كم يكلفنا الزحام المروري؟!

سعود الأحمد

TT

لدينا مشكلة استراتيجية في قراراتنا الإدارية في الدول النامية، وهي أننا لا نوظف نظام التكاليف، وفي دراساتنا (وبالأخص الحكومية) لا نميل إلى الترجمة الرقمية لتكاليف القرارات وخياراتها البديلة. وقد يكون السبب الحقيقي أن المسؤولين الحكوميين غير مطالبين بتطبيق نظام التكاليف، ولأن الأرقام تفضح. على النقيض، في الولايات المتحدة، عندما ترغب الحكومة في بناء جسر مثلا، فإن القرار يتم بناء على دراسة، ليس فقط الإنشاء ولكن العوائد التي ستأتي منه، كما يتبع ذلك تكلفة التأخر في بنائه بالمدد والأرقام. ودراسات جدوى هي التي تحدد أولوية القرارات.. سواء كانت حكومية أو خاصة. أما في الدول النامية فإن القرار تحكمه اعتبارات وأولويات لا يمكن لأحد التنبؤ بها! وهذا مما يُصعب على دور الخبرة إعداد دراسات الجدوى.

ولعلي أذكر بقرار الجهة المعنية بإعداد دراسة متكاملة عن الطرقات والشوارع بمكة المكرمة وداخلها ومخارجها لفك الاختناقات المرورية خلال موسمي الحج والعمرة لتعمل الإمارة مع الجهات الأخرى على إعداد تلك الدراسات، هذا القرار كنت أتمنى لو أنه شمل مدينة الرياض، لأنني أعتقد أن الرياض تعاني (أيضا) من أزمة مرورية، بل والمشكلة في كل يوم تتفاقم وتحتاج إلى تنفيذ مشاريع عاجلة لفك اختناقاتها المرورية. ولذلك فإن على وزارة النقل ووزارة المالية بالتعاون مع مرور الرياض العمل على حلها.

والذي أتمناه من وزارة النقل إجراء ونشر دراسة توضح تكلفة زحام المرور في الرياض على المجتمع والاقتصاد السعودي، حتى تتضح الصورة، بحيث تتضمن الدراسة وبالأرقام التكاليف اليومية التي يتحملها الوطن والمواطن والخسائر التي يخسرها جراء تأخر تنفيذ مشاريع الطرق والأنفاق والجسور والقطارات وغيرها. ولا بأس هنا من الاستفادة من خدمات الجامعات في مجال البحث العلمي، لأن الجامعة في الغالب لديها من الإمكانيات البحثية ما لا يتوفر لدى الجهات التنفيذية. وتقدمها الجامعة بتكاليف وكفاءة مناسبة لا تقارن بما تكلفه بيوت الخبرة المحلية والعالمية، بل لعي أذكر أن قسم المحاسبة بجامعة الملك سعود قد أجرى بحثا علميا في عام 1980 توصل فيه إلى تكاليف التلوث بمدينة الرياض (وبالطبع لا أحد التفت إليه).

والمهم هنا أن الجميع يدرك أن هناك فرقا بين أن تقضي مشوارك داخل الرياض خلال نصف ساعة وبين أن تقضيه في ساعتين، بسبب أزمة المرور! لكن الدراسات الدقيقة المدعمة بالأرقام تعطي الرؤية واضحة لمتخذ القرار. وبعد ذلك تكون المهمة سهلة والقرار يصبح واضحا بالنظر إلى جدواه الاقتصادية والاجتماعية، وأخذا في الاعتبار جميع العوامل الأخرى ذات العلاقة.

والذي أتوقعه أن تكلفة فك الاختناقات والزحام بمدينة الرياض بإنشاء قطارات سريعة خفيفة ومحملة على جسور بوسط وعلى جانبي الطرق السريعة وتوسعة بعض الطرق داخل الرياض وتوصيل بعضها. هذه المشاريع مهما بلغت تكلفتها لن تقارن بتكلفتها على الاقتصاد المحلي وعلى الدولة وعلى قطاع المال والأعمال والمواطن والمقيم! ولكن لو عُملت دراسة من إحدى جامعات الرياض، تضمنت مقارنة وفورات وعوائد هذه المشاريع بفوائد تشغيل الاحتياطيات النقدية المتراكمة في حسابات احتياطيات الدولة، فقد يتبين يقينا أهمية الإسراع في عمل هذه المشاريع، والعمل عليها ليل نهار!

* كاتب ومحلل مالي