اقتصاديون: أسعار النفط لن تؤدي إلى ركود إلا إذا ارتفعت فوق 150 دولارا للبرميل

كبيرة اقتصاديي وكالة الطاقة لـ «الشرق الأوسط»: يوجد إمداد كاف.. ولكن المشكلة في عدم اليقين حول الشرق الأوسط

غياب النفط الليبي لم يؤثر على الأسعار، ولكن عدم اليقين حول اضطرابات الشرق الأوسط كان له الأثر الأكبر
TT

استبعد اقتصاديون أن تؤدي أسعار النفط في مستوياتها الحالية المرتفعة إلى 150 دولارا للبرميل إلى ركود اقتصادي، وقالوا إن الأسعار ستؤثر على النمو الاقتصادي وتقود الاقتصاد العالمي إلى الركود إذا ارتفعت فوق 150 دولارا للبرميل. وقال ناريمان بهرافيش، كبير الاقتصاديين في «آي إتش إس غلوبال إنسايت»، لـ«رويترز»، إن النفط لن يوقف القوة الدافعة للاقتصاد العالمي قبل أن يتجاوز نطاق 150 إلى 160 دولارا للبرميل. واستقرت أسعار النفط في الأسواق العالمية وبقي سعر مزيج برنت خام القياس الأوروبي عند نحو 122 دولارا للبرميل، أمس، الجمعة، بعد بيانات أظهرت نموا اقتصاديا أقوى من المتوقع في الصين، على الرغم من جهود الحكومة لتهدئة النمو وكبح التضخم.

ويعد النمو القوي في ثاني أكبر اقتصاد مستهلك للنفط في العالم شيئا إيجابيا للطلب على الوقود، لكنه يدفع بكين إلى تشديد سياستها النقدية بخطوات قد تبطئ الاستهلاك. ويلقى النفط دعما أيضا من استمرار القلق بشأن إمدادات الخام من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مع تواصل القتال في ليبيا والاحتجاجات السياسية في المنطقة.

وقالت كبيرة المحللين في وكالة الطاقة الدولية، دايان مونرو، لـ«الشرق الأوسط»، إن حالة عدم اليقين في منطقة الشرق الأوسط، هي التي دفعت الأسعار إلى الارتفاع وليس النقص في الإمدادات النفطية، لأن هناك إمدادات كافية. وكان مصرف «غولدمان ساكس» الأميركي قد أوصى عملاءه بخفض استثماراتهم في السلع الأولية متوقعا انخفاض أسعار النفط، وقال إنه في أعلى المنحنى السعري ويتجه نحو الانخفاض. وارتفع سعر مزيج برنت للعقود تسليم يونيو (حزيران) 30 سنتا إلى 122.30 دولار للبرميل بحلول الساعة 13:25 بتوقيت غرينتش. وتراجعت عقود الخام الأميركي الخفيف تسليم مايو (أيار) 20 سنتا إلى 107.91 دولار للبرميل. وقال كارستن فريتش، المحلل لدى «كوميرتس بنك»: «وتيرة النمو الصيني تشير إلى مزيد من التشديد النقدي هناك، وهو ما سيؤثر على طلب الصين على الوقود في المستقبل». وقال المكتب الوطني للإحصاء إن النمو السنوي للناتج المجلي الإجمالي للصين تراجع بشكل طفيف في الربع الأول من هذا العام إلى 9.7 في المائة من 9.8 في المائة في الربع السابق.

وتثار مخاوف من تأثير أسعار النفط المرتفعة على النمو الاقتصادي، ولكن في المقابل توقع محللون أن مستويات الأسعار الحالية ليست مقلقة، لأن سعر صرف الدولار مرتفع كثيرا فوق قيمته الحقيقية. ولكنهم قالوا إن أسعار النفط إذا ارتفعت إلى أكثر من 150 دولارا للبرميل، فإن ذلك يدفع العالم الصناعي إلى الانزلاق إلى حالة ركود، وهو ما يترك للبلدان المنتجة مجالا لمواصلة تحقيق الإيرادات النفطية دون تقويض الطلب على الوقود.

وقال ممثلون للبلدان المستهلكة إن الأسعار ارتفعت بما يكفي للتأثير سلبا على استهلاك الوقود، لكن وكالة الطاقة الدولية ومنظمة «أوبك» تركتا توقعاتهما لنمو الطلب على النفط دون تغيير في تقريرين لهما هذا الأسبوع.

ويرى بعض المحللين أن القاعدة العامة للارتفاع الذي يسبب ركودا وتداعيات كبيرة على الطلب على الوقود هو أن يبلغ 100 في المائة سنويا، وهو ما يعني تجاوز الأسعار للمستوى القياسي المسجل في 2008 البالغ 147.27 دولار للخام الأميركي. «الخطر هو أنه إذا استمرت الأسعار في الارتفاع فإن أي تباطؤ في النمو سيكون أشد وطأة وسيزيد احتمالات الركود. هذا وارد الحدوث بعد ارتفاع أسعار النفط 100 في المائة». وحتى الآن تقل الزيادة عن نصف هذه النسبة. وسجل مزيج برنت الذي يقود الصعود الحالي أعلى مستوى في عامين ونصف العام فوق 127 دولارا للبرميل مرتفعا 49 في المائة عن مستواه قبل عام، ونحو 40 في المائة عن مستواه في نهاية 2010. والمقاييس الأخرى التي يستخدمها اقتصاديون تفيد بأن كل ارتفاع بمقدار 10 دولارات للبرميل يضيف - في حال استمراره - واحدا في المائة إلى التضخم ويلتهم 0.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وعلى الرغم من أن كثيرين قالوا إن من الصعب تحديد مستوى الخطر على وجه الدقة، فإن كثيرين أيضا اتفقوا على أن هناك مجالا لمزيد من الارتفاع قبل حدوث ركود. بل إن صندوق النقد الدولي، الذي أشار إلى أن أسعار النفط تشكل خطرا، قال إنه لا يرى خطر ركود حتى الآن. وقال الصندوق في تقرير نشر يوم الاثنين: «حجم صدمة المعروض النفطي الفعلي بالمقارنة مع المستويات التاريخية متوسط حتى الآن». وأضاف: «على الرغم من أن هذه الارتفاعات في الأسعار تستحضر شبح الركود التضخمي الذي حدث في السبعينات، فإن من المستبعد أن تخرج الانتعاش عن مساره».

وهناك بالفعل تقارير كثيرة بأن ارتفاع أسعار النفط هذا العام جعل بعض الأسر تحد من استهلاكها للوقود، لكن صدمة الأسعار في 2008 والقفزات السابقة جعلت المستهلكين أكثر تحملا. وقال لورانس ايجلز من «جي بي مورغان»: «السؤال هو هل يمكن اعتبار أسعار النفط اليوم صدمة رغم أننا شهدناها من قبل. في 2008 ظلت أسعار النفط فوق 100 دولار للبرميل لنحو 7 أشهر». وتظهر السبعينات أن المستهلكين يمكن أن يعتادوا على مستويات الأسعار المرتفعة، وأن النمو الاقتصادي يمكن أن ينتعش في مناخ الأسعار المرتفعة. ولا تزال أول صدمة أسعار في السبعينات هي الأضخم حيث تضاعفت أسعار النفط نحو 4 مرات بسبب الحظر العربي للنفط، وأعقب ذلك صدمة ثانية في نهاية العقد وبداية العقد التالي بسبب مجيء الخميني ثم الحرب العراقية – الإيرانية، ولذلك غيرت الاقتصادات المتقدمة سلوكها لتصبح أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة، وأقل تأثرا بارتفاع الأسعار. ولا تزال الاقتصادات الناشئة تواجه صعوبة في الموازنة بين النمو الاقتصادي والكفاءة في استهلاك الوقود وفي إلغاء الدعم - الذي يخفض تكلفة الطاقة ويشجع على زيادة الاستهلاك - بشكل تدريجي.

ورفعت الصين - أكبر مستهلك للطاقة في العالم وثاني أكبر مستهلك للنفط بعد الولايات المتحدة - أسعار بيع الوقود بالتجزئة بما يتراوح بين 5 و5.5 في المائة إلى مستويات قياسية، لكن من المتوقع أن يكون الأثر محدودا، لأن هؤلاء الذين لديهم ما يكفي لشراء سيارة في الصين لا يزال بإمكانهم دفع ثمن الوقود. وقال داي جيا تشوان، الباحث في شركة «سي إن بي سي» الصينية المملوكة للدولة: «سواء كان السبب هو الاستهلاك الفعلي للوقود أو مؤشرات على مبيعات منتجات نفطية فلا أتوقع تراجعا كبيرا في الطلب على النفط». وكان سبب الركود في 2008 في المقام الأول هو الأزمة الائتمانية. ولا يمكن أن يرجع انهيار الطلب على الطاقة بشكل مباشر إلى ارتفاع سعر النفط. وتكون قفزات سعر النفط الناجمة عن تعطل الإمدادات عادة هي سبب الانهيار الاقتصادي.

وجاء ارتفاع الأسعار هذا العام مدفوعا بنقص محدود نسبيا. وكانت ليبيا البلد العضو في «أوبك» تضخ نحو 1.6 مليون برميل يوميا قبل توقف معظم إنتاجها بسبب العنف في البلاد. وتملك دول «أوبك» الأخرى ما يكفي من الطاقة الإنتاجية الفائضة لتعويض النقص. وقارن بهرافيش من «آي إتش إس غلوبال إنسايت» نسبة الإنتاج الليبي المعطل من إجمالي الإمدادات العالمية اليوم بحجم التعطل الناجم عن الحرب الإيرانية - العراقية التي اندلعت في 1980 وقطعت إمدادات قدرها نحو 80 مليون برميل يوميا. وقال: «هذا يعادل نحو 12 إلى 15 مليون برميل يوميا في الوقت الراهن».