«المركزي الأميركي» يقرض مؤسسة مصرفية ليبية 35 مليار دولار إبان الأزمة المالية

الحظر الأميركي تجاهلها رغم أنها أقوى مصرف ليبي خارجي

مبني الاحتياط الفيدرالي في واشنطن (نيويورك تايمز)
TT

كشفت وثائق بنك الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) الصادرة أمس، أن المؤسسة العربية المصرفية التي تملك ليبيا حصة رئيسية منها ويوجد مقرها في البحرين، استفادت من 73 قرضا من مصرف الاحتياط الفيدرالي في فترة الـ18 شهرا التي تلت سقوط مصرف «ليمان براذرز»، والتي دخل العالم بعدها في عمق الأزمة المالية العالمية. وأشارت الإحصائيات إلى أن المؤسسة العربية المصرفية اقترضت في تلك الفترة مبالغ قيمتها 35 مليار دولار من بنك الاحتياط الفيدرالي. وجاءت هذه القروض على دفعات، بلغت قيمة أكبرها 1.2 مليار دولار، وحصلت عليه المؤسسة العربية المصرفية في يوليو (تموز) من عام 2009. وفي أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2008، حينما بلغت قروض مصرف الاحتياط الفيدرالي للبنوك التجارية ذروتها عند حاجز 111 مليار دولار، عادت المؤسسة المصرفية لتأخذ قرضا مكررا بقيمة ملياري دولار. وذلك طبقا لقوائم إحصائيات المصارف التي استفادت من تسهيلات مصرف الاحتياط الفيدرالي إبان الأزمة المالية.

ويذكر أن الحظر المالي الأخير الذي طبقته الولايات المتحدة على الموجودات الليبية وتمكنت من خلاله من تجميد نحو 30 مليار دولار من مؤسسات ليبية، لم يطل المؤسسة العربية المصرفية. وتركت مكاتب المصرف في نيويورك تقوم بأعمالها بشكل طبيعي، لكنها حظرت من التعامل مع الحكومة الليبية، وذلك وفقا لنصوص الحظر التي نشرتها وزارة الخزانة الأميركية. ورغم الانتقادات التي وجهت لرئيس مصرف الاحتياط بن بيرنانكي، حول إقراض بنك ليبي، فإن ويليام بول، الرئيس السابق لمصرف الاحتياط الفيدرالي في سانت لويس، أكد أن «القروض قدمت لليبيا في فترة عاد فيها الهدوء إلى العلاقات الأميركية رغم الحذر». ويذكر أن المصرف المركزي الليبي يملك حصة 59% من المؤسسة العربية الليبية. وكانت الحكومة الليبية قد اشترت العام الماضي حصة في البنك كانت تملكها حكومة أبوظبي.

وطبقا لوثائق أصدرها المصرف المركزي يوم الخميس، فقد استفادت الكثير من المؤسسات المالية، ومنها المصارف المحلية والاتحادات الائتمانية والمصارف الأجنبية، من برامج الإقراض الخاصة بمصرف الاحتياطي الفيدرالي التي أنقذت «وول ستريت» من الانهيار في عام 2008. فقد اقترضت المئات من المصارف الصغيرة مبالغ متواضعة تتراوح بين ألف وعدة ملايين دولار عامي 2008 و2009 في إطار برنامج الإقراض في حالات الطوارئ الذي يُعرف باسم نافذة الخصم.

وقد استعان مصرف الاحتياط الفيدرالي حسبما ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز»، بهذا البرنامج في منح عدد كبير من القروض التي كثيرا ما كانت تتعدى مليارات الدولارات، إلى الاتحاد الائتماني الفيدرالي المركزي لمنع انهيار كان ليسبب ضررا هائلا لمئات من الاتحادات الائتمانية الصغيرة. وساعد مصرف الاحتياط الفيدرالي في إنقاذ بعض المصارف الكبرى في أوروبا من خلال ضخ ما تحتاجه من دولارات إلى فروعها في أميركا. وكان مصرف «ديكسيا» الفرنسي - البلجيكي من أكبر المقترضين من برنامج المصرف الاحتياط الفيدرالي، حيث حصل على أكثر من 30 مليار دولار كقروض من البرنامج منذ نهاية عام 2008 إلى بداية عام 2009.

ومحاولات مصرف الاحتياط الفيدرالي لإنقاذ مصارف عملاقة مثل «ميريل لينش» و«سيتي غروب» و«واشنطن ميوتشوال»، من العواقب الوخيمة للإقراض والاستثمارات التي تتضمن مخاطرة، أمر معروف. وقد كشف المصرف المركزي عن معلومات تفصيلية في ديسمبر (كانون الأول) خاصة ببرامج الطوارئ التي كان هدفها ضخ ملايين الدولارات في هذه المصارف.

لكن مصرف الاحتياطي الفيدرالي حاول جاهدا أن يحافظ على سرية المعاملات في ذلك البرنامج الذي يعد من أقدم وأكثر برامج الإقراض شمولا. لكن عملية إصدار البيانات يوم الخميس بشكل أعاق عملية التحليل جاءت عقب صدور سلسلة من الأحكام من محاكم فيدرالية لصالح «بلومبيرغ نيوز» و«فوكس نيوز». وتخلف القائمة الطويلة للمقترضين التي جاءت على شكل سجل ديون يومي انطباعا صادما بأن هناك أزمة يمتد تأثيرها إلى كل ركن من أركان النظام المالي. وقد وصل حجم القروض في نهاية أكتوبر عام 2008 إلى 100 مليار دولار نتيجة الاقتراض اليومي الذي قامت به الكثير من المصارف.

واقترضت بعض المصارف مبالغ ضئيلة كاختبار للبرنامج تحسبا لوقوع الأسوأ. فعلى سبيل المثال اقترض مصرف «فيرست سيتي» في فورت والتون بيتش بولاية فلوريدا ألف دولار فقط في أكتوبر عام 2008، ورد المبلغ في اليوم التالي. ويقول روبرت بينيت، رئيس المصرف «لقد شجعنا المنظمون على القيام بهذا». وكانت مصارف أخرى تحاول جاهدة أن تصمد، فقد اقترض مصرف «باسيفيك ناشيونال» بسان فرانسيسكو 125 مرة خلال الفترة من فبراير (شباط) 2008 إلى فبراير 2009، وأغلق المنظمون المصرف في أكتوبر 2009.

وكان يُنظر إلى الاقتراض في إطار البرنامج، حتى وإن كان على أساس من السرية، كمؤشر على الضعف ينبغي أن يتم تجنبه قدر الإمكان. وكان مصرف الاحتياط الفيدرالي يمنح في الفترة من 2003 إلى 2006 أقل من 50 مليون دولار أسبوعيا.

لكن بحلول صيف 2007 أثار عزوف المصارف المتعثرة عن طلب المساعدة قلق مصرف الاحتياطي الفيدرالي. وفي أغسطس (آب) خفّض المسؤولون تكلفة الاقتراض من البرنامج بمقدار نصف في المائة، ثم أعدوا ترتيبات لمنح كل من مصرف «أميركا» و«سيتي غروب» و«جي بي مورغان تشيس» ومصرف «واكوفيا» 500 مليون دولار وصفت بأنها قروض رمزية.

وتوضح السجلات التي صدرت يوم الخميس الماضي أن مصرفي «جي بي مورغان» و«واكوفيا» قد أعادا الجزء الأكبر من المبلغ في اليوم التالي، بينما احتفظ مصرفا «أميركا» و«سيتي غروب»، اللذان يعانيان من مشكلات حتى الآن، بالأموال لمدة شهر.

ربما أكثر ما يثير العجب في الوثائق التي كشف عنها يوم الخميس الماضي أن المصارف الأجنبية أصبحت أكبر وأكثر المقترضين. وفي 15 سبتمبر (أيلول) عام 2008، وهو اليوم الذي طلب فيه مصرف «ليمان براذرز» إشهار إفلاسه، اقترض مصرف «إرست غروب» النمساوي 4 مليارات دولار. وفي نهاية ذلك الأسبوع اقترضت مصارف من إسبانيا وفرنسا واليابان ملايين الدولارات.

ويوضح تحليل القروض التي تم الحصول عليها في إطار البرنامج خلال الفترة من فبراير 2008 إلى فبراير 2009 منح أكثر القروض إلى مؤسسات أجنبية. وقال دونالد كون، الذي كان يتولى منصب نائب رئيس مصرف الاحتياطي الفيدرالي أثناء الأزمة، إن الكثير من المصارف الأجنبية كانت بحاجة إلى أموال لسداد التزاماتها المالية. وقد أعد مصرف الاحتياط الفيدرالي ترتيبات خاصة بعمليات مقايضة مالية مع المصارف المركزية في بلدان أخرى لتزويدها بالأموال لكنها لم تكن كافية. وأوضح كون الذي يعمل الآن زميلا لمعهد بروكينغز قائلا «إنهم لم يقترضوا أموالا نقدية فقط من المصارف المركزية، لكنهم كانوا بحاجة إلى اقتراض أموال منا أيضا». وكان مصرف «ديكسيا» أحد المصارف التي تقترض كثيرا. وبحلول أكتوبر 2008، كان مندوب فرع المصرف في أميركا يزور البرنامج بانتظام للحصول على مزيد من القروض وصلت إلى عشرات المليارات من الدولارات. واستمر المصرف في الاقتراض من مصرف الاحتياط الفيدرالي خلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2009 أكثر من 100 قرض قصير الأجل. وارتكب مصرف «ديكسيا» الذي تخصص في منح قروض للمجالس المحلية خطأ فادحا بشرائه شركة أميركية كانت تعمل في التأمين على سندات، منها سندات رهن عقاري للمتعثرين. وقد استثمرت حكومة فرنسا وبلجيكا ولوكسمبورغ نحو 9.2 مليار دولار لتحقيق الاستقرار في الشركة عام 2008.

ووصفت أولريك بومي، المتحدثة باسم الشركة، المعلومات التي تم الكشف عنها يوم الخميس الماضي بأنها «نظرة رجعية ومتأخرة». وقالت إن المصرف كان صريحا بشأن حاجته إلى المساعدة. وكان مصرف «ديكسيا» من أكثر المصارف التي تعتمد على المصارف المركزية على حد قول أولريك في إحدى الرسائل الإلكترونية. وأضافت «لقد اضطلع مصرف الاحتياطي الفيدرالي بدوره كمصرف مركزي يوفر أموالا سائلة للمصارف التي كانت تحتاجها».

وكتب السيناتور بيرني ساندرز، عضو مجلس الشيوخ المستقل عن ولاية فيرمونت، في خطاب أرسل يوم الخميس إلى بن بيرنانكي، رئيس مصرف الاحتياطي الفيدرالي ومسؤولين حكوميين آخرين «لا أفهم كيف لم تحصل المشروعات الصغيرة التي كانت تستحق القروض في ولاية فيرمونت وفي مختلف أنحاء البلاد على قروض يسيرة، في الوقت الذي كان يمنح فيه مصرف الاحتياطي الفيدرالي عشرات المليارات من الدولارات».

وتوضح البيانات تفاصيل جديدة خاصة بالصراعات بين المصارف الكبرى. وحصلت مجموعة «غولدمان ساكس» الاستثمارية، التي قالت إنها اقترضت من البرنامج فقط كنوع من الاختبار، خمسة قروض تتراوح قيمتها بين مليون و50 مليون دولار في الفترة بين سبتمبر 2008 ويناير (كانون الثاني) 2010. كذلك حصل مصرف «جي بي مورغان تشيس»، الذي أكد على عدم حاجته إلى مساعدة الحكومة خلال الأزمة، على قروض عدة مرات، كان من بينها قرض بـ3.5 مليار دولار في يناير 2008 في يوم أعلن فيه عن أرباح متدنية. وتوضح السجلات حصول الكثير من المصارف المتعثرة أو تلك التي اضطرت إلى الاندماج مع مصارف أخرى مثل مصرف «واكوفيا» الذي اندمج مع مصرف «ويلس فارغو»، ومصرف «واشنطن ميوتشوال» الذي اندمج مع مصرف «جي بي مورغان تشيس»، على قروض ضخمة مع تزايد وتعقد المشكلات التي تواجهها.

وقد أمد مصرف الاحتياطي الفيدرالي الصحافيين يوم الخميس الماضي بمعلومات في شكل نسخة إلكترونية مكونة من مئات الصفحات ومحملة على أسطوانات مدمجة تم توزيعها عليهم باليد.

وقد أعرب مصرفيون عن قلقهم إزاء إصدار البيانات الخاصة بالبرنامج، وقالوا إن الإعلان عن تلك المعلومات سوف يمنع الاقتراض في المستقبل. وقال جامي ديمون، المسؤول التنفيذي لمصرف «جي بي مورغان تشيس» يوم الأربعاء «أعتقد أن ذلك سيجعل من الأصعب على المؤسسات الاستعانة بذلك البرنامج في المستقبل».