خبراء: النفط يستمر في الهيمنة على قطاع الطاقة 30 عاما آخر على الأقل

بالتزامن مع مظاهرات أوروبية بسبب المخاوف من الطاقة النووية

TT

توقع خبراء ومديرو شركات كبرى بمجال النفط والغاز أن يستمر البترول مصدرا مهيمنا على قطاع الطاقة خلال الثلاثين عاما المقبلة على الأقل، على الرغم من النقاش الدائر حول الطاقات المتجددة. ويتزامن ذلك مع الجدل الجاري حاليا في أوروبا حول المحطات النووية والاستمرار في استخدامها في توليد الطاقة، واشتد الجدل في المؤسسات التشريعية داخل الدول الأعضاء ومنها بلجيكا وهولندا ودول أخرى ووصلت الأمور إلى التظاهر في الشوارع وكان آخرها ما جرى في عدة مدن أوروبية وخاصة في ألمانيا.

وشارك أكثر من 200 ألف شخص في احتجاجات مناهضة لاستخدام الطاقة النووية في ألمانيا السبت عشية انتخابات بإحدى الولايات تعزز فيها موقف المعارضة بفضل الانتقادات الموجهة للسياسات النووية للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. ووصف المنظمون الاحتجاجات بأنها أكبر مظاهرة تشهدها ألمانيا ضد استخدام الطاقة النووية وتشير تقديرات الشرطة إلى أن 100 ألف شخص تظاهروا في برلين وحدها. وشهدت هامبورغ وميونيخ وكولونيا احتجاجات كبيرة أيضا. وطالب المحتجون بإغلاق جميع محطات الطاقة النووية في ألمانيا وعددها 17 محطة في ضوء مشكلة المحطات النووية في اليابان نتيجة الزلزال وما أعقبه من أمواج مد. وكان أحد الهتافات «فوكشيما (محطة نووية في اليابان) تبعث برسالة تحذير. أغلقوا جميع المحطات النووية».

وبالتزامن مع ذلك قال المدير العام لشركة النفط المكسيكية (بيميكس)، خوان خوسيه سواريز: «سيظل النفط معنا خلال الـ30 أو الـ50 عاما المقبلة». وأعرب المسؤول في الوقت نفسه عن قلقه من وجهة النظر العامة للقطاع عقب كارثة خليج المكسيك البيئية التي نتجت عن انفجار منصة بترولية تابعة لشركة «بي بي» البريطانية في أبريل (نيسان) 2010. وبدت توقعات مدير شركة «صن كور إنيرجي» ريك جورج، أكثر تفاؤلا، حيث قال إن النفط سيظل مصدرا رئيسيا للطاقة خلال القرن المقبل، معربا عن اعتقاده بأن مستويات الطلب ستصل إلى أعلى معدلاتها عام 2020. ووفقا للبنك الأميركي للتنمية، الذي نظم مؤتمرا حول مستقبل النفط وشارك فيه هؤلاء الخبراء، فإن الاستهلاك العالمي للطاقة سيرتفع بنسبة 30 في المائة بحلول عام 2030.

ويرى البنك أنه على الرغم من الجهود العالمية الساعية نحو تعددية مصادر الطاقة، فإن أنواع الوقود الحفري المختلفة ستظل هي الشكل المهيمن على المجال، حيث إنها مسؤولة عن 80 في المائة من الإمدادات الحالية للقطاع.

وفي إطار الجدل حول المحطات النووية في أوروبا، أعلنت عواصم أوروبية أنها لن تتردد في إغلاق أي محطة نووية في حال ثبت وجود أي خلل أو احتمالات تشكيل مخاطر، وذلك خلال الفحوصات والاختبارات المقرر أن تخضع لها المحطات النووية الأوروبية قبل نهاية العام الحالي، وقالت الحكومة البلجيكية في بروكسل إن قرار إغلاق المحطات النووية مهما كان عددها لن يتأخر تحت أي ظروف في حال ثبت وجود قصور أو خلل قد يترتب عليه مخاطر مشابهة لما وقع في كارثة اليابان الأخيرة، وجاء ذلك بعد الاتفاق بين وزراء الطاقة بدول الاتحاد الأوروبي الـ27 على القيام بفحوص شاملة لجميع المحطات النووية للتأكد من سلامة منشآتها وقدرتها على الصمود أمام أي كارثة طبيعية، وتشمل تصميمات المباني وأنظمة الأمن والتبريد بالمفاعلات والخطط المتبعة أثناء الطوارئ وعمليات الإجلاء. وأشار جونتر اوتينجر مفوض الطاقة بالاتحاد الأوروبي، إلى وجود انقسامات بين الدول الأعضاء حول مستقبل الطاقة النووية في أوروبا، إلا أن الجميع اتفق على ضرورة تشديد إجراءات الأمن إلى أقصى درجة داخل المنشآت النووية. وتضم القارة الأوروبية 14 محطة نووية تشمل 143 مفاعلا، وفقا للأرقام الرسمية للمفوضية الأوروبية، وتملك فرنسا أكبر عدد من المفاعلات (58) وتليها بريطانيا (19) وألمانيا (17).

وبعد انتهاء أعمال القمة الأوروبية التي استضافتها بروكسل في النصف الأول من فبراير (شباط) الماضي، قالت المفوضية الأوروبية بصفتها الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي، إنها ترحب بموافقة القمة على 4 التزامات اقترحتها المفوضية في مجال الطاقة، وأعرب رئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو خلال مؤتمر صحافي، عن السعادة لكون كتلة قادة الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وافقت على 4 التزامات طرحها في مجال سياسة الطاقة. وقال «إننا في الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى سوق متكاملة للطاقة بحلول عام 2014 الذي سنتمكن من خلاله من توفير خمسة ملايين فرصة عمل وتعزيز النمو والتقليل من اعتمادنا على الطاقة الذي يكلفنا في الوقت الحاضر 210 مليارات يورو سنويا».

ولفت إلى أن أوروبا بحاجة إلى بذل المزيد في مجال كفاءة الطاقة التي تعتبر الطريقة الأسرع لخفض فواتيرنا وذلك لكي نتمكن من بلوغ أهدافنا المرجوة في عام 2020 والمتعلقة بالطاقة، وخفض فواتير المستهلكين بنسبة ألف يورو لكل أسرة. ففي قطاع الكهرباء تقول المفوضية الأوروبية ببروكسل، إنها تتوقع ارتفاعا في أسعار الطاقة وخاصة في الكهرباء نتيجة خطط لتوسعة شبكة الكهرباء الأوروبية، وجاء ذلك بعد موافقة قادة أوروبا على مهلة محددة لاستكمال سوق أوروبية موحدة في مجال الطاقة، وفي الوقت الذي تركز فيه وسائل إعلام في بروكسل على شكاوى المواطنين من حصول زيادة في فواتير الطاقة تتمثل في زيادة تكلفة استهلاك الغاز والكهرباء. وتوقع جونتر اوتنجر المفوض الأوروبي للطاقة ارتفاع أسعار الكهرباء في أوروبا، جراء الخطط الأوروبية الرامية لتوسعة شبكة الكهرباء الأوروبية ومنشآت تخزين الكهرباء، التي تقدر تكلفتها بنحو مائتي مليار يورو.

وقال اوتنجر في تصريحات لوسائل إعلام أوروبية: «سيبلغ الارتفاع 1 إلى 2 سنت لكل كيلوات/ساعة من أجل تمويل مد خطوط كهرباء جديدة وتمويل أجهزة تخزين الطاقة الكهربائية الفائضة». ومن المتوقع أن تؤدي هذه الزيادة المنتظرة إلى ارتفاع تكاليف الاستهلاك الكهربائي السنوي بواقع 90 يورو لكل أسرة من أربعة أشخاص. وفي نفس الصدد قالت المفوضية الأوروبية إنه للمرة الأولى جرى وضع مهلة واضحة ومحددة لاستكمال سوق طاقة مشتركة بحلول 2014، وأكدت على ضرورة نقل الطاقة بسهولة في جميع أنحاء أوروبا إلى جانب الخدمات، وكل هذه الأمور سوف تساعد على ضمان أمن الإمدادات للطاقة وبأسعار معقولة للمستهلكين والصناعة على حد سواء، وقال بيان للمفوضية «طلب القادة من المفوضية الأوروبية تقديم قائمة بمشاريع تحقق احتياجات البنية التحتية للطاقة، إلى جانب الدعم المالي اللازم لتحقيق تلك المشاريع، على أن تقدم في يونيو (حزيران) القادم»، ويقول رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروسو «نريد تطوير العمل في المستقبل بشأن خمس أولويات تتعلق بإرساء سياسة قوية في مجال الطاقة، وإقامة سوق داخلية في مجال الطاقة ووضع بنية تحتية للطاقة المتجددة في الاتحاد الأوروبي، وإحراز تقدم حاسم في مجال كفاءة الطاقة، إلى جانب إرساء نهج فعال وموحد للطاقة في إطار السياسة الخارجية الأوروبية». وأضاف «أعتقد أن أمن وتنويع إمدادات الطاقة لدينا يمثلان واحدة من الأولويات الاستراتيجية في أوروبا». وفي هذا الصدد قام رئيس المفوضية الأوروبية مانويل باروسو، بزيارة قبل أسابيع شملت كلا من تركمانستان وأذربيجان، ركزت على تحقيق الهدف الأوروبي في تنويع مصادر الحصول على الطاقة، وخاصة فيما يتعلق بالحصول على الغاز وتقليل اعتماد أوروبا على روسيا في هذا الصدد، وهي المورد الرئيسي التقليدي حسب ما ذكرت مصادر داخل المفوضية ببروكسل، التي قالت إن باروسو والوفد المرافق له بعد توقيع اتفاق تاريخي في هذا الملف مع أذربيجان توجه إلى تركمانستان التي تملك أيضا احتياطات كبيرة من الغاز، وهي بلد آخر محتمل لنقل الغاز عبر طريق الجنوب. وشكل ملف الطاقة أحد أبرز الملفات التي تدارس باروسو بشأنها مع المسؤولين في تركمانستان، مع التركيز على تحقيق أفضل أشكال التعاون بين الجانبين في هذا المجال. ووقع الاتحاد الأوروبي اتفاقا مع أذربيجان لتوريد الغاز الأذربيجاني إلى أوروبا. وقال مانويل باروسو رئيس المفوضية الأوروبية في بيان، بعد توقيع الاتفاق مع رئيس أذربيجان الهام علييف، أثناء زيارة لأذربيجان: «هذا اختراق رئيسي». وأضاف قائلا «يؤكد هذا الاتفاق حصول أوروبا على الغاز مباشرة من حوض بحر قزوين». وقالت المفوضية الأوروبية، إن أذربيجان تعهدت بإمداد أوروبا بكميات كافية من الغاز، للتمكين من إنشاء ممر جديد لخطوط أنابيب للإمدادات عبر تركيا يعرف بالممر الجنوبي. وقال باروسو في باكو «إنشاء هذا الممر جزء من اهتمامنا الاستراتيجي المشترك». ومضى قائلا «تريد أذربيجان تنويع صادراتها بقدر ما يريد الاتحاد الأوروبي تنويع وارداته. سيعطي الممر الجنوبي لأذربيجان منفذا فعليا يمكن الاعتماد عليه إلى سوق الطاقة الأوروبية وهي الأكبر في العالم». من جانبه قال مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون الطاقة «في ظل زيادة واردات الغاز في العقود المقبلة فإننا بحاجة إلى دول موردة جديدة من بينها أذربيجان بالطبع، بالإضافة إلى شركائنا الحاليين». ويستند الممر الجنوبي إلى بناء خطوط أنابيب عدة مثل «نابوكو» و«آي تي جي آي» و«وايت ستريم» و«تي إيه بي» بهدف نقل الغاز من بحر قزوين إلى أوروبا، و«تعمل أوروبا على إقامة استثمارات خارجية تضمن لها التزود بكميات كبيرة من الغاز من عدة دول مجاورة وعبر طرق نقل جديدة وفعالة على المدى الطويل، مما سيغنيها تدريجيا عن الاعتماد على الشريك الروسي، بوصفه المصدر الأهم للغاز القادم إلى أوروبا»، حسب مصادر المفوضية الأوروبية. ويأمل الأوروبيون بأن يكون الممر الجنوبي جاهزا بين عامي 2016 و2017، لينقل لهم ما بين 20 و31 مليون متر مكعب من الغاز سنويا، من مصادر متنوعة مثل منطقة بحر قزوين والشرق الأوسط. وتؤمن دول الاتحاد الأوروبي حاليا 40 في المائة من احتياجاتها من الغاز من روسيا، وتعمل حاليا على البحث عن تنويع مصادر التزود بالغاز وخطوط نقله، مما سيجعل اعتمادها على الروس يتراجع في المستقبل.