بريطانيا تغامر بالركود الكبير.. وأميركا تراهن على النمو وتضحي بالعجز

تباين الحلول بين لندن وواشنطن للأزمة المالية

اوزبون نفذ خطة تقشف قاسية لخفض العجز البريطاني بالميزانية (أ.ب)
TT

داخل الولايات المتحدة يدور النقاش في الوقت الحالي حول كيفية تخفيض العجز في الموازنة على المدى الطويل. ولكن داخل بريطانيا، وبعد مرور عام على برامج تقشف مثيرة للجدل لسد فجوة مالية، يتمثل المستقبل في اللحظة الحالية. وتعد العوائد الأولية في الوقت الراهن أقل من أن توصف بأنها مبشرة.

وقد تراجعت مبيعات التجزئة بنسبة وصلت إلى 3.5% خلال مارس (آذار)، ويعد ذلك أكبر تراجع شهري في بريطانيا على مدار 15 عاما. ويتوقع تقرير جديد خاص بمركز أبحاث الأعمال والاقتصاد، وهي مؤسسة بحثية مستقلة مقرها داخل لندن، أن الدخل الحقيقي للأسر سوف يتراجع بنسبة 2% خلال العام الحالي. ومن المتوقع أن يجعل ذلك الدخل البريطاني يتراجع إلى أسوأ معدل له خلال عامين على التوالي منذ الثلاثينات من القرن الماضي.

ويمثل ذلك كله تحديا لرأي المسؤول الاقتصادي الرئيسي في بريطانيا جورج أوسبورن، الذي يرى أنه خلال وقت العجز الكبير والضعف الاقتصادي فإن المنحى الأفضل هو الهجوم على العجز بقوة في البداية من خلال خصومات كبيرة استهدفت جوهر دولة الرفاهة في بريطانيا.

ويقول أوسبورن، وزير الخزانة البريطاني، إنه من خلال القيام بذلك نضمن ثقة الأسواق المالية، ومن ثم نضمن معدلات الفائدة المنخفضة اللازمة من أجل النمو الاقتصادي على المدى الطويل. ويأتي هذا المنحى، وقضية ما إذا كان يخاطر بإعاقة انتعاشة اقتصادية قد تساعد على تقليل الفجوة في الميزانية، في قلب النقاش بشأن العجز داخل الولايات المتحدة. ونجد على جانب استراتيجية التأني التي يفضلها الرئيس الأميركي باراك أوباما. وعلى الجانب الآخر يوجد منحى أكثر راديكالية أبطاله الجمهوريون. ولا شك في أن كلا المعسكرين يتابع التجربة البريطانية عن كثب. ونظريا، على الأقل، تواجه كلا الدولتين تحديات كبيرة مرتبطة بالعجز في الميزانية. وتسعى بريطانيا إلى سد الفجوة المالية التي تبلغ قيمتها نحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي. ويبلغ الرقم المقابل داخل الولايات المتحدة 9.5%.

ويدعو المقترح الجمهوري في واشنطن، الذي صاغه نائب ويسكنسن بول ريان، إلى خصومات كبيرة وواسعة في النفقات الاجتماعية، بما في ذلك برامج «ميدي كير» و«ميديك آيد»، هذا إلى جانب خصومات ضريبة واسعة النطاق. ويوم الأربعاء، دعا الرئيس الأميركي لمنحى أكثر توازنا وصفه بأن يجمع بين بعض زيادات ضريبية على الأثرياء مع خصومات محددة في النفقات قال إنها لن تحطم «العقد الاجتماعي الأساسي» ببرامج مثل «ميدي كير» و«ميديك آيد».

ورغم قوة الخطى البريطانية في تعاملها مع الخصومات في النفقات، فإنها تفتقر إلى النطاق الواسع المدرج في مقترح الجمهوريين. وبالتأكيد سيشعر البريطانيون بمشكلات على مستوى الحكومات المحلية مع تراجع الأموال المتوافرة لرعاية كبار السن وبرامج الشباب وجمع القمامة. ولكن تم تجنب أشياء بارزة مثل الخدمات الصحية الوطنية بدرجة كبيرة. وتشير اختلافات بارزة أخرى إلى أنه حتى الطرف الأكثر محافظة داخل أوروبا على يسار الموقف الجمهوري الشائع داخل الولايات المتحدة، وفي بعض الأحيان يعد ليبراليا بدرجة أكبر عن المقارنة مع موقف أوباما.

ومن أجل تحقيق توازن سياسي، وعلى ضوء وجود حكومة ائتلافية يقودها رئيس الوزراء ديفيد كاميرون (من الحزب المحافظ)، أبقى أوسبورن على 50% من معدل ضريبة دخل نسبته 50% على الأفراد الأكثر ثراء بالمجتمع. ويعد ذلك المعدل الأعلى داخل أوروبا، ويفرض عبئا كبيرا على الأثرياء أكثر من أي شيء يراه أوباما أو أي شخص آخر داخل واشنطن ذي جدوى من الناحية المالية.

ولكن داخل بريطانيا، لا تتمثل المخاوف الكبيرة في معدلات الضرائب. وبدلا من ذلك يتمثل الخوف في أن تأكيد أوسبورن على الخصومات في النفقات الاجتماعية – التي تهدف إلى تحقيق فائض تقريبي في الميزانية بحلول 2015 ويحتمل أن يؤدي إلى خسارة أكثر من 300.000 وظيفة حكومية – ربما يعيد الاقتصاد مجددا إلى الركود. ويجب على الحكومة بالفعل تخفيض تقديرها بشأن النمو إلى 1.7%، بدلا من 2.4%، خلال العام الحالي، حيث تعاني دخول المستهلكين من الضغوط بسبب معدلات التضخم الأعلى والنمو الضعيف في الأجور والنشاط الاقتصادي الراكد. ويقول ريتشارد بورتس، وهو اقتصادي بكلية التجارة داخل لندن: «أرى أننا نواجه خطرا كبيرا يتمثل في ركود كبير». وبالطبع لا يوافق جميع علماء الاقتصاد على هذا الطرح. كما أن التحسن البسيط خلال الأسبوع الجاري في معدلات البطالة، والتي وصلت إلى 7.8% بعد أن كانت 7.9%، تشير إلى أنه من المبكر الإعلان عن حتمية حدوث تراجع ثان. ولا يحتمل أن يتفق أحد مع رأي بورتس بأن العجز بنسبة 10% من الناتج المحلي الإجمالي غير مستدام على المدى الطويل. ولكن مع معارضة حزب العمال، يقول إن التحرك السريع في مقابلة النمو الاقتصادي الضعيف ليس مبررا.

ويقترح أوسبورن تخفيض العجز إلى 1.5% بحلول 2015. وبالمقارنة، فإن البرنامج القوي الذي يعرضه ريان لا يتوقع الوصول إلى هذا المستهدف من الميزانية حتى 2021.

* خدمة: «نيويورك تايمز»