هل مجموعة الـ 20 قادرة على معالجة الاختلالات المالية بين أعضائها؟

تشمل اقتصاديات الدول الصناعية والناشئة

TT

من المنتظر أن يجتمع وزراء المالية لدى الدول الأعضاء في مجموعة العشرين مساء اليوم لرسم ملامح استراتيجية التنمية الاقتصادية العالمية ومعالجة حالة الاختلالات المالية بين اقتصاديات الدول الصناعية واقتصاديات الدول الناشئة. وستدفع الدول الصناعية في اجتماع اليوم بمطالبها المتكررة لتعزيز معدلات الإنفاق الاستهلاكي في الدول الناشئة لتعويض تدهور الإنفاق الاستهلاكي في الدول الصناعية بعد الأزمة المالية، في حين يعد الإنفاق الاستهلاكي في الدول الصناعية المحفز الأكبر لصادرات الدول الناشئة والتي شكلت تراكما لفائض الميزان التجاري في الدول الناشئة خلال السنوات العشر الأخيرة.

وتأتي مطالب الدول الصناعية للحيلولة دون تأثر قطاع الخدمات وقطاع الإنتاج الصناعي من انخفاض الطلب في الدول الصناعية بعد أن أثقلت القروض الاستهلاكية كاهل الأفراد في الدول الصناعية والذي جدد المخاوف من قدرة المصارف في الدول الصناعية على المساهمة في عودة حيوية الاقتصاد العالمي.

مطالب الدول الصناعية قد تتم ترجمتها على أرض الواقع بعد أن برزت بوادر لتبني السياسة النقدية الصينية لخيار ارتفاع تدريجي لسعر صرف اليوان مقابل الدولار الأميركي، بينما أن أهم تلك البوادر التي قد تدفع الحكومة الصينية لتبني خيار رفع سعر صرف اليوان هو ارتفاع معدلات التضخم في الاقتصاد الصيني إلى 5.4 في المائة - وهي مستويات لم يشهدها الاقتصاد الصيني منذ سبتمبر (أيلول) 2008.

وفي المقابل، ستتفاوض الدول الناشئة وفي مقدمتها الصين على المعايير التي سيتم إرساؤها للكشف عن حالة الاختلالات المالية، كما تتضمن تلك المعايير طريقة قياس الإفراط في التدفقات المالية على الأصول المالية لتفادي تكرار الأزمة المالية بالإضافة إلى آلية قياس أثر العجز في الميزان التجاري على الدول الأعضاء في مجموعة العشرين وإمكانية مبادرة الدول الناشئة في تخفيف حدة العجز التجاري لدى الدول الصناعية.

وتتضمن تلك المعايير أيضا تبني سياسات لخفض الدين العام لدى الدول الصناعية وطرح موازنات عامة للحكومات في الدول الأعضاء في مجموعة العشرين تستهدف خفض العجز في تلك الموازنات الحكومية.

ويأتي ذلك في الوقت الذي شهدت فيه ردود الأفعال من قبل الحكومة الصينية تحسنا تدريجيا في جانب رفع سعر صرف اليوان، إلا أن الحكومة الصينية طالبت الولايات المتحدة بتخفيف القيود على صادرات التقنية الأميركية المتقدمة كمبادرة منها للدلالة على مشاركة الطرفين في حل عقبات الاختلالات المالية في التبادل التجاري. وصرح رئيس وزراء الصين بأن حكومته ستتبنى كل الخيارات المتاحة بما فيها سعر صرف اليوان للحيلولة دون تفاقم الضغوط التضخمية حسب ما نقلته وكالة أنباء «شينخوا» الصينية.

وقال نائب وزير التجارة الصيني في تصريح له الأسبوع الماضي مع صحيفة «تشاينا ديلي» إن الحكومة ستعمل على تيسير إجراءات الاستيراد في خطوة تتماشى مع خفض سابق للتعريفة الجمركية مما يشير إلى تدفق الواردات إلى الصين بشكل مطرد في المستقبل.

وتعد هذه التصريحات من قبل الحكومة الصينية الأولى من نوعها فيما يتعلق باستخدام سعر صرف اليوان لكبح التضخم.

وتتوقع أسواق المال أن يشهد سعر صرف اليوان مقابل الدولار الأميركي ارتفاعا ملموسا خلال هذا العام مما يعزز من نمو الطلب المحلي في الصين لوارداتها من الدول الصناعية والذي يعتبر تطورا إيجابيا في ملف معالجة الاختلالات المالية في الاقتصاد العالمي.

وسجل سعر صرف اليوان ارتفاعا مقابل الدولار الأميركي لم يشهده منذ 17 عاما عند مستويات 6.53 لكل دولار أميركي.

وكان سعر صرف اليوان مقابل الدولار الأميركي عند 1.71 في عام 1981 ثم بدأ تدريجيا في الانخفاض إلى أن وصل إلى 8.32 يوان لكل دولار في عام 1997 مما عزز من قدرة الاقتصاد الصيني على دفع عجلة الصادرات بنحو متسارع.

ومنذ العام 1997 شهد سعر صرف اليوان ارتفاعا مقابل الدولار الأميركي في محاولة من قبل الدول الصناعية لكبح جماح الفائض في الميزان التجاري الصيني إلا أن تلك الجهود لم تحقق نجاحا ملموسا سوى في الخمس سنوات الأخيرة حيث ارتفع سعر صرف اليوان إلى 6.9 في عام 2008 وبقي عند تلك المستويات إلى بداية عام 2010 والذي بدأت عندها الحكومة الصينية في دفع سعر الصرف تدريجيا إلى الارتفاع مقابل الدولار الأميركي إلى أن وصل إلى مستوياته الحالية عند 6.53 يوان لكل دولار أميركي.

وشهد فائض الميزان التجاري في الصين انخفاضا ملحوظا من مستوياته في عام 2008 عند 295 مليار دولار إلى مستوى 183 مليار دولار في 2010 والذي قد يدفع البيانات الأخيرة للميزان التجاري إلى توقع استمرار انكماش الفائض في الميزان التجاري إلى مستويات أقل خلال هذا العام. وترتكز توقعات استمرار انكماش الفائض في الميزان التجاري على ارتفاع كلفة العمالة والمواد الخام مما يزيد من كلفة أسعار المنتجات الصينية في الأسواق العالمية، بالإضافة إلى دور محوري لارتفاع سعر صرف اليوان والذي ألقى بظلاله على قدرة الاقتصاد الصيني في الحفاظ على مستوياته التاريخية للفائض التجاري.

وشكل الفائض في الميزان التجاري للاقتصاد الصيني دعما لاحتياطيات النقد الأجنبي للحكومة الصينية والتي تعتبر الأضخم عالميا حيث وصلت مستويات تلك الاحتياطيات إلى 3 تريليونات دولار حسب بيانات صادرة من مصرف الصين المركزي يوم أمس.

ومنذ تفاقم الأزمة المالية اندفعت الولايات المتحدة عبر وزير الخزينة الأميركي إلى انتقاد السياسة الاقتصادية التي تنتهجها الحكومة الصينية والتي أثرت على قدرة صادرات اقتصاديات الدول الصناعية من منافسة الصادرات الصينية.

وفي تطور ملحوظ، سجل الميزان التجاري للاقتصاد الصيني عجزا بنحو 1.02 مليار دولار أميركي بعد ارتفاع أسعار واردات الصين من السلع والمواد الخام خلال الربع الأول من هذا العام حسب بيانات صادرة من إدارة الجمارك الصينية يوم أمس.

ويمثل هذا العجز في الميزان التجاري للاقتصاد الصيني تطورا ملحوظا في ملف سعر صرف اليوان مقابل الدولار الأميركي والذي سيكون إحدى أهم القضايا التي ستتم مناقشتها في اجتماع وزراء المالية لدول مجموعة العشرين مساء اليوم في العاصمة الأميركية واشنطن.

ومن المحتمل أن يشكل استمرار العجز في الميزان التجاري للاقتصاد الصيني خلال هذا العام تبريرا مناسبا لتخفيف حدة مطالبات رفع سعر صرف اليوان من قبل الدول الصناعية تجاه الحكومة الصينية.

وشهدت الصادرات الصينية ارتفاعا بنحو 26.5 في المائة إلى 399 مليار دولار في الربع الأول من هذا العام مقارنة بارتفاع واردات الصين بنحو 32.6 في المائة إلى 400 مليار دولار في الفترة ذاتها، مما يشير إلى دور ارتفاع سعر صرف اليوان الصيني مقابل الدولار في كبح نمو معدل الصادرات بنحو أبطأ من نمو معدل الواردات والذي يعد تجاوبا من قبل الحكومة الصينية لضغوط تواجهها من قبل الدول الصناعية تتعلق بمعالجة حالة الاختلالات المالية في ميزان التجارة الدولي بين الدول الصناعية والدول الناشئة.

ولم يكن ارتفاع أسعار الواردات من السلع والمواد الخام مساهما فقط في حدوث عجز تجاري يعد الأول منذ عام 2004 للتنين الصيني، بل انتقل أثر ارتفاع أسعار السلع والمواد الخام إلى المستهلك المحلي الذي شهد ضغوطا تضخمية مما دفع الحكومة الصينية إلى تبني سياسة السماح بارتفاع تدريجي لسعر صرف اليوان مقابل الدولار الأميركي.

وقام مصرف الصين المركزي برفع معدلات الفائدة لأربع مرات خلال الـ6 أشهر الماضية لكبح تدفق السيولة الائتمانية في الاقتصاد الصيني، إلا أن ذلك لم يحقق ما ترجوه الحكومة الصينية نتيجة بقاء معدلات الفائدة عند 3.25 في المائة والذي يعتبر دون معدلات التضخم التي يشهدها الاقتصاد الصيني عند خمسة في المائة حسب بيانات مكتب الإحصاءات الوطني.

وحسب إذاعة شبكة «فينكس» الصينية، تسربت بيانات للتضخم كان من المفترض صدورها صباح اليوم تشير إلى ارتفاع معدلات التضخم إلى 5.4 في المائة في مارس (آذار) الماضي مما يؤكد أن ما قام به مصرف الصين المركزي من رفع لنسبة الاحتياطي الإلزامي لدى المصارف المحلية إلى عشرين في المائة لكبح السيولة المتدفقة في الاقتصاد الصيني لم ينجح في لجم ارتفاع معدلات التضخم.

وشكلت أسعار النفط عاملا مؤثرا على أسعار الواردات، حيث سجلت كلفة استيراد النفط ما يقارب 44 مليار دولار حسب بيانات إدارة الجمارك الصينية. وجاءت أسعار الحديد في المرتبة الثانية بإجمالي يصل إلى 28 مليار دولار والذي يعد ارتفاعا لكلفة واردات الحديد بنحو 83 في المائة مما يؤكد مواجهة الاقتصاد الصيني لضغوط تضخمية مستوردة.

وتعتبر واردات الصين من النحاس انعكاسا لمعدلات استهلاكها الأكبر في العالم من ذلك المعدن، حيث شهد استهلاك النحاس ارتفاعا بنحو 30 في المائة إلى 305 آلاف طن متري في مارس الماضي مقارنة بـ 236 ألف طن متري في فبراير (شباط) الماضي، إلا أن هذا الارتفاع لم يعوض انخفاض الاستهلاك منذ العام الماضي حين شهد استهلاك 456 ألف طن متري والذي شكل قلقا لدى مصدري النحاس في قدرة الاقتصاد الصيني على الحفاظ على معدلات الطلب القوية، إلا أن توقيت تلك البيانات المتدهورة يتزامن مع بداية السنة الميلادية الصينية والتي يقل فيها النشاط الصناعي بدرجة ملحوظة.