أزمة ديون البرتغال في «المنطقة الحمراء» بعد سقوط الحكومة

معدلات الفائدة على سندات الديون فاقت 12% للبرتغال وقاربت 10% لآيرلندا

TT

في ظل سعي أوروبا لاستيعاب التعامل مع أزمة ديونها، والتي توسعت مع سقوط الحكومة البرتغالية بعد جولة أخرى من التخفيضات في إنفاق الميزانية، ترتفع أسعار الفائدة على سندات الديون، خاصة على الدول الثلاث التي تراوح في منطقة الخطر، وهي اليونان وأيرلندا والبرتغال. أرقام الفائدة ارتفعت إلى 12.4 و9.4 و7.8 للدول الثلاث على التوالي. وهي أسعار الفائدة التي تدفع حاليا على السندات الحكومية العشرية (مدتها 10 سنوات) لليونان وأيرلندا والبرتغال. وتظل هذه الأسعار مرتفعة جدا، مقارنة بسعر الفائدة على السندات الألمانية الذي يصل إلى 3.24 في المائة فقط، وهو ما يظهر أن المستثمرين لا يزالون غير مقتنعين بأن الاستراتيجية الأوروبية المتبعة لإنقاذ الدول المتعثرة والمدينة بشدة قد نجحت بعد عام من بدايتها. ومع اجتماع قادة الدول الأوروبية في بروكسل أول من أمس (الخميس) لبحث إمكانية إنقاذ الاقتصاد البرتغالي بعد عمليات إنقاذ مالية مشابهة لليونان وأيرلندا؛ ظل السؤال قائما: «هل تقبل أوروبا بقرار كانت قد عارضته لفترة طويلة، وهو إجبار المستثمرين على تحمل خسارة على أرصدة سنداتهم المالية للحيلولة دون انتشار هذه الكارثة؟». وبينما كانت البورصات الأوروبية مستقرة أول من أمس، ظلت أسواق الائتمان غير مستقرة مع تخفيض وكالة «فيتش للتصنيفات الائتمانية» من تصنيف ديون الحكومة البرتغالية، وتخفيض وكالة «موديز» للتصنيفات الائتمانية التصنيف الائتماني لعدد 30 مصرفا في إسبانيا. وإذا أصبح المستثمرون أكثر قلقا بشأن إسبانيا، التي تمتلك اقتصادا أكبر بكثير من الاقتصاد البرتغالي ومستويات أعلى من الديون المصرفية مقارنة بمثيلاتها في البرتغال، يمكن أن يتبخر الهدوء النسبي الذي ساد خلال الشهرين الماضيين. وتبقى خطة الإنقاذ المالي للبرتغال - التي ربما تصل قيمتها إلى 80 مليار يورو (113 مليار دولار) - هي الخيار الأكثر احتمالا، إن لم تكن أكثر الاحتمالات أمانا، لأنها قد تثبت أنها تمثل إجراء آخر لوقف الفجوة قد لا يمنع الأزمة من الانتشار. ومع استعداد محللي الأرقام الحسابية في البنك المركزي الأوروبي، وخبراء الضرائب من صندوق النقد الدولي وأعضاء آخرين من المسؤولين المعنيين بعمليات الإنقاذ المالية للوصول إلى البرتغال، ناصحين إياها بضرورة تحمل المزيد من الآلام والتضحيات المتعلقة بالميزانية، يؤكد بعض الخبراء الاقتصاديين أن الطريقة الأكثر ذكاء للتعامل مع الأزمة المالية البرتغالية تتمثل في إعادة هيكلة الديون البرتغالية الحالية بدلا من زيادتها. وبينما قد يكون من المبكر جدا إصدار حكم نهائي على هذه العملية، أشار هؤلاء الخبراء الاقتصاديون إلى أن العائدات المبكرة على مبلغ الـ200 مليار يورو الذي تم استخدامه لتمويل الحكومة اليونانية والأيرلندية توصف بأنها أقل من واعدة. وتستمر كلتا الدولتان في بذل جهود مضنية من أجل تحقيق عائدات نقدية لكي تصبحا قادرتين على سداد الديون مجددا رغم حصولهما على دعم من شركائهما الأوروبيين. وفي اليونان، يتوقع البنك المركزي أن يصل معدل البطالة إلى 16.5 في المائة خلال العام الحالي. ويستمر تراجع دعم الشعب اليوناني لحكومة رئيس الوزراء جورج باباندريو، وإصلاحاته، بعدما أظهر استطلاع رأي حديث أن 35 في المائة فقط من اليونانيين سوف يصوتون له مجددا. وفي أيرلندا، يبدو الآن أن البنوك التي ساهمت قروضها السيئة في تدمير الدولة قد تحتاج حتى إلى أكثر من مبلغ الـ35 مليار يورو الذي تم تخصيصه بالفعل لها من قبل المفوضية الأوروبية وصندوق النقد الدولي. ومن أجل إثبات رؤية السوق لحتمية إعادة هيكلة الدين، تبدو أسعار الفائدة على السندات العشرية لليونان وأيرلندا الآن أعلى مما كانت عليه عندما تلقت هاتان الدولتان مساعدات الإنقاذ المالية الخاصة بهما. وأخيرا، في البرتغال، وبعد أن غطت أربع حزمات تقشفية لتخفيض النفقات نقاطا اعتيادية مثل إصلاح نظام المعاشات وتخفيضات الإنفاق وزيادات الضرائب، طفح الكيل بالناس هناك. وأكد باري إيكينغرين، وهو خبير اقتصادي وخبير في منطقة اليورو وأصولها أن الدرس واضح، وهو أن التقشف المعزز الذي لا يستكمل ببعض أشكال تخفيض الديون، والذي يتم إجبار حاملي الديون المصرفية أو الحكومية على تحمل الخسارة فيه ليس فقط غير قابل للتنفيذ ولكنه مجحف أيضا. وقال: «عندما تخفض مدخولات الأشخاص الذين يخدمون الدين، ولا تخفض مدخولات حاملي السندات، فلن تقلل من مستوى الدين. وقد يصف البعض هذا الإجراء بأنه تضحية مشتركة، ولكن بعض الأشخاص لا يرغبون بالاشتراك في التضحية». وبينما تركز الحجة التي تعارض إعادة الهيكلة على أن المخاطر المرتبطة بانتشار الكارثة المالية عالية جدا، فإنه أصبح من الواضح بشكل متزايد أن السبب الذي يقف وراء امتناع أوروبا عن قبول تحملها لخسائر على الديون اليونانية والأيرلندية والبرتغالية هو أن التكلفة التي قد تتحملها البنوك الأوروبية ستكون باهظة. وخلال الأسبوع الحالي، قدرت وكالة التصنيف الائتمانية «ستاندرد آند بورز» أنه في ظل حدوث أسوأ حالات الانكماش الاقتصادي في اليونان وأيرلندا وإسبانيا والبرتغال، سوف تحتاج البنوك في أوروبا الغربية إلى جمع 250 مليار يورو، وهو أكثر من نصف المبلغ الذي جمعه صندوق الاستقرار المالي الأوروبي. وعلى الرغم من ذلك، لا يزال الاتحاد الأوروبي غير مستعد لمواجهة هذه المسألة بشكل مباشر. ورغم تعرض فحص تحمل الضغوط الأول الذي أجراه الاتحاد للبنوك الموجودة داخل الاتحاد الأوروبي لانتقادات واسعة، بدأ الاتحاد في إجراء فحص ثان. وفي ضوء الافتراضات المتفائلة التي تم تقديمها بشأن قيمة الديون اليونانية والبرتغالية، من المستبعد النظر إلى هذه الجولة على أنها تمثل قدرا كبيرا من التحسن. وقال راؤول روباريل، محلل في مؤسسة «أوروبا المفتوحة»، وهي مؤسسة أبحاث تركز على أوروبا تتخذ من العاصمة البريطانية لندن مقرا لها: «البنوك تمارس ضغوطا بشكل واضح على أوروبا من أجل الامتناع عن إعادة الهيكلة. ولكن ليس هناك سبب حقيقي يدعو لفرض مثل هذه التكلفة على دافعي الضرائب عندما يمتلك المستثمرون والبنوك القدرة على استيعاب هذه التكاليف». وفي تقرير نشر خلال الأسبوع الحالي، قدر روباريل أن عملية الإنقاذ المالية للبرتغال سوف تتكلف ما يقرب من 80 مليار يورو. وهو رقم مقبول، وقد انعكس هذا بوضوح في شكل غياب التفاعل من الأسواق العالمية واليورو مع تفاقم الأزمة البرتغالية. ولكنه أكد على أن الطريقة الأرخص لحل المشكلة سوف تتمثل في التعامل مع أصل المشكلة وإعادة هيكلة ديون الدولة، وهو شكل من أشكال التعثر عن تلبية الالتزامات المالية، لأن هذا سوف يعني تخفيض الدين أو تسهيل شروط الدفع، أو كليهما، واستخدام مبلغ أقل من الأموال العامة لمساعدة العملية. وتجدر الإشارة إلى أن الدين البرتغالي ليس بنفس درجة ارتفاع الدين اليوناني، حيث يصل إلى 75 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. ولكن معدل النمو البطيء للاقتصاد البرتغالي (وهو الأضعف في منطقة اليورو) وموقعه التنافسي المريع نسبيا مقارنة بألمانيا يجعل من عملية جمع الأموال خطوة مطلوبة لإعادة تمويل التزاماته الصعبة جدا. ويقدر هذا المبلغ بنسبة 25 في المائة من طاقته الإنتاجية خلال العام الحالي. وحتى مع توافر الأموال من خطة الإنقاذ المالي، سوف يكون دافعو الضرائب مسؤولين عن تحمل مستوى أعلى كثيرا من الديون، كما حدث في اليونان. وبداية من عام 2014، لا بد أن توفر هذه الدولة مبالغ نقدية تصل إلى نسبة 8 في المائة من دخلها الوطني من أجل دفع تكلفة الفائدة السنوية الخاصة بها. وفي منطقة عملة ثابتة، حيث لا تمتلك الدول رفاهية تخفيض قيمة العملة، لم تحقق أي دولة هذا النوع من الفائض عبر زيادات الضرائب وتقليل النفقات والرواتب. وقال الخبير الاقتصادي إيكينغرين: «سوف تكون هذه التجربة غير مسبوقة. ولكن على الجانب الآخر، تعتبر منطقة اليورو نفسها تجربة غير مسبوقة».

* خدمة «نيويورك تايمز»