تفاؤل أوروبي بقدرة إسبانيا والبرتغال على تفادي الانزلاق إلى هوة الديون السيادية

على الرغم من ترجيح لجوء لشبونة خاصة إلى طلب إنقاذها

مخاوف من انهيار «الدومينو» البرتغالي والإسباني على غرار «الدومينو» اليوناني والآيرلندي
TT

أبدت المفوضية الأوروبية ببروكسل، وهي الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، تفاؤلا بشأن قدرة إسبانيا والبرتغال على تفادي الانزلاق إلى هوة أزمة الديون السيادية، وقالت إنها لا تعتقد أن أيا من الدولتين ستتقدم بطلب للحصول على مساعدات مالية من آلية الإنقاذ المخصصة لدول منطقة اليورو التي تعاني من أزمة العجز في الموازنة. وقال أولي ريهن المفوض الاقتصادي في تصريحات نشرت ببروكسل أمس (أمسأمس السبت) إنه لا يزال يعتقد أنه لا إسبانيا ولا البرتغال ستتقدم بطلب للحصول على مساعدة مالية في إطار صندوق الإنقاذ الأوروبي. وقال ريهن «إن الدين الوطني الإسباني أقل من المتوسط بالنسبة للمعدلات في الاتحاد الأوروبي، كما أن إسبانيا بدأت العام الماضي إجراءات تتعلق بتقليل الإنفاق الحكومي وإعادة هيكلة نظام المعاشات وسوق العمل وأيضا نظام بنوك الادخار في إسبانيا، وهي إجراءات مهمة جدا»، وعن البرتغال قال إنه ليس متشائما بشأن البرتغال، ولكن يجب على القيادات السياسية التحرك للعمل من أجل وقف العجز الحكومي، وذلك من خلال الإجراءات التي يضمنها اتفاق جرى التوصل إليه قبل أسابيع بين الحكومة البرتغالية والمفوضية الأوروبية. ومن جانبه أعلن رئيس الوزراء الإسباني خوسيه لويس رودريغيز ثاباتيرو أن حكومته ستتخذ مزيدا من الإصلاحات الاقتصادية بهدف تعزيز القدرة التنافسية وخفض العجز العام وتحقيق الاستدامة المالية.

ونقل بيان رسمي عن ثاباتيرو قوله في مؤتمر صحافي عقب اجتماع زعماء الاتحاد الأوروبي في بروكسل إن بلاده ستتخذ تلك الإصلاحات بما يتوافق مع «الميثاق من أجل اليورو»، الذي كان قد تم الاتفاق عليه في 11 من الشهر الحالي، لتعزيز الاستقرار المالي للمنطقة وتعزيز التنافسية والإنتاج. وأضاف ثاباتيرو أن إسبانيا تعتزم الالتزام بثماني نقاط أساسية لتحقيق تلك الأهداف، من أهمها إنشاء لجنة استشارية لتعزيز القدرة التنافسية وتعزيز المفاوضات الجماعية وتنشيط التعليم المهني وتقنين العمالة غير المنظمة ورفع احتياطي رأسمال المؤسسات المالية الإسبانية.وأوضح ثاباتيرو أن حزمة الإجراءات تتضمن أيضا دعم استقرار الميزانية عبر ربط نفقات الحكومة المركزية والحكومات المستقلة بالناتج المحلي الإجمالي الاسمي، وذلك لضبط سقف النفقات والحد من العجز في الميزانية العامة وتحقيق الاستقرار المالي.

وفي سياق متصل، أكد ثاباتيرو أن بلاده غير معرضة لعدوى الأزمة التي تعيشها البرتغال اليوم، مشددا على أن الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية التي اتخذتها إسبانيا في الفترة الماضية عملت على تحصين النظام الاقتصادي الإسباني في وجه الأزمات، ودفعت بعجلة النمو الاقتصادي، محققة انتعاشا ملحوظا في جميع قطاعات البلاد.

ونجحت إسبانيا في تقليص العجز العام في ميزانيتها إلى 9.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد مع نهاية 2010 لتفوق بذلك توقعات الحكومة بخفضه إلى 9.3 في المائة، بينما واصلت ديونها الارتفاع لتبلغ 60.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي مع نهاية العام الماضي، محققة بذلك مستويات تاريخية وقامت مؤسسة «موديز» بخفض التصنيف الائتماني على الودائع والديون لنحو 30 من البنوك الصغيرة والضعيفة وبنسب متفاوتة بجانب أن توقعاتها بالنسبة لتلك البنوك «سلبية»، هذا في ظل الضغوط التي تتعرض لها البلاد بسبب أزمة الديون السيادية، وما إذا كانت الحكومة لديها النية نحو دعم تلك البنوك أم لا.وكانت المؤسسة قد قامت بخفض التصنيف الائتماني للبلاد في وقت سابق من الشهر الحالي، حيث ترى أن دعم البنوك يحتاج إلى 50 مليار يورو، في الوقت الذي قدرت فيه الحكومة أن 15 بنكا يحتاج إلى 15.2 مليار يورو.

وفي نفس الإطار، قال مدير الشؤون المالية بصندوق النقد الدولي، خوسيه فينياليس: إن الاقتصاد الإسباني قادر على تخطي «أسوأ الظروف المحتملة» بفضل الإجراءات التي اتخذتها حكومة مدريد وتسير في الطريق الصحيح. وقال فينياليس عقب مؤتمر عن الاقتصاد الإسباني في جامعة جورج تاون بواشنطن: «حينما يتم معرفة الطريق الصحيح، فهذا الأمر يشعر بالكثير من الأمان، وأعتقد أن هذه أيضا هي وجهة نظر الأسواق». وجاءت هذه التصريحات ردا على سؤال بخصوص إذا ما كان يتوجب على إسبانيا أن تتبع خطوات اليونان وآيرلندا، البلدين اللذين تم اللجوء للاتحاد الأوروبي وصندوق النقد لإنقاذهما ماليا. وأعرب المسؤول عن ثقته في مستقبل الاقتصاد الإسباني، وذلك نظرا لـ«تحسن التوقعات»، ولكنه شدد في نفس الوقت على ضرورة الاستمرار في إصلاح سوق العمل وإكسابه قدرا أكبر من المرونة لكي لا تؤدي بعض الإجراءات التقشفية إلى توليد المزيد من البطالة. وطالب مدير قسم الشؤون المالية بالمزيد من التدعيم الضريبي. مبرزا الإصلاح الأخير في منظومة التقاعد والمعاشات التي قامت به حكومة مدريد.

وكان زعماء الاتحاد الأوروبي قد وافقوا نهاية الأسبوع الماضي على تطبيق حزمة تدابير تهدف إلى استقرار الوضع الاقتصادي في أوروبا والتصدي لأزمة الديون التي تعترضها. وعن البرتغال وحسب الكثير من المراقبين، ظلت تحاول بجهد كبير كي تتجنب الوقوع في الإفلاس أو حتى طلب المساعدة من الاتحاد الأوروبي في الوقت الذي قامت فيه بتطبيق أكبر خطة لخفض العجز منذ ثلاثة عقود، وعلى الرغم من ذلك فإن هذه المحاولات لم تقنع المستثمرين في الأسواق. وهو ما اضطر إلى تقديم المزيد من الإجراءات التي من شأنها أن تصل بمستوى عجز الموازنة إلى 4.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الحالي، وإلى أن يصل للمستوى المعياري الخاص بالاتحاد الأوروبي بنسبة 3 في المائة في عام 2012.لكن ما استجد هو أن البرلمان البرتغالي لم يوافق على مقترحات الحكومة بالإجراءات الإضافية، الأمر الذي زاد من تعقيد الوضع، وذلك قبيل ساعات قليلة من القمة الاقتصادية التي عقدها الاتحاد الأوروبي, وكذا دفع هذا الرفض إلى قيام رئيس وزراء البرتغال بتقديم استقالته. وقامت مؤسسة «ستاندرد آند بورز» بخفض التصنيف الائتماني للبرتغال بمقدار نقطتين، وقد تقوم بخفض آخر يبلغ نقطة واحدة في الأسبوع المقبل.

وقامت أيضا مؤسسة «فيتش» بخفض التصنيف الائتماني بمقدار نقطتين. كما قامت مؤسسة «موديز» في 15 مارس (آذار) الحالي بخفض التصنيف الائتماني للبلاد.

جدير بالذكر أن الحكومة البرتغالية أعلنت في وقت سابق عن خفض توقعاتها بالنسبة للاقتصاد للعام الحالي ليسجل انكماشا بنسبة -0.9 في المائة، وذلك قبل أن يحقق نموا بنسبة 0.3 في المائة في العام المقبل، ويتبعه نمو بنسبة 0.7 في المائة في العام الذي يليه، وبنسبة نمو 1.3 في المائة في عام 2014. وأشارت الحكومة إلى أن الانكماش الذي قد تشهده البلاد في العام الحالي يرجع إلى تراجع الاستثمارات وخفض الإنفاق العام لتقليص العجز.