خطة تقليص الديون الأميركية تفتح الباب لصراع طويل حول الإنفاق

أوباما يأمل في رفع سقف الدين إلى 14.3 تريليون دولار

TT

أوضح الرئيس الأميركي باراك أوباما، أول من أمس (الأربعاء)، أسباب ضرورة إبطاء النمو السريع للدين الوطني مع الاحتفاظ بالقيم الديمقراطية الأساسية، مقترحا إجراء مزيد من تخفيضات النفقات طويلة الأجل وزيادات الضرائب، وإحداث تغييرات على برامج الرعاية الاجتماعية، مثل موقفه الافتتاحي في معركة الميزانية الحزبية العنيفة حول التحديات المالية للدولة.

وبعد مرور شهور من الغياب وراء الكواليس بعدما وضع الجمهوريون خططهم، قفز أوباما من أجل تقديم بديل ورد فلسفي على التوجه المحافظ للجمهوريين الذي سيتم طرحه ومناقشته في مجلس النواب الأميركي اليوم (الجمعة). وكان القادة الجمهوريون يعملون أول من أمس (الأربعاء) على جمع الأصوات اللازمة لتمرير توجههم المحافظ والإجراء الذي يقضي بتمويل الحكومة لبقية السنة المالية الحالية.

وذكر أوباما أن مقترحه سوف يسهم في تخفيض عجز الميزانية الفيدرالية بمبلغ تراكمي يصل إلى 4 تريليونات دولار أميركي على مدار 12 سنة، مقارنة بتخفيض العجز بمبلغ 4.4 تريليون دولار أميركي على مدار 10 سنوات في خطة الجمهوريين. لكن الرئيس قال إنه سوف يستخدم وسائل مختلفة تماما، رافضا التغييرات الجذرية المقترحة من قبل الجمهوريين على نظام الرعاية والمساعدة الطبية. وتعتمد خطة أوباما على زيادة الضرائب على الأميركيين الأثرياء بشكل جزئي.

ووضع الرئيس مقترحه في إطار معين كبديل للخطة الجمهورية، وهو ما يجهز الساحة لمناقشة سوف تستهلك واشنطن خلال الأسابيع القادمة، مع دخول إدارة أوباما في مواجهة مع الكونغرس بشأن رفع سقف الدين الوطني، وخلال العام التالي، مع ترشح الرئيس أوباما لانتخابات الرئاسة الأميركية مجددا.

ورشح أوباما نائبه جوزيف بايدن لقيادة المفاوضات مع الكونغرس، والتي تأمل الإدارة الأميركية الحالية في أن تثمر عن التوصل لخطوط عريضة للدخول في صفقة بنهاية شهر يونيو (حزيران) القادم، رغم أن التوصل لأي اتفاقية مفصلة قد يحتاج إلى انتظار نتيجة انتخابات عام 2012. ولعب بايدن دورا مشابها في المحادثات التي تجنبت التوقف عن تقديم الخدمات الحكومية في تمام الساعة الحادية عشرة، بخصوص قضايا شائكة بشكل أقل كثيرا من القضايا المطروحة على الطاولة الآن.

وفي خطاب استمر لمدة 44 دقيقة ألقاه أمام الحضور في جامعة جورج واشنطن، بمن فيهم بول رايان، عضو مجلس النواب عن ولاية ويسكونسن ومؤلف الخطة الجمهورية، كان أوباما مستعدا للقلق، ومتحيزا لسياسة حزبه في الغالب. وذكر أوباما أن التوجه الجمهوري سوف يضر بكبار السن عبر رفع تكلفة الرعاية الطبية، وحرمان الملايين من التأمين الصحي، وحرمان الدولة من الاستثمارات في المستقبل. وقال أوباما «هذا النوع من التخفيضات يخبرنا بأننا لا يمكن أن نتحمل أميركا التي أحلم بها. وأعتقد أن هذه التخفيضات ترسم نسخة من مستقبلنا المتشائم بعمق».

وتابع أوباما قوله مع جلوس رايان متجهم الوجه «ليس هناك شيء جاد بشأن خطة تدعي تخفيض العجز عبر إنفاق تريليون دولار على تخفيضات الضرائب لأصحاب الملايين والمليارات. وليس هناك شيء شجاع بخصوص طلب الحصول على تضحية من أشخاص لا يمكنهم تحملها، ولا يمتلكون أي نفوذ في مبنى (الكابيتول هيل)».

لكن أوباما اعترف بأن التكاليف الطبية المرتفعة والديون الوطنية المتزايدة تتطلب القيام بإجراء معين. وحذر الديمقراطيين من أن إدارته سوف يتعين عليها تقليص العمل ببرامجهم العزيزة والحد بقوة من نمو خدمة الرعاية والمساعدة الطبية. وقال «إذا كنا نؤمن فعلا برؤية تقدمية لمجتمعنا، فسوف يتوجب علينا أن نثبت أننا نستطيع الوفاء بالتزاماتنا».

وذكر أوباما أنه سوف يحقق هدفه بتقليل العجز في الميزانية بمبلغ 4 تريليونات دولار من خلال تقليل النفقات عبر تشكيلة من البرامج الحكومية، بداية من الإعانات الزراعية ووصولا إلى تأمينات المعاشات الفيدرالية. وطالب بخفض النفقات العسكرية بمبلغ 400 مليار دولار إضافية، وهو ضعف أكبر تخفيض قال وزير دفاعه روبرت غيتس للكونغرس إنه يمكن أن يوصي به.

وفي إشارة إلى التوترات التي قد تتسبب الخطة في حدوثها داخل الإدارة الأميركية، ذكر مسؤولون في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن غيتس لم يعلم بمقترح أوباما حتى يوم الثلاثاء الماضي. وفي بيان صحافي، قال غيف موريل، المتحدث باسم البنتاغون، إن «التخفيضات الدفاعية البارزة الإضافية سوف تحد من قدرات الجيش الأميركي». وأضاف «من المهم أن تتم صياغة أي تخفيض في التمويل بواسطة استراتيجية وخيارات سياسية، وليس بواسطة إجراء تمارين رياضية على الميزانية».

ومن جانبهم، انتقد الجمهوريون الخطة بسبب التخفيضات في النفقات العسكرية، وبسبب ما وصفوه بأنه «غياب كلي للتفاصيل». وقال جون بوهنر، رئيس مجلس النواب الأميركي، في بيان صحافي «لقد صعب الجمهوريون، بقيادة رئيسهم رايان، من المهمة بشكل إضافي عبر اقتراح ميزانية أعمال تضعنا على الطريق لتسديد الدين والحفاظ على خدمة الرعاية والمساعدة الطبية في المستقبل. وفي ظهيرة اليوم، لم أسمع خطة تعادلها من الرئيس».

وكرر بوهنر التهديد برفض رفع سقف الدين الوطني إلى 14.3 تريليون دولار، وهو الأمر الذي من الوارد أن تنتهكه الحكومة الفيدرالية الأميركية في بداية شهر يوليو (تموز) إلا إذا وافقت الإدارة على كبح النفقات والعجز. وقد سعت الإدارة إلى الحفاظ على فصل مسألة سقف الدين عن المناقشة الأوسع للميزانية، وتناول أوباما هذه المسألة بشكل غير مباشر فقط أول من أمس (الأربعاء). وقال أوباما «إذا بدأ الدائنون في القلق بأننا قد لا نكون قادرين على تسديد ديوننا، فيمكن أن يسهم هذا الأمر في رفع معدلات الفائدة لكل فرد».

لكن أوباما ذكر أن خطته سوف تحتوي على محفز يطالب بإجراء تخفيضات واسعة وشاملة في النفقات، إذا استمرت تقديرات نسبة الدين الفيدرالي في الارتفاع، قياسا بمستويات الاقتصاد الإجمالي بحلول عام 2014،، في تصريح قال عنه بعض المحللون إنه كان إشارة موجهة للجمهوريين. ولن ينطبق هذا المحفز على الإنفاق فحسب، لكنه سوف ينطبق أيضا على ما تطلق عليه إدارة أوباما اسم «نفقات الضرائب» - وهي المبالغ التي تقدم أساسا لدافعي الضرائب من أجل إجراء تخفيضات في التبرعات الخيرية أو الرهون العقارية المنزلية.

ويسمح استخدام عبارة «نفقات الضرائب» لإدارة أوباما بوضع المسائل المتعلقة بالضرائب في فئة النفقات. وكان أوباما مباشرا بشكل أكبر في طلبه السماح بإنهاء التخفيضات الضريبية التي كانت ممنوحة للأميركيين ذوي الدخول العالية في عهد سلفه بوش بحلول عام 2012.

وكان الرئيس قد وافق على توسيع التخفيضات خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ضمن صفقة ميزانية مع زعيم الأغلبية الجمهوري المنتخب مؤخرا في مجلس النواب الأميركي. ومع عودة الاقتصاد الأميركي للوقوف على قديمه مجددا، هاجم أوباما الطلب الذي قدمه جمهوريون للحفاظ على استمرار معدلات الضرائب المنخفضة، واصفا إياه بأنه رمز لخطة الجمهوريين الرامية لإثراء الأثرياء على حساب المسنين والفقراء.

وقال أوباما «يريدون أن يمنحوا شخصا مثلي تخفيضا في الضرائب بمعدل 200.000 دولار أميركي تتم تسويته من خلال مطالبة 30 مسنا بدفع 6.000 دولار إضافية لكل فرد من أجل تغطية تكاليف الرعاية الصحية، وهذا ليس صحيحا، ولن يحدث ما بقيت رئيسا للولايات المتحدة». وكان هذا هو الجزء الوحيد الذي لاقى استحسانا وتصفيقا كبيرا من الحضور الذين كانوا ينصتون لخطاب أوباما.

وبينما لم تفصل خطة أوباما تخفيضات محددة، قال محللون إنها قدمت تفاصيل تكفي لتفجير نقاش موضوعي مع الجمهوريين. وقال بعض المحللين إن مقترح تغطية زيادة التكلفة السنوية في خدمة الرعاية والمساعدة الطبية إلى ما هو أعلى من معدل النمو الاقتصادي كان مقترحا محافظا بشكل مفاجئ. وذكر آخرون أنهم كانوا سعداء عندما طالب أوباما بإصلاح نظام التأمين الاجتماعي، حتى وإن كان غامضا، وذكروا أن هذا النظام لم يكن المتهم الرئيسي وراء حدوث العجز.

وقال رودولف بينار، الزميل البارز في المعهد الحضري، إن خطة أوباما تقيدت إلى حد بعيد بتوصيات لجنته بخصوص تقليل العجز. ولم يقر أوباما هذه التوصيات صراحة عندما قدمت اللجنة تقريرها خلال شهر ديسمبر الماضي، وهو قرار عزز الانتقادات التي قدمها الجمهوريون وبعض الديمقراطيين لأوباما، والتي ذكرت أن الرئيس الأميركي لم يواجه خيارات صعبة في مناقشة الميزانية.

وكان إرسكاين باولز، الرئيس المشترك لهذه اللجنة، والذي شغل أيضا منصب رئيس أركان الجيش الأميركي في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون، من بين الحضور الذين استمعوا لخطاب أوباما برفقة السيناتور السابق آلان سيمبسون، ونائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن (أول من أمس). وفي نقطة معينة، بدا بايدن وكأنه يريد النوم، حيث أغمض عينيه لمدة 30 ثانية.

* خدمة «نيويورك تايمز»