبه. ويقول عن ذلك: «إنهم يهمشون ما نقوم به فعليا، ككل شيء قمت به في حياتي أصبح الآن بلا معنى».

ووصف نهج المدينة بالتعامل مع المشكلة - إشعارات التسريح من العمل - بسياسة الأرض المحروقة.

في بعض الأماكن القليلة باتت الانتقادات الموجهة لاتحادات العمال وقنبلة المعاشات الموشكة على الانفجار قوية كما هو الحال في كاليفورنيا - أو ربما، أكثر تحديدا الحوض الساحلي للمحافظين حيث اندلعت المعركة بشكل أكثر وضوحا خلال حملة ترشح ريجيمير خلال الخريف.

وكان ريجيمير، 52 عاما، مطور عقاري في مقاطعة أورانغ قد خاض معركة طويلة ضد النقابات المهنية، وفي منتصف التسعينات في أعقاب تشكيل مجموعة عمل سياسية لمعارضة نقابات المعلمين في الوقت الذي يدفع فيه من أجل العودة إلى الأسلوب الأساسي. ثم في عام 1997 تمكن من طرح استفتاء لمنع نقابات العمال من استغلال مستحقات أعضائها دون الاستئذان من كل عضو سنويا.

ومن ثم لم يكن الأمر ليثير الدهشة عندما أعلن عن نياته الترشح لرئاسة مجلس المدينة، في هذه المدينة التي يقطنها 116000 نسمة. وألقى باللائمة في الخلل الواضح في الميزانية على التعويضات التي تم التفاوض حولها مع النقابات العمالية الخاصة برجال الشرطة والإطفاء وموظفي المدينة الآخرين.

ويرى أن الحكومات المحلية كانت كريمة للغاية مع نقابات الموظفين الحكوميين التي تملك تأثيرا كبيرا على الانتخابات المحلية. في البداية أشار هو والمنتقدون الآخرون إلى أن الاتحادات يمكن أن تكون مصدرا رئيسيا لتمويل المنافسات المحلية، فقد تكلفت حملة ريجيمير 70000 دولار في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) بحسب سجلات المدينة. وفي الوقت ذاته أنفقت شرطة كوستا ميسا وقسم الإطفاء 101000 دولار في حملة لإسقاطه. ثانيا، أشار إلى أن العديد من المرشحين كانوا يتنافسون للحصول على دعم الشرطة وقسم الإطفاء. وقال: «الجميع هنا يرغبون في الحصول على دعمهم، فهم يحاربون الجريمة وينقذون حياة الناس وكل هذه أشياء جيدة، والناس فعلا تحب هذه».

أشارت النقابات إلى أن مرشحيها عادة ما يخسرون، لكن عندما يتعلق الأمر بالحصول على فوائد معاشات مرتفعة فغالبا ما يفوزون.

وبعد أن سمحت الولايات بمعاشات أكثر ارتفاعا للعديد من العاملين في عام 1999 قام العديد من الحكومات المحلية ومن بينها كوستا ميسا بالسير على نفس النهج. واليوم يمكن لرجال الشرطة ورجال الإطفاء تسوية معاشاتهم في سن الخمسين والحصول على 90 في المائة من الراتب وهو ما تحول إلى اتجاه عام بمرور الوقت. ويقول سكوت باغو، رئيس فرع الحزب الجمهوري في مقاطعة أورانغ وحليف ريجيمير: «بعد 11/9 كان رجال الشرطة والإطفاء بمثابة أبطال قوميين، ولم يكن من الكثير أن نعطي مليون دولار لكل بطل منهم، لكنه أمر غير قابل للاستمرار».

في بداية العام الحالي قامت لجنة مؤلفة من كلا الحزبين بدراسة المعاشات في ولاية كاليفورنيا وحذرت من أن «وعود التقاعد التي قطعها المسؤولون المنتخبون على مدى العقد الماضي لا يمكن الوفاء بها، وأن تكلفة التقاعد ستدمر الحكومة».

وتشير إحصاءات المدينة إلى أن كل دولار تدفعه المدينة لضباط الشرطة أو رجال الإطفاء يجب أن ينحي جانبا أكثر من 40 سنتا لتمويل معاش الموظف. أما كل دولار يدفع لموظف عام يجب أن ينحي جانبا 27 سنتا. يبلغ متوسط ما يجنيه ضابط الشرطة في كوستا ميسا 105000 دولارات سنويا بحسب إحصاءات 2010، فيما يبلغ متوسط ما يجنيه رجال الإطفاء في المدينة 109000 دولارات إلى جانب الوقت الإضافي وراتب المؤهل العام الماضي. وعلى الرغم من اعتراف قادة الاتحادات بأن عبء التكاليف المرتفعة للمعاشات ألقى بظلاله على المدينة، أشاروا إلى أنهم عرضوا إغلاق تلك الهوة. وقد اتفقت الشرطة ورجال الإطفاء العام الماضي على الإسهام بنسبة 5 في المائة و6 في المائة من رواتبهم على التوالي لتمويل المعاشات. وقد اتفق موظفو القطاع العام على زيادة إسهامات المعاشات بنسبة 4 في المائة.

* خدمة: «واشنطن بوست» خاص بـ («الشرق الأوسط»)