مخاوف من تزايد معدلات تآكل التربة في أميركا

في أعقاب ارتفاع أسعار المحاصيل

علماء البيئة يوصون باتخاذ تدابير لحماية التربة الزراعية في أميركا
TT

عندما ارتفعت أسعار الذرة وفول الصويا في خريف العام الماضي، بدأ بيل هاميت، المزارع في ريف غرب ولاية آيوا الخصيب، يشاهد الجرافات الضخمة وهي تخلي جوانب التلال من الأشجار والمراعي لإفساح الطريق أمام المزيد من الأفدنة لزراعة المحاصيل الحقلية. والآن ومع بدء الزراعة في موسم الربيع، والفرصة مهيأة لسقوط الأمطار الغزيرة يبدي هاميت قلقا من تعرض هذه التلال شديدة الانحدار من التعرض لخطر داهم يتمثل في تأكل التربة - آفة الأراضي الزراعية التي تبدو أمرا مستبعدا لدى غالبية الأميركيين كما هو الحال في روايات قصعة الغبار وقصص وودي غوثري.

نتيجة التراجع الكبير، عاد التأكل مرة أخرى إلى الظهور ليمثل خطرا داهما نتيجة لهذه الهجمة الشرسة لزراعة المزيد من الأراضي وتغيير نماذج الطقس وتطبيق السياسات الحمائية غير الملائمة والعلماء ومتخصصي البيئة.

وأشار هاميت، 59 عاما، إلى أن الأرض التي تمت تسويتها كانت منحدرة للغاية وبالغة التكلفة في إعدادها للزراعة في السنوات التي تكون فيها الأسعار عادية، وقال: «هناك الكثير من الأراضي التي تم تحويلها إلى أراض صالحة للزراعة في هذه المنطقة والتي لم تزرع من قبل، ويأتي ضم المزيد من الأراضي القابلة للتأكل إلى الأراضي الزراعية لجني المزيد من الأموال في كل فدان يقومون بتسويته».

وأكد البحث الذي نشره علماء في جامعة آيوا على أن التأكل في بعض المناطق من الولاية يحدث على مستويات تفوق التقديرات الحكومية. وأشاروا إلى أنها تفاقمت عبر العواصف القوية التي كانت تحدث بين الحين والآخر خلال السنوات الأخيرة وربما بسبب التغيرات المناخية الواسعة.

وقال ريتشارد كروز، أستاذ الهندسة الزراعية في جامعة ولاية آيوا، والذي يدير مشروع التأكل اليومي: «كان للعواصف المطيرة عالية الكثافة والحجم أثر بالغ على ما نشهده. فنحن نفقد القشرة العليا من التربة في العديد من المناطق بصورة أسرع - بصورة تفوق تكونها بنسبة تصل من 10 إلى 50 مرة.

وقد يكون تأكل التربة خطرا رئيسيا على جودة الماء من خلال تلوث المجاري المائية والبحيرات بالطمي وإغراق موارد المياه بالأسمدة والمبيدات الحشرية».

ويعتبر تسرب الأسمدة السبب في تكون مساحة شاسعة خالية من الحياة كتلك المنطقة في خليج المكسيك الخالية من الأكسجين التي اختفت فيها الحياة البحرية. ولأن الأمطار تجرف التربة الغنية بالأملاح المعدنية، يمكن للتأكل أن يهدد المحاصيل الزراعية. وقد تم تحقيق العديد من المكاسب في محاربة التأكل في الثمانينات وفي بداية التسعينات مع بدء الحكومة الفيدرالية الطلب من المزارعين تلقي معونات زراعية لتنفيذ خطط الحفاظ على التربة بصورة فردية.

عادة ما تتضمن هذه الخطط إجراءات مثل تشكيل الأراضي شديد الانحدار على شكل مصاطب أو بذر البذور بالحشائش المعمرة لدعم استقرار الأراضي المعرضة للانهيار، مثل حواف الحقول القريبة من مجاري المياه أو الحدود بين المحاصيل.

ويقوم الكثير من الفلاحين مثل هاميت عضو مجلس مقاطعة هاريسون للحفاظ على التربة والمياه، بحرث مخلفات المحاصيل وتركها في الأراضي الزراعية وهو الأسلوب الذي يخفف من تسرب الطبقة السطحية للتربة.

لكن علماء البيئة يزعمون أن تطبيق خطط الحفاظ على التربة التي تطبقها وزارعة الأميركية ليست صارمة كما ينبغي أن تكون وأن المكاسب التي تحققت من محاربة التأكل متوقفة أو ضئيلة للغاية.

وتشير بيانات وزارة الزراعة الأميركية إلى أن قدر تقوض المزارع على مستوى الولايات المتحدة من الماء انخفض بشكل كبير في الفترة من بداية الثمانينات وحتى منتصف التسعينات ثم توقف بشكل كبير.

ويرى علماء البيئة أن هناك حاجة إلى تطبيق هذه الخطط بشكل أوسع من ذي قبل لأن الأسعار المرتفعة للمحاصيل تقدم حافزا للمزارعين لزراعة المزيد من الأراضي بأكبر قدر ممكن واتخاذ إجراءات حمائية أقل من القطاعات العشبية الفاصلة.

من بين العوامل الأخرى التي أسهمت في هذه النتيجة ميل الفلاحين بشدة إلى تأجير التي يستصلحونها، وهو ما قد يعني أنهم أقل إدراكا للمناطق المهددة بالتأكل أو التي لم توجه إليها الاستثمارات الكافية للعناية بالتربة على المدى الطويل. أضف إلى ذلك استخدام المزارعين للجرارات العملاقة، التي صممت لتغطية مساحات واسعة من التربة، والتي ثبت عدم كفاءتها في تكسير التربة في المساحات الصغيرة عبر الخطوط أو القطاعات الفاصلة. ناهيك عن استخدام المبيدات الزراعية التي تقتل الحشائش في القطاعات الفاصلة ما يتركها أكثر عرضة للتأكل. وكذلك سياسات الوقود الحيوي التي زادت من الطلب على الذرة شجعت الفلاحين على زراعة المزيد. ويقول كريغ كوكس، نائب رئيس مجموعة عمل البيئية، المدافعة عن البيئة والتي أصدرت تقريرها عن التأكل يوم الأربعاء: «تضافرت كل قوى السوق والسياسات العامة والوقود الحيوي والعواصف القوية. كل هذه العوامل تأتي مرتبطة ونحن غير منتبهين إلى أي منها».

وأشار كوكس إلى أنه قام بالتحليق فوق مناطق من آيوا في مروحية الربيع الماضي بعد عاصفة قوية واكتشف وجود أخاديد عميقة في المزارع غير المحمية تحولت إلى قنوات لتجريف التربة. وعادة ما يقوم الفلاحون بتسوية هذه القنوات بعد الحصاد في الخريف، ثم يعيدون زراعة نفس المناطق المنخفضة عاما بعد عام وهو ما يترك أراضيهم عرضة لمزيد من التأكل.

ويرفض توماس كريستنسن، بوزارة الزراعة، هذه الافتراضات قائلا: «إن برامج الحفاظ على الأراضي من التأكل أتثبت نجاحا، وإن التحسينات التي أدخلت على تنفيذها أثبتت فاعلية». بيد أن وكالة الحفاظ على البيئة قامت بمراجعة ما يزيد على واحد في المائة من الأراضي المزروعة في البلاد تعتبر متأكلة إلى حد بعيد، للتأكد من أن الفلاحين يقومون بتنفيذ خطط الحفاظ على البيئة، وقد وجدت الوكالة ما يقرب من واحد في المائة من الأراضي التي راجعتها شهدت انتهاكات لهذه الخطط. لكن خطة خفض الإنفاق في الميزانية الفيدرالية خفضت 12 في المائة من إنفاق الوكالة على جهود الحفاظ على التربة وهو ما قد يعيق جهودها في الحفاظ على التربة. ويؤكد مسؤولو الوكالة على أنهم لا يزالون يقيمون هذه التأثير.

المعلومات التي نشرها مشروع التأكل اليومي ترسم صورة أكثر قتامة من التقييمات الأخيرة التي أصدرها المسؤولون الفيدراليون. فأصدرت وكالة مسح الموارد الوطنية التابعة لوزارة الزراعة العام الماضي تقييمها والذي ذكرت فيه أن متوسط التأكل في الأراضي بلغ 5.2 طن للفدان كل عام، وهو ما يعد أعلى من الخمسة أطنان للفدان التي قالت وزارة الزراعة إنها مقبولة في قياس التأكل في تربة أيوا، وهو ما يعني أنها قادرة على المساعدة في زيادة إنتاجية المحاصيل إلى ما لا نهاية.

ويرى كروز أن خمسة أطنان من التربة يمكن أن تملأ شاحنة صغيرة، تشكل طبقة خفيفة للغاية من التربة. وعلى الرغم من تقييم التقرير الفيدرالي متوسطات التأكل في كل ولاية ومنطقة خلال عام كامل، فإن مشروع التأكل يستخدم معلومات مفصلة بشأن معدل سقوط الأمطار والظروف الحقلية لتقييم فقد التربة بنحو 1,581 طن في أراضي آيوا بعد كل عاصفة. وخلال العام الماضي، وبحسب بيانات مشروع التقوض التي قام مجموعة العمل البيئية، فاقت نسبة التأكل التي حددتها وزارة الزراعة في 133 مدينة في آيوا. وفي عام 2009 زادت نسبة التأكل في 641 مدينة، كان من بينها ما يقرب من 400 مدينة تضاعفت فيها النسبة أو فاقت هذا المعدل.

ويقدم المشروع في الوقت ذاته صورة للتأكل سببتها العواصف كتلك التي تسببت في غمر التربة بسبع بوصات من مياه الأمطار في أنحاء من جنوب غرب ولاية آيوا في مايو (أيار) 2007. وقد أظهرت الأرقام متوسط خسائر التربة في أكثر 69 مدينة في الولاية بلغ 10 أطنان للفدان في يوم واحد. من هذه المدن كانت هناك 14 مدينة بلغت نسبة الفاقد فيها ما بين 20 إلى 40 طنا للفدان. كانت عاصفة 2007 مدمرة بصورة استثنائية إلى حد بعيد، لكن هذه العواصف باتت متكررة بحسب تقرير الولاية حول التغير المناخي الذي نشرته في يناير (كانون الثاني) للمجلس التشريعي وحاكم الولاية.

وعلى الرغم من المخاوف لا تعتبر آيوا على حافة كارثة تأكل جديدة. ويستخدم الكثير من الفلاحين ممارسات حفاظ جديدة وأن سطح التربة الغني في العديد من مناطق الولاية عميق بما يكفي كي تستمر لعقود بمعدلات تأكل متوسطة.

لكن خبراء الزراعة يرون أن التأكل الكثيف في المناطق غير المحمية يمكن أن يقوض من المحاصيل بشكل واضح، وبمرور الوقت ستصبح الأراضي التي لم يتم الاعتناء بها بشكل كاف غير قابلة للزراعة، وهو ما يعني أن على الفلاحين استخدام المزيد من الأسمدة لزيادة المحاصيل. كما يؤدي التأكل إلى أضرار كبيرة لموارد المياه. وقد حاول الفلاحون اتخاذ قرارات بناء على كيفية الاستغلال الأمثل لأسعار الذرة والفول الصويا التي ارتفعت في الشهور الأخيرة.

وقال الدكتور كروز إن ذلك أثار نوعا من التناقض فعندما تنخفض أسعار المحاصيل يتعلل الكثير من الفلاحين بأنهم غير قادرين على تحمل تكلفة إجراءات حماية حقولهم من التأكل. ويؤكد على أنهم يقولون الآن إنهم غير قادرين على تحمل تكلفة ذلك لأن هناك فائدة كبيرة من زراعة كل قطعة من الأرض. هذه الحوافز ذاتها هي التي دفعت مالكي الأراضي إلى تسوية جوانب التلال الشديدة الانحدار أو تحويل المراعي إلى أرض زراعية لزراعتها أو تأجيرها.

* خدمة «نيويورك تايمز»