المفوض الأوروبي: طلب البرتغال الحصول على مساعدة مالية خطوة جيدة لاستقرار منطقة اليورو

اقتصاديون يستبعدون سقوط الثور الإسباني في حلبة الديون

وزيرة المالية الفرنسية كريستين لاغارد تتحدث مع نظيرها البرتغالي أمس (أ.ف.ب)
TT

استبعد اقتصاديون في لندن أن تمتد أزمة الديون لتشمل دولا أخرى في الاتحاد الأوروبي، خاصة إسبانيا، بعد سقوط البرتغال أمام هجمة المضاربين. ويأتي استبعاد إسبانيا من السقوط وطلب الإنقاذ رغم أنها تواجه ظروفا اقتصادية ضاغطة، حيث يبلغ عجز الميزانية في إسبانيا 8.5% من إجمالي الناتج المحلي وتبلغ ديونها القومية 75% من إجمالي الناتج المحلي، ويصل معدل البطالة 20.3%، وهو الأعلى في أوروبا. ولكن رغم ذلك فإن هنالك اتفاقا بين خبراء المصارف والاقتصاد أن الثور الإسباني لن يسقط تحت سيوف المضاربين. ويقول إريك نيلسون كبير الاقتصاديين في مصرف غولدمان ساكس في تعليقات بهذا الصدد نشرتها صحيفة «الديلي تلغراف»: «نعتقد أن عدوى الديون ستتوقف عند البرتغال». ويلاحظ أن إجمالي أعباء الديون البرتغالية وصل إلى 92.6% من إجمالي الناتج المحلى مقارنة بإسبانيا التي تبلغ فيها أعباء الديون 60% من الناتج المحلي. ولكن رغم ذلك فإن حكومة مدريد على معرفة تامة بشراسة السوق والمضاربين وبالتالي فقد استعدت لذلك مقارنة بالبرتغال. ولكن رغم ذلك لم يستبعد محللون في سوق تبادل أوراق الائتمان والعقود المستقبلية أن تفشل إسبانيا في الإيفاء ببعض استحقاقات الدائنين خلال الفترة المقبلة، ولكن ذلك لن يقودها إلى طلب المساعدة المالية مثلما فعلت البرتغال. ونسبت وكالة الأنباء الألمانية إلى مدير صندوق الإنقاذ الأساسي للاتحاد الأوروبي أمس الجمعة أن الآراء السائدة في الأسواق لا تعتقد أن أزمة الديون السيادية التي أجبرت البرتغال على طلب قرض إنقاذ دولي سوف تصل إلى إسبانيا. وفي ظل طلب البرتغال المساعدة يوم الخميس، تزايدت التكهنات بأن إسبانيا الدولة المجاورة الأكبر التي لها روابط اقتصادية قوية بالبرتغال، وتكافح أيضا لتقليص عجز موازنتها وتنشيط قطاعها المصرفي، يمكن أن تلقى المصير نفسه.

لكن كلاوس ريجلينج المدير التنفيذي لتسهيل الاستقرار المالي الأوروبي قال إن «خطر العدوى أقل كثيرا عما كان عليه قبل ستة أو تسعة أشهر». وجاء ذلك خلال حديثه في مدينة جودولو بالمجر على هامش اجتماع وزراء مالية منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي حيث تم بحث طلب الإنقاذ الذي تقدمت به البرتغال. ومع تذبذب عوائد السندات الحكومية للبرتغال لأجل عشر سنوات فوق مستوى 8.6% أمس، قال ريجلينج إن الأسواق «تجاوبت بشكل طيب جدا» لقرارها بطلب المساعدة.

وقال إن «وجهة النظر السائدة في السوق هي أن هذه الخطوة حماية للاقتصادات الثلاثة الأضعف في منطقة اليورو للمساعدة في تجنب عدوى أوسع، وذلك في إشارة إلى البرتغال واليونان وأيرلندا حيث حصلت الأخيرتان على حزمة إنقاذ. وأوضح ريجلينج أنه في الوقت الذي «لم تتأثر سوق الدين الإسباني، فإن انتشار المخاطر بشأن السندات الحكومية الإسبانية لم ينتقل في الأيام القليلة الماضية». كان المفوض الأوروبي للشؤون النقدية أولي رين أعرب عن ثقته في وقت سابق من اليوم بأن إسبانيا لن تكون في حاجة إلى مساعدة مالية من الخارج وهو ما تقوله وزيرة المالية الإسبانية إيلينا سالغادو.

وقالت إنها ترى «بالطبع» أن البرتغال ستكون آخر دولة بمنطقة اليورو التي تحتاج إلى قروض إنقاذ دولية، وقللت من درجة انكشاف إسبانيا المالي على جارتها. وقالت: «إن لدينا استثمارات في البرتغال، لكن انكشافنا على الدين العام متدن جدا، فبنوكنا ليس لديها أكثر من 6 مليارات يورو في شكل ديون عامة برتغالية».

وقدرت مصادر برتغالية أمس حجم المساعدة المطلوبة لإخراج البرتغال من ورطة الديون بـ129 مليار دولار. وقالت المفوضية الأوروبية ببروكسل أمس، إنها تسلمت رسميا طلبا من البرتغال، لتفعيل آلية الإنقاذ المالي للدول المتعثرة، وقال الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي إنه يتوقع ترحيبا من الدول الأعضاء بالطلب البرتغالي، وقال المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية والنقدية أولي رين، في تصريحات لدى وصوله لاجتماع بين وزراء اقتصاد ومالية دول منطقة اليورو، إن المفوضية الأوروبية تلقت طلب البرتغال واعتبرته «قرارا مسؤولا». وأضاف أنه سوف يتم تقييم الطلب مع الدول الأعضاء، مشيرا إلى اعتقاده بأن وزراء المالية سيرحبون بالطلب الرسمي وسيقومون بتفويض المفوضية الأوروبية لبدء مفاوضات حول برنامج مع البرتغال بشكل عاجل. ومع ذلك اعترف المفوض الأوروبي أنه «من السابق للأوان» الحديث عن المدة التي ستستغرقها المفاوضات. وأوضح رين في هذا الصدد ضرورة تحديد احتياجات التمويل أولا واستدامة الدين البرتغالي، مضيفا أن الوزراء سيقومون بتحديد سعر فوائد القروض للبرتغال «في الوقت المناسب». وأشار إلى أن مساعدة الاتحاد الأوروبي للبرتغال تأتي بعد «الدروس المستفادة» خلال عمليات إنقاذ اليونان وأيرلندا على مدار العام الماضي، ولكنه لم يبرز القيمة التي يمكن أن تصل لها المساعدات. وشدد رين على أن قرار الحكومة البرتغالية بطلب المساعدة المالية الخارجية «يعتبر على أي حال خطوة جيدة لاستقرار منطقة اليورو وللبرتغال».

ومن جانبه، قال وزير المالية البلجيكي، ديدييه ريندر، ردا على سؤاله عن رأيه حول قيمة المساعدات، إنها سوف تتراوح بين 80 مليارا و85 مليار يورو، حيث يعتبر أن هذا المبلغ يندرج ضمن «المستويات المعقولة». وكان رئيس مجموعة اليورو، جان كلود يونكر، قد صرح في 24 مارس (آذار) الماضي، بعد رفض البرلمان البرتغالي آخر خطة تقشف للحكومة، بأن قيمة المساعدات للبرتغال قد تصل لنحو 75 مليار يورو، على الرغم من أن محليين آخرين يرفعونها إلى 90 مليار يورو. وقال المجلس الوزاري ببروكسل إن اجتماعات لمجلس الايكوفين الذي يضم وزراء الاقتصاد والمال الأوروبيين، سوف تستضيفها الرئاسة المجرية الحالية للاتحاد الأوروبي وتنتهي السبت، وتنعقد الاجتماعات بشكل غير رسمي. وحسب مصادر المجلس يبحث الوزراء في تنفيذ ما صدر عن القمة الأوروبية الأخيرة التي انعقدت ببروكسل ومتابعة المناقشات بشأن الملفات التي جرى تأجيل اتخاذ قرارات نهائية بشأنها خلال القمة، إلى جانب معاينة التطورات الأخيرة في التكتل الموحد وخاصة في منطقة اليورو على الصعيدين الاقتصادي والمالي خاصة أن الإعلان عن نتائج اختبارات التحمل للبنوك الأوروبية ستعلن قريبا. ويذكر أنه بالإضافة إلى إقرار تعديل معاهدة لشبونة، وإحالتها إلى البرلمانات المحلية لتدخل حيز التنفيذ بداية 2013، اتفق زعماء أوروبا على زيادة أموال صندوق الإنقاذ المالي إلى الحد الأقصى البالغ 440 مليار يورو بحلول يونيو (حزيران) لكنهم تجنبوا مناقشة الوضع في البرتغال التي تتعرض لضغوط لطلب خطة إنقاذ في أعقاب استقالة رئيس وزرائها. وانتهى الزعماء الذين أمضوا أسابيع يقولون إنهم سيتفقون على «حزمة إجراءات شاملة» لمعالجة أزمة ديون منطقة اليورو بحلول نهاية مارس، إلى تأجيل القرار النهائي بشأن تعزيز شبكة الأمان حتى منتصف العام، وأشيد بهذا الاتفاق في القمة التي استمرت يومين في بروكسل باعتباره من إنجازات هيرمان فان رومبوي رئيس المجلس الأوروبي. وقال رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروسو في مؤتمر صحافي بعد الاجتماع: «اعتمدنا اليوم نتائج مهمة جدا بشأن الإدارة الاقتصادية وأعتقد أن هذا ربما يشكل تغييرا كبيرا». وأضاف: «لقد عزز اتحادنا النقدي باتحاد اقتصادي وأعتقد أننا يمكننا القول إن الوحدة الاقتصادية والنقدية ستتعافى في نهاية الأمر». وهيمنت على القمة المخاوف بشأن البرتغال التي استقال رئيس وزرائها بعد أن رفض البرلمان إجراءات تقشف جديدة تهدف إلى تجنيب البلاد طلب المساعدة المالية. لكن الزعماء الأوروبيين تجنبوا مناقشة الأمر بشكل صريح. ومد القادة الأوروبيون أيضا الجدول الزمني لدفع مساهمات صندوق إنقاذ دائم سيتم إنشاؤه في منتصف 2013 وأمهلوا دولهم خمس سنوات لتوفير 80 مليار يورو بدلا من دفع المبلغ في فترة زمنية أقصر على دفعات كبيرة. وكان هذا تنازلا لصالح المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي رفضت خطة التمويل السابقة لما يعرف بآلية الاستقرار الأوروبية لأنها لا تترك لها مجالا كبيرا لخفض الضرائب قبل الانتخابات الاتحادية المقبلة في 2013. ورغم اتفاقهم من حيث المبدأ في وقت سابق من الشهر الحالي على زيادة حجم صندوق الاستقرار المالي الأوروبي وهو شبكة الأمان المؤقتة إلى 440 مليار يورو من نحو 250 مليارا لكنهم اضطروا إلى إرجاء القرار النهائي حتى منتصف العام بسبب انتخابات وشيكة في فنلندا. وأرجئ كذلك أي اتفاق بشأن إعفاء أيرلندا من بعض ديونها انتظارا لصدور نتائج اختبارات تحمل البنوك في غضون أيام قلية وقبل منتصف أبريل (نيسان)، والتي قد تظهر زيادة كبيرة في خسائر البنوك الأيرلندية المتعثرة.