إجراءات التقاضي.. ضيعت الحقوق!

سعود الأحمد

TT

كنت قد كتبت مقالا بعنوان «مجانية التقاضي ضيعت الحقوق»، ومن بين ما وردني من التعليقات أن هذه المشكلة تكاد تكون في معظم الدول الخليجية، بل والدول العربية بصفة عامة. والواقع أن أنظمة وإجراءات التقاضي هي النقطة الأضعف التي يستغلها أطراف الخصومة.. وأقصد منهم المماطلين ومحترفي التهرب من دفع الالتزامات ومواجهة الخصومات.

ومن ذلك أن الدعوى لا تنعقد إلا بثبوت تبليغ المدعى عليه، وأخذ ما لديه من دفاع!.. وفي الوقت ذاته فإن إجراءات تبليغ واستدعاء وإحضار الخصوم ليست محكومة بخطوات تضمن تجاوب أطراف الدعوى، وتعاقب المماطلين، مع أن القاعدة الشرعية تقول إن «مطل الغني ظلم». وهذه ثغرة تستغل أيما استغلال.

وفي ظل غياب العقوبات الرادعة في إجراءات تبليغ وإحضار الخصوم، فإن هذا يتسبب في تأخر أداء بعض الالتزامات المالية والمعنوية وضياع بعضها الآخر، آخذين في الاعتبار طبيعة المجتمعات بالدول النامية، والصعوبات التي يواجهها أصحاب الحقوق وممثلوهم في مجال تبليغ الخصوم ومعرفة مواقع إقامتهم ومقار عملهم ومتابعة تغيير مقارهم، حتى أصبح البعض يفضل ترك حقوقه والتخلي عن متابعة قضاياه!.. إلى درجة أن المدعى عليه (أو المتهم) أصبح في موقف أقوى من صاحب الحق! ولمعالجة هذا الأمر هناك معالجات يرى فيها البعض أنها فاعلة ورادعة للمتهربين من مواجهة خصومهم.. لكنها في الحقيقة غير واقعية.. ومن ذلك تبليغ المدعى عليه عن طريق الإعلان في الصحف، ومعاقبة المتهربين والمماطلين وذلك بقطع الخدمات العامة عن منازلهم!.. وعدم واقعيتها يأتي من كون الاستدعاء من خلال وسائل الإعلام فيه تشهير يطال بقية أفراد الأسرة ممن ليس لهم ذنب ولا حول ولا قوة. كما أن اقتراح قطع الخدمات ليس مبررا لأن المماطل يسكن في بيت بقية سكانه ليس لهم ذنب في تهرب هذا الشخص بما يبرر حرمانهم من الخدمات العامة.. وسكان المنزل فيهم النساء والطفل والرضيع والمريض.. ولذلك فإن هذه الإجراءات لم (ولا يُنتظر لها أن) تُفعل.

والحل من وجهة نظري هو المعمول به في الدول المتقدمة.. وذلك بتفعيل دور شركات تحصيل ومتابعة الديون، وتشجيعها ودعمها. فالذي يحصل في الدول المتقدمة أن صاحب الدعوى يتقدم لشركة أو مكتب تحصيل الديون.. ويُقدم ما لديه من مستندات ثبوتية. إن كانت كمبيالات أو شيكات أو وثائق ومؤيدات أخرى تؤيد دعواه. وما عليه إلا أن يعطي وكالة للتقاضي والتحصيل نيابة عنه، بحيث تقوم شركة أو مكتب التحصيل برفع دعوى ضد المدعى عليه وتتابعه منذ المرحلة الأولية.. بالاتصال المباشر للمطالبة بالدفع، إلى الرفع للمحاكم والتقاضي، وحتى يتم دفع ما عليه. والجميل في الأمر أن تكاليف عملية التحصيل تحسب بالوقت لتضاف تكاليفها لمبلغ الدعوى ويتحمله الطرف المماطل. لذلك تجد المدعى عليه يحاول جاهدا تقصير إجراءات التقاضي، لأنه يدرك أنه كلما طالت الإجراءات فإنه سيتحمل تكاليف أكبر!. بعكس ما هو معمول به في الدول النامية، فإن الوقت والجهد ليست لهما قيمة!. وهذا (المقترح) لو طُبق فإنه سيخفف عن المحاكم ما تعانيه من طول النظر في قضايا واضحة وحقوق مستحقة كان يجب ألا ترفع لدى المحاكم.. ومع هذا تتداول لدى القضاة وفي مكاتب الحقوق والجهات التنفيذية الأخرى!.

* كاتب ومحلل مالي