كارثة الزلزال والتسونامي تفقد اليابانيين شهية الإقبال على السلع الفاخرة

اشتهروا بهوسهم بها.. ويستحوذون على ربع المشتريات العالمية منها

أحد محلات «لويس فويتون» الفاخرة في طوكيو («الشرق الأوسط»)
TT

لدى ماكي كوزاكا، موظفة في طوكيو تبلغ من العمر 23 عاما، 10 حقائب يد «غوتشي» في خزانتها، وذلك نظرا لهوسها، مثل الكثير من اليابانيين، بجمع القطع ذات العلامات التجارية الأكثر فخامة. إن اليابان من كبريات الدول من حيث حجم الاقتصاد في العالم، ويتحقق جزء كبير من مبيعات السلع الفاخرة بفضل اليابانيين. فقد اشترى اليابانيون العام الماضي نحو ربع السلع الفخمة بحسب المصرف الألماني، وهذه هي النسبة الكبرى من بين الدول الأخرى. لكن أولويات الحياة اتخذت منحى مغايرا بعد وقوع الزلزال المدمر وموجات التسونامي والكارثة النووية. وقالت ماكي، وهي تجري مع صديقها في مساء أحد الأيام في الشوارع الخالية في حي غينزا التجاري، حيث أعمدة الإنارة مطفأة لتوفير الكهرباء بعد أسبوعين من الزلزال: «ما حدث غيَّر نظرة الناس». ويؤثر تراجع تفاؤل المستهلك في اليابان بالفعل على الكثير من المجالات، من بينها صناعة السيارات والهواتف المحمولة.لكن ما زالت كل شركة تعمل في صناعة السلع الفاخرة تقريبا مثل «لويس فويتون» و«هيرميس» و«كوتش» و«تيفاني» تعتمد على اليابان للحصول على 13% من إجمالي الأرباح حتى مع افتتاح متاجر في الصين بخطى سريعة. وكانت نسبة مشتريات المستهلكين اليابانيين داخل اليابان وخارجها من السلع الفاخرة 24% عام 2010 بحسب المصرف الألماني مقارنة بـ22% في أوروبا و20% في أميركا الشمالية و19% في الصين و15% في الأسواق الأخرى. وعلى الرغم من أنه ينظر للسلع الفاخرة باعتبارها مؤشرا على الانتماء إلى شريحة عليا في الدول الأخرى، تعتبر في اليابان من مظاهر حياة الطبقة الوسطى. فكثيرا ما لا ينفق أفراد الطبقة الوسطى المال في قضاء الإجازات أو تناول طعام باهظ الثمن حتى يتسنى لهم شراء الملابس أو حقائب اليد الفاخرة. ويقول الخبراء الآن: إن الكارثة التي حلت على اليابان جعلت اليابانيين يفيقون على واقع جديد خالٍ من المادية لتحل محلها الروح الطيبة والتركيز على مساعدة الآخرين والعودة إلى الاكتفاء بالسلع الأساسية.

من المُحال تحديد ما إذا كانت الصدمة الناتجة عن الأحداث الأخيرة ستؤدي إلى توجه اليابانيين نحو الاقتصاد في النفقات لمدة طويلة أم أن هذا التأثير سيكون قصير الأمد مثلما حدث في الولايات المتحدة عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول). ويندفع المحللون نحو خفض سقف التوقعات بشأن نمو وأرباح قطاع السلع الفاخرة نظرا لتوقعهم انخفاض طلب اليابانيين بنسبة 30% خلال العام الحالي وأنه سيظل فاترا خلال الـ5 سنوات المقبلة.

ويعتبر المصرف الألماني من المصارف التي قللت من تفاؤلها إلى حد كبير بسبب التراجع المتوقع في استهلاك اليابانيين. ومن المتوقع حاليا نمو المبيعات في قطاع السلع الفاخرة في أنحاء العالم خلال العام الحالي بمتوسط 2.1% فقط بعد توقع أن يكون 8.9% منذ بضعة أشهر.

يقول بعض المحللين إنه من غير المحتمل أن يكون الوضع في اليابان مفجعا. فبعد أن ضرب زلزال قوته 7.2 ريختر أجزاء من كوبي جنوب اليابان عام 1995 على سبيل المثال، تراجعت مبيعات السلع الفاخرة بمقدار الربع قبل أن تعاود الازدهار مرة أخرى.

يقول لوكا سولكا، كبير محللي السلع الفاخرة بشركة «سانفورد برنستاين أند كومباني»: «يبدو التأثير عاطفيا وقويا عل المدى القصير. لكن كما تعلمنا من كوبي، تعود الأشياء إلى طبيعتها؛ لذا أشك في أن يؤثر ذلك على مبيعات السلع الفاخرة خلال الأعوام المقبلة».

وفيما يبدو مؤشرا على المبالغة في القلق، تم تعويض نصف الخسارة التي تراوحت بين 7 و14% التي شهدتها أسهم شركات السلع الفاخرة الكبرى عقب زلزال 14 مارس (آذار).

لكن نظرا لضخامة الكارثة يمكن أن يظهر التأثير هذه المرة من عدة أوجه وعلى مدار فترة أطول. ومن بين أكثر الشركات المعرضة للتأثر: «هيرميس» و«بلغاري» و«غوتشي» و«ريتشمونت» و«إل في إم إتش مويت هينسي لويس فويتون» التي كانت اليابان تمثل ما بين 9 و19% من مبيعاتها العام الماضي.

يقول إدوارد كراولي، المحلل في شركة «إكسان بي إن بي باريباس»، الذي شارك في إعداد تقرير حديث: «نتوقع تراجع مبيعات السلع الفاخرة في اليابان ومشتريات المستهلكين اليابانيين في مختلف أنحاء العالم. لا يمكن التقليل من قدر النبأ السيئ المقبل من اليابان».

ما زالت محطة فوكوشيما دايتشي النووية تثير الشكوك؛ فقد أدت المخاوف من تسرب إشعاعي إلى مغادرة طوكيو التي تمثل أهم أماكن التسوق والسياح الذين ينفقون بلا حساب، خاصة القادمين من الصين على الرغم من بعدها عن حي غينزا الذي يعتبر مركز أفخم متاجر السلع الفاخرة في العالم. وقد بدأ مسؤولون يوم الجمعة الماضي في حث الناس على مغادرة المنطقة المحيطة بالمحطة النووية، وهو ما يشير إلى احتمال عدم التمكن من السيطرة على المحطة قريبا.

ويقول جي سي أماريت، عامل في مطعم هندي يعج بمتسوقي غينزا: «لقد أصبحت غينزا خالية. لم يعد الناس يأتون إلى هنا. وانخفض عدد الزبائن بمقدار النصف». لم تستبعد ماكي شراء أحد المنتجات التي تحمل علامة «غوتشي» التجارية، لكن الأزمة الحالية جعلتها تهتم بالعلاقات الإنسانية والأشخاص الذين يحتاجون المساعدة. وتوضح: «أريد أن أهب وقتي إلى الذين يعانون آثار الزلزال».

بدأ أصحاب العلامات التجارية «لويس فويتون» و«غوتشي» و«هيرميس» و«تيفاني» والكثير من العلامات التجارية الكبرى في إعادة فتح مئات المتاجر التي أغلقت في طوكيو وفي شمال شرقي اليابان تحت تأثير الخوف من موجات التسونامي والتسرب الإشعاعي. وتستعد بعض العلامات التجارية، مثل «تيفاني»، للاستمرار في إغلاق متاجرها إلى حين تقليص ساعات العمل في ظل قطع التيار الكهربائي أو ما يمكن أن يطرأ من إجراءات.

لن تناقش أي من الشركات توقعاتها أو تعليقاتها بشأن ما إذا كانت الأحداث سوف تغير الاستراتيجية التي يتبعونها في السوق اليابانية ولن يصرحوا سوى بأنهم ينظرون في الوضع.

يقول متحدث باسم «بي بي آر» الشركة المالكة للعلامة التجارية «غوتشي» و«بوتيغا فينيتا» و«إيف سان لوران» فضلا عن علامات تجارية أخرى: «سنظل يقظين ونستمر في مراقبة الوضع الذي يتغير باستمرار».

وقد خفضت علامة «تيفاني» التجارية أول الأسبوع الحالي توقعات الأرباح في بيان الربع الأول وسط توقعات بتراجع المبيعات في اليابان بنسبة 15%. ومع ذلك بمرور الوقت سيتم تعويض هذا التراجع في المبيعات في السوق اليابانية من خلال التوسع في السوق الصينية وأسواق الدول ذات الاقتصاد سريع النمو مثل الهند والبرازيل وروسيا. وقد أصبحت الصين الحصان الرابح الجديد بالنسبة إلى كل علامة تجارية كبيرة وربما تتفوق على اليابان في هذا الشأن؛ حيث من المتوقع أن تتصدر قائمة مستهلكي السلع الفاخرة بحلول عام 2015، لكن قد يؤثر تراجع الطلب في السوق اليابانية على السلع المصنعة في الصين على الاقتصاد الصيني، مما يعكر النظرة المتفائلة قريبة الأجل. وتتجه الكثير من العلامات التجارية للسلع الفاخرة نحو الرهان على افتتاح متاجر في مراكز التسوق في مختلف أنحاء الصين ومن ضمنها المدن من الدرجتين الثانية والثالثة التي يتجه سكانها نحو الانتقال إلى الطبقة الوسطى ويتوقون إلى العلامات التجارية لتكون دليلا يعلن عن ترقيهم في السلم الاجتماعي.

يقول يوفال أتسمون، مسؤول تنفيذي مساعد في شركة «مكينسي أند كومباني» في شنغهاي، وكاتب تقرير حديث عن سوق السلع الفاخرة الصينية: «آمل أن تكون التأثيرات التي تتعرض لها اليابان أقل خطورة مما يخشى الناس. وفي الوقت ذاته على الرغم من الاستهلاك الكبير للسلع الفاخرة في اليابان، يتضاعف الاستهلاك في الصين حاليا، ما من شأنه أن يجعل تقدم الصين مهما للغاية».

* شارك شيكا أوسيما في إعداد هذا الموضوع من طوكيو

*خدمة «نيويورك تايمز»