أميركا تطلب من بنك «إتش إس بي سي» الكشف عن أسماء أثرياء من أصول هندية متهمين بالتهرب الضريبي

«ميريل لينش» قدرت وجود 200 ألف مليونير أميركي من أصول هندية

TT

سويسرا، البحر الكاريبي أم الهند؟ كلها مقار «أوفشور» يستخدمها الأثرياء لإخفاء حساباتهم من الضرائب. لقد كسب عالم مرافئ التهرب الضريبي الخارجية منافسا جديدا مفاجئا، أول من أمس (الخميس)، عندما طلبت وزارة العدل من محكمة فيدرالية أميركية الحصول على إذن من أجل إجبار مصرف «إتش إس بي سي»، البنك الذي يتخذ من مدينة لندن مقرا له، للكشف عن أسماء عملاء أميركيين من أصول هندية أثرياء متهمين بالتهرب الضريبي عبر فتح حسابات خارجية في فرع تابع للبنك بالهند. ويعتبر الطلب، المقدم من قسم الضرائب المدنية بوزارة العدل، جزءا من تحقيق موسع في الخدمات الخارجية الخاصة التي تقدم بواسطة البنوك السويسرية والمصارف التي تعمل على النمط السويسري، والتي ساعدت أميركيين أثرياء على التهرب من دفع ضرائب الدخل عبر إخفاء الأموال في الخارج.

وتعد هذه القضية مؤشرا على أن السلطات الفيدرالية توسع من فحصها الدقيق لكي تشمل دولا ومناطق أبعد من مرافئ التهرب الضريبي مثل سويسرا وليخشنشتاين وسنغافورة وقدر كبير من دول البحر الكاريبي. ولا ينظر إلى الهند عادة على أنها تدخل ضمن هذه الفئة، ولا تبدو على القوائم التي تصنفها مجموعات بحثية ووكالات حكومية.

وقال لورانس هورن، رئيس أقسام الجرائم التجارية والمرافعات الضريبية بشركة «سيلس كوميز & غروس»، التي تتخذ من مدينة نيووارك القريبة من نيويورك مقرا لها: «تظهر القضية أن التهرب الضريبي لا يتركز في سويسرا. كما تظهر أن مكتب ضريبة الدخل الأميركية يتحرك نحو الشرق».

وكانت السلطات الفيدرالية قد قدمت طلبا مشابها لبنك «يو بي إس»، المصرفي السويسري العملاق في عام 2008. وأسقطت الحكومة الدعوى القضائية خلال شهر أغسطس (آب) الماضي بعدما وافقت الحكومة السويسرية على الكشف عن أسماء 4450 عميلا أميركيا ضمن تحقيق واسع للنظر في الخدمات المصرفية الخاصة الخارجية للبنك. ودفع البنك أيضا مبلغ 780 مليون دولار أميركي من أجل تسوية التهم الجنائية بأنه كان قد احتال على مكتب ضريبة الدخل الأميركية عبر السماح لأميركيين أثرياء بإخفاء مليارات الدولارات من الضرائب في حسابات مصرفية خارجية سرية.

وتهدد الضغوط التي تمارس على بنك «إتش إس بي سي» أحد أكبر البنوك في العالم بالكشف عن المزيد من دهاليز السرية المصرفية على النمط السويسري، وهو تقليد كان قد بدأ في العصور الوسطى وانتشر حول العالم. وقال هورن إن وزارة العدل الأميركية كانت قد أرسلت خلال شهر يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول) الماضيين خطابات «مستهدفة» إلى نحو 50 أميركيا من أصول هندية يمتلكون حسابات مصرفية في الخارج، تخبرهم بأنهم كانوا قيد الفحص والتدقيق بسبب شكوك حول تهربهم الضريبي في الخارج عبر فتح حسابات في الهند. كما خضع مصرف «كريدي سوسيه» وبنك «سويس كانتونال» للمراقبة والتدقيق أيضا. وقال روبرت كاتزبيرغ، وهو محامي دفاع جنائي بمدينة نيويورك، إن الضغط المفروض على بنك «إتش إس بي سي» أظهر أن تداعيات فضيحة مصرف «يو بي إس»، والتي سوف تستمر لفترة طويلة داخل سويسرا قد انتشرت إلى دول أخرى.

ويسعى الطلب الذي قدم في أوراق المحكمة ورفع إلى المحكمة الفيدرالية بمدينة سان فرانسيسكو إلى إجبار الفرع الرئيسي التابع لمصرف «إتش إس بي سي» في الولايات المتحدة، وهو مصرف «إتش إس بي سي» بالولايات المتحدة على الكشف عن تفاصيل حسابات يحتفظ بها أميركيون أثرياء خلال الفترة من عام 2001 إلى عام 2010 من خلال الفرع التابع للبنك في الهند، وهو بنك «إتش إس بي سي إنديا». ويتطلب الأمر الحصول على موافقة من أحد القضاة الفيدراليين قبل أن يتمكن مكتب ضريبة الدخل الأميركية من إصدار مذكرات استدعاء. وشغل مصرف «إتش إس بي سي» بالولايات المتحدة مكاتب تمثيلية لفرع البنك في الهند تحت اسم خدمات الهنود غير المقيمين في مدن نيويورك وفيرمونت بولاية كاليفورنيا، بحسب وثائق المحكمة. وعرضت الخدمات المصرفية الخاصة الخارجية على أشخاص من أصول هندية يعيشون خارج الهند.

وفي بيان صحافي، ذكر مصرف «إتش إس بي سي» أنه «على الرغم من أننا لم نر مذكرات الاستدعاء، فإن مصرف (إتش إس بي سي) لن يتغاضى عن التهرب الضريبي ويدعم تماما الجهود الأميركية الرامية لتعزيز الدفع المناسب للضرائب من قبل دافعي الضرائب الأميركيين. وبينما يلتزم البنك بالقانون في كل الدول التي يعمل بها، ومن بينها الهند، فإن المصرف يتعاون مع الطلبات التي يتلقاها من السلطات الأميركية».

وأضاف البيان: «لقد شاركنا في حوار بناء مع السلطات الأميركية. ونحن نأمل في أن يتم حل أي إصدار لمذكرات الاستدعاء من قبل مكتب ضريبة الدخل الأميركية على وجه السرعة». وقد امتنعت خوانيتا غوتيريز، المتحدثة باسم البنك عن التعليق بشكل إضافي. ويعتبر بنك «إتش إس بي سي» واحدا من أكبر المصارف لعملاء من الهند والصين وهونغ كونغ وسنغافورة وفي أماكن أخرى بالشرق، وفقا لمحامين كبار في مجال القضايا الضريبية. وكان البنك قد أعلن في خبر صحافي عام 2007 بأن فتح مكتب خدمات الهنود غير المقيمين في مدينة فيرمونت بولاية كاليفورنيا قد خدم أكثر من 160000 هنديا غير مقيم في شتى أنحاء العالم.

وعبر الخبر الصحافي عن «حل مصرفي آخر» للهنود غير المقيمين «يسمح لمجموعة الهنود غير المقيمين» بعقد صفقات مصرفية واسعة متقاطعة. وفي عام 2003، وبعد فقاعة التكنولوجيا، قدرت مؤسسة «ميريل لينش» أن هناك 200.000 مليونير من أصول هندية في الولايات المتحدة بمفردها، وهذا جزء من فقط توسع الثروة الذي حدث بين الهنود خلال السنوات الأخيرة.

وفي شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، أدان مدعون فيدراليون فيابهاف داهاكي، العميل السابق لبنك «إتش إس بي سي» والذي ولد في الهند وأصبح مواطنا أميركيا مجنسا في عام 2006. ووفقا لسجلات وأوراق المحكمة، أخبر داهاكي المدعين القضائيين بأن مصرف «إتش إس بي سي» كان قد سعى لتعقب الأميركيين الأثرياء من أصول هندية لمراقبة الخدمات المصرفية الخارجية غير المعلنة عبر مكتب خدمات الهنود غير المقيمين. ولم يتم تحديد اسم البنك في الأوراق، ولكن تم التأكيد على أن البنك كان هو مصرف «إتش إس بي سي» من قبل أفراد مطلعين على هذه المسألة.

وبحسب مذكرة إدانته، كان داهاكي قد أخبر مدعين قضائيين بأن مصرفه كان قد أخبره بعدم الحاجة إلى أي استمارات للكشف في الولايات المتحدة، وأن الحساب لم يكن خاضعا للضريبة في الهند، وأنه لم يتم تقديم أي استمارات تبلغ عن إيرادات الفوائد من قبل مكتب ضريبة الدخل الأميركية.

وتجدر الإشارة إلى أن امتلاك حساب أجنبي أو خارجي أمر قانوني مشروع، ولكن المواطنين الأميركيين والمقيمين لا بد أن يرسلوا بيانات سنوية للكشف عن هذه الحسابات لمكتب ضريبة الدخل الأميركية بالنسبة للحسابات التي تزيد عن 10.000 دولار أميركي.

* خدمة «نيويورك تايمز»