الاقتصاد الأميركي يتفاعل مع تحسن أسواق المال ويستحدث 216 ألف وظيفة في مارس الماضي

الأزمة المالية تسببت بتسريح أكثر من 8 ملايين موظف في أكبر اقتصاد بالعالم

TT

واكب الاقتصاد الأميركي تطلعات أسواق المال لتحسن أوضاع سوق العمل بعد أن أضاف 216 ألف وظيفة خلال شهر مارس (آذار) الماضي.

وأسهمت قطاعات الصحة والتعدين وخدمات الأعمال في إتاحة فرص وظيفية جديدة للقوى العاملة التي ما زالت تنتظر استيعابها في الاقتصاد الأميركي عبر المزيد من تلك الفرص الوظيفية، وسجلت معدلات البطالة انخفاضا إلى 8.8% في مارس الماضي مقارنة مع 9.8% في نوفمبر (تشرين الثاني) 2010، الذي يعتبر تحسنا استمر منذ الربع الأخير من 2010.

وأفادت بيانات صادرة عن وزارة العمل الأميركية بارتفاع طلبات الإعانة للعاطلين عن العمل بنحو 388 ألف طلب إعانة في الأسبوع الماضي، يشكل 40 ألف فرد منهم موظفين سابقين في دوائر حكومية، وبذلك يصل عدد الأشخاص الذين يعتمدون على مبلغ الإعانة الأسبوعي، الذي يقدر بنحو 330 دولارا، إلى 8.2 مليون فرد في الولايات المتحدة من أصل 13.5 مليون فرد عاطل عن العمل، الأمر الذي يعتبر تحديا أمام الاقتصاد الأميركي لاستيعاب 5 ملايين شخص لا يحصلون على إعانات خارج سوق العمل الأميركية.

وتعتبر بيانات سوق العمل الأميركية الأكثر أهمية لدى المراقبين للأوضاع الاقتصادية، حيث يشكل تحسن سوق العمل الأميركية مؤشرا على زيادة الإنفاق الاستهلاكي، الذي يعد ثلثي الإنفاق العام في الاقتصاد الأميركي.

ومنذ تفاقم الأزمة المالية، قرر الاحتياطي الفيدرالي الأميركي ممارسة المزيد من التراخي في السياسة النقدية، في خطوة غير مسبوقة لإنقاذ الاقتصاد الأميركي من الضغوط الانكماشية؛ حيث أطلق سلسلة من برامج التيسير الكمي المخصصة لشراء الأصول المالية لتعزيز الملاءة المالية للمصارف الأميركية التي شهدت اضطرابا في مراكزها المالية بعد تأثرها بالأصول الرديئة المتخمة في أسواق المال التي لم تستطع التخلص منها بعد انخفاض التقييم الائتماني لتلك الأصول من قِبل وكالات التصنيف الائتماني الدولية. كان من المفترض أن يعزز ما قام به الاحتياطي الفيدرالي الأميركي دور المصارف الأميركية في دعم الاقتصاد الأميركي عبر دفع عجلة الإقراض للتحرك مرة أخرى، إلا أن ذلك لم يتحقق بالنحو المطلوب؛ حيث لم تتدفق السيولة الائتمانية في القطاعات الاقتصادية نتيجة تخوف تلك المصارف من قدرة معدلات الإنفاق الاستهلاكي على تحمل المزيد من عمليات الإقراض، مما دفع المصارف الأميركية إلى صب تلك السيولة الائتمانية في أسواق المال.

ومن الملاحظ أن هذه التطورات الأخيرة في أسواق المال أسهمت، على الأقل، في توفير سيولة نقدية لشراء إصدارات جديدة لسندات الشركات الأميركية الكبرى، التي مهدت الطريق لتمويل مشاريع جديدة قد تسهم في استيعاب بعض القوى العاملة في سوق العمل الأميركية، إلا أن البيانات الأخيرة لسوق العمل الأميركية تشير إلى أن ما يجري في الواقع يخالف توقعات الاحتياطي الفيدرالي الأميركي؛ حيث بادرت مجمل الشركات الكبرى إلى تسريح بعض العاملين لديها بشكل سنوي. وحسب مؤشر تشالنغر، فقد تم تسريح أكثر من 130 ألف موظف خلال الربع الأول من 2011 شكلت منها الوظائف الحكومية 42 ألف وظيفة، مما يدل على تأثر سوق العمل الأميركية بقرارات التقشف الحكومية التي تأتي في سياق خفض العجز المالي للموازنة الفيدرالية الأميركية بعد تنامي الدين العام الأميركي لمستويات مثيرة للقلق. ومنذ الأزمة المالية بلغ عدد الموظفين الذين تم تسريحهم 8 ملايين موظف، شكلت الوظائف الحكومية منها 377 ألف وظيفة؛ حيث كان أثر تدهور أسواق المال على القطاعات الاقتصادية الأخرى لافتا أكثر من أثره على القطاع المصرفي الذي لم تتجاوز خسائره 600 ألف وظيفة.

وبرز قطاع البناء الأميركي كأحد أكثر القطاعات تضررا في القطاع الخاص؛ حيث شهد تسريح 4 ملايين وظيفة، مقارنة بتسريح 1.5 مليون وظيفة لقطاع التجزئة، ولم يكن وضع قطاع الصناعة مختلفا عن باقي القطاعات؛ حيث تأثر ذلك القطاع بالأزمة المالية التي عصفت بـ3 ملايين وظيفة في القطاع الصناعي. هذا الانكماش في الفرص الوظيفية لدى الشركات الكبرى لم يكن العامل الوحيد في تدهور حالة سوق العمل الأميركية؛ حيث برزت عقبات تواجهها المؤسسات الصغيرة عند تقديمها لطلبات تمويل مشاريعها التوسعية، ومن أبرز تلك العقبات عدم وجود ضمانات كافية لديها تشجع المصارف الأميركية على تبني تلك المشاريع، خصوصا أن تلك المشاريع تعتبر صغيرة نسبيا ولا تدر عوائد مجزية لجذب المستثمرين إلا إذا كانت معدلات الفائدة على تلك القروض مرتفعة، وهو الأمر الذي ترفضه تلك المؤسسات الصغيرة التي تعتبر المحرك الرئيسي للفرص الوظيفية في الاقتصاد الأميركي.

وشهدت أسواق المال الأميركية ارتفاعا متسارعا منذ مارس 2009؛ حيث استطاعت أسواق المال أن تعوض ما يقارب 80% من الخسائر التي أصابتها منذ الأزمة المالية، إلا أن ذلك تزامن مع تخوفات من تشبع أسواق المال بسيولة ائتمانية قد يتقلص حجمها إذا ظهرت بوادر لتشديد السياسة النقدية الأميركية.

ومن المرجح أن يكون قرار الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في يونيو (حزيران) المقبل العامل الرئيسي لبقاء التدفقات الاستثمارية في أسواق المال؛ حيث قد يتخذ رئيس الاحتياطي الفيدرالي بن برنانكي قرارا بتبني اقتراح بعض أعضاء لجنة الأسواق المفتوحة، الذي يرمي إلى وقف برامج التيسير الكمي تدريجيا.

وشكلت عمليات شراء الأصول المالية من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأميركي هاجسا لدى أعضائه، خصوصا بعد ارتفاع حجم الأصول المالية في مركزه المالي بنحو 3 أضعاف إلى 2.627 تريليون دولار مقارنة بحجم المركز المالي قبل الأزمة المالية، الذي دفع بعض أعضاء لجنة الأسواق المفتوحة في الاحتياطي الفيدرالي إلى مناقشة آلية بدء عمليات بيع تلك الأصول المالية في أسواق المال تدريجيا عندما تستقر الحالة الاقتصادية.

وأعلن الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، منذ الأسبوع الماضي، عن قيامه بتجربة آلية بيع الأصول المالية، بوتيرة بطيئة لاختبار مدى إقبال أسواق المال على تلك الأصول المالية؛ حيث لم تتجاوز تلك العمليات 750 مليون دولار، حسب بيانات مصرف نيويورك الفيدرالي.