العيساوي: نقترب من الانتهاء من آلية جديدة لحماية الأموال العراقية

وزير المالية العراقي لـ «الشرق الأوسط» : ديوننا بين 120 و140 مليار دولار.. والتحدي الكبير معالجة التعويضات

رافع العيساوي
TT

تعمل الحكومة العراقية على الانتهاء من وضع اللمسات الأخيرة لتأسيس آلية جديدة لإدارة إيرادات النفط العراقية مع انتهاء صلاحية «صندوق التنمية العراقي» الذي أسس بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة منذ فرض العقوبات على العراق قبل عقدين من الزمن. وقال وزير المالية العراقي رافع العيساوي في حوار خاص مع «الشرق الأوسط» إن هذه الآلية ستواصل توجيه 95% من إيرادات النفط العراقي للميزانية العراقية، بينما 5% ستخصص للكويت ضمن دفع التعويضات للكويت تماشيا مع قرارات مجلس الأمن. أوضح العيساوي الذي اختتم زيارة إلى العاصمة الأميركية لحضور اجتماعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي أن الولايات المتحدة تدرس إصدار قرار رئاسي لحماية الأموال العراقية في الولايات المتحدة من الملاحقة القانونية، متوقعا أن يتم ذلك خلال الشهرين المقبلين. وبالإضافة إلى ملف التعويضات المترتبة على العراق من جراء انتهاكات نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، تحدث العيساوي عن التحديات التي تواجه الاقتصاد العراقي، وعلى رأسها ضرورة تنويع مصادر الاقتصاد العراقي وعدم الاعتماد الكلي على النفط. وفيما يلي نص الحديث:

* مع اقتراب موعد يونيو (حزيران) وانتهاء صلاحية قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لحماية الأموال العراقية، هل توصلتم إلى آلية جديدة لحماية الأموال العراقية؟

- مع التمديد الأخير لحماية الأموال العراقية، المعلوم هو أن 30 يونيو هو آخر تمديد لحماية الأموال العراقية بقرار مجلس الأمن وبالتالي شكلت لجنة في مجلس الوزراء من وزارة المالية ووزارة الخارجية والبنك المركزي العراقي لمتابعة هذا الموضوع وتقديم تقرير للحكومة العراقية في الأول من مايو (أيار) القادم إلى مجلس الأمن. خلال الفترة الماضية عقد جملة اجتماعات في بغداد بالتواصل مع صندوق النقد الدولي والشركاء الدوليين في إعداد التقرير. أستطيع القول إن التقرير سيكون جاهزا في الأيام القليلة القادمة وسيقدم في موعده خلال الشهر المقبل. والموضوع يعتمد على جملة آليات لحماية الأموال العراقية، تمت بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي ومع المؤسسات العراقية ذات العلاقة.

* متى تم الاتفاق مع صندوق النقد الدولي حول هذه الآلية الجديدة – وما ملامح هذه الآلية الجديدة؟

- كان لنا لقاء في عمان عندما كنا نتحدث عن بناء موازنة عام 2011 وتقديمها للبرلمان، واستكمالا للقاءات تمت مناقشتها في هذا اللقاء وخلال اجتماعاتي مع وزارتي الخزانة والخارجية الأميركيتين، بالإضافة إلى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وبالتالي، التقرير سيكون جاهزا. وببساطة الأموال العراقية كانت محمية بقرار من مجلس الأمن وجميع الأموال العراقية يجب أن تذهب إلى صندوق تنمية العراق ومن هناك تقسم إلى 95% للمشاريع التي تقوم بها الحكومة العراقية و5% للتعويضات للكويت. الآلية الجديدة شبيهة بها، إلا أنها ليست تحت حماية الأمم المتحدة. وستبقى الأموال العراقية في حساب توفير في مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) ومن هناك يقسم بالطريقة نفسها وهي 95% لأداء مشاريع الوزارات العراقية و5% للتعويضات الكويتية. ونحن على تواصل مع الإخوان الكويتيين للتفاهم على نسبة جديدة لموضوع التعويضات. العراق ملتزم بقرارات مجلس الأمن وملتزم بعلاقة الجوار والأخوة مع الكويت. لدينا رغبة وقد تحدثنا في أكثر من زيارة حول إطفاء الدين العراقي وموضوع مراجعة نسبة الـ5% لأنها تؤثر على الموازنة العراقية.

* أي أنتم تريدون تخفيض النسبة؟

- بودنا أن تكون كذلك ولكن ذلك لا يكون إلا بقرار من مجلس الأمن بالتفاوض مع الكويت. ونحن نعمل على الجهتين.

* ما هي النسبة التي يريدها العراق؟

- طرحت في زيارات مع الإخوة الكويتيين جملة من الأفكار، ولا يزال الموضوع قيد الدراسة، لا نستطيع أن نستبق الأحداث لكن لدينا الرغبة وعبرنا عنها للإخوة في الكويت.

* خلال الأيام الماضية، أعلن محام للخطوط الجوية الكويتية عزم الشركة المطالبة بـ1.2 مليار دولار من التعويضات من العراق بعد انتهاء صلاحية قرار مجلس الأمن، هل ممكن أن يحدث ذلك؟

- في الحقيقة، موضوع الديون العراقية بعد 30 يونيو هو تحد حقيقي للحكومة العراقية ووزارة المالية تحديدا. ولذلك نحن مستمرون في اللقاءات الجادة ولدينا مجموعة تعمل على دول نادي باريس ومجموعة تعمل على الدول التي ليست عضوا في نادي باريس، إضافة إلى حديثنا عبر لجنة عراقية – كويتية مشتركة في جميع الملفات وضمنها ملف الخطوط الجوية العراقية. طبعا في الوقت الذي نتفهم مشكلة الخطوط الجوية الكويتية، أيضا تحدثنا في أكثر من مناسبة بأن هذا الموضوع ضاغط علينا من الناحية المالية وبودنا أن ننهي هذا الملف وبودنا أيضا أن يكون جزءا من الحوارات الشاملة وبحث الملفات الأخرى الشاملة تحت مبدأ «الصفقة الشاملة». حضرت الجلسة الماضية للجنة العراقية – الكويتية، وفتحت جميع هذه الملفات وأعتقد كان الحوار الأفضل مع الإخوان الكويتيين وبحاجة إلى البناء عليه. وإذا سادت أجواء الصراحة مثل ما حصل في اللقاء الماضي ومعالجة كل القضايا العالقة مثل الحدود والآبار المشتركة وكل القضايا، آمل أن اللقاءات القادمة تبنى على اللقاء السابق بحلول فعلية.

* هل تتوقعون التوصل إلى اتفاق شامل يحل قضية التعويضات؟

- الإخوة الكويتيون لديهم ألم من تجربة سابقة انتهت باحتلال الكويت وبالتالي عندما يعبرون عن مخاوفهم نحن نتفهمها ولكن اليوم نحن في جو جديد، وما عادت التهديدات السابقة قائمة ونأمل أن يكون ذلك حافزا لنا جميعا لأن نعيد العلاقات إلى وضعها السابق.

* هل يمكن أن يخرج قرار أميركي لحماية الأموال العراقية؟

- نحن نعمل على أن يكون القرار التنفيذي الرئاسي (الأميركي) بصورة على الأقل جزئيا بديلا عن الحماية الكاملة التي يوفرها قرار مجلس الأمن. الآن لدينا اتصالات مع وزارة الخارجية الأميركية ونعتقد أننا سننجح في تمديد القرار الرئاسي (الأميركي) لحماية الأموال العراقية. لا نريد أن تنتهي ولاية مجلس الأمن لحماية الأموال ثم يكون هناك فراغ. الرسالة التي فهمناها أن يتم ذلك قريبا.

* فيما يخص إطفاء ديون العراق، ما هي الدول التي يحتاج العراق التوصل إلى اتفاق معها؟

- هذا ملف كبير جدا، نتكلم عن 120 إلى 140 مليار دولار تقريبا، من نادي باريس وغير نادي باريس. في التحرك على هذه الدول تم إطفاء، خاصة المجهزين الاقتصاديين وليست الدول، تم إطفاء 13 ألف دعوى تم التفاهم عليها، بالإضافة إلى 60 دولة تم التفاهم معها تماشيا مع مبادئ نادي باريس. وقيمة الديون التي تم التفاهم عليها نحو 80 مليار دولار، وهناك مبلغ باق غير قليل، إضافة إلى الدعاوى التي لا نعلم عنها وقد تخرج بعد 30 يونيو. فنعتبر ملف الديون ملف تحد حقيقيا ونحن نتحرك عليه بنشاط في وزارتي المالية والخارجية ونتأمل تجاوب الدول. الآن لدينا ملف جاهز لإطفاء الدين مع دولة الإمارات العربية المتحدة ونحن قريبون من توقيع اتفاق على إطفاء الدين بنسبة 100% خارج نادي باريس. وخلال زيارتنا هنا، تكلمنا مع وزراء من الجزائر وتركيا وفي (اجتماع وزراء المالية العرب) في دمشق تكلمنا مع الوفدين السعودي والكويتي.

* لننتقل إلى موضوع سعر الدينار العراقي وتوقعات بإمكانية رفع 3 أصفار عن الدينار العراقي، متى يمكن أن يحدث ذلك؟

- في الحقيقة، تقارير صندوق النقد الدولي عن الاقتصاد العراقي تعتبر من الاقتصادات المستقرة الآن، فيما يتعلق بالاقتصاد الإجمالي وسعر الصرف ونسبة التضخم فهي 3 معايير يعتبر فيها صندوق النقد الدولي الدينار العراقي مستقرا. لكن موضوع الأصفار لا يزال قيد الدراسة في البنك المركزي العراقي ولم يقدم للحكومة حتى الآن. ما زالت حتى الآن أفكارا ويتم دراستها وهو موضوع كبير ما زال في أول الطريق. هناك رأيان، البعض يقول إن هذا الإجراء قد يسبب مشكلات لطبقة معينة وتأثيره على الأسعار ولكن هناك رأي آخر يقول لا بد من الخروج منه وهناك اقتصادات كثيرة ذهبت إلى حذف الأصفار. ولا يوجد توقيت زمني لتقديم تقرير البنك المركزي لأنه لا يعتبر من المواضيع المستعجلة.

* ماذا عن موضوع البطاقة التموينية والدعم الحكومي لمواد الغذاء؟

- هناك لجنة شكلت لمراجعة ملف البطاقة التموينية ومعرفة إذا كانت البطاقة التموينية مجدية في مفرداتها والآن تجرى إحصاءات حول البطاقة التموينية. وفعلا البطاقة التموينية بحاجة إلى تقييم جديد وأنا طلبت مقارنة بين البطاقة التموينية في عهد النفط مقابل الغذاء والبطاقة التموينية الآن، عدد الفقرات والكمية والجودة وصرف الحكومة العراقية، والإضافة إليها من فرق أسعار الغذاء، حتى على أقل تقدير نعرف مدى التقدم أو التدهور في الموضوع. ونحن نعمل على إصلاح نظام البطاقة التموينية والموضوع خلال أسابيع وليس خلال أشهر. وهذا ضمن العمل على إنهاء من يتحدث عن الفساد في هذا الملف.

* ولكن موضوع الفساد الجميع يشكو منه وهو مستشر، كيف يمكن السيطرة عليه من خلال عمل وزارة المالية؟

- في الحقيقة، وزارة المالية إحدى الوزارات التي يجب أن تحارب الفساد وليست هي المسؤول الأول، وهناك مؤسسات رسمية وهي لجنة النزاهة في البرلمان بالإضافة إلى ديوان الرقابة المالية وهو المدقق الرئيسي لكل أعمال الحكومة. وهذا ملف يتطلب الكثير من العمل. أسبقية الحكومة في الفترة الماضية كانت على الملف الأمني، الآن عندما نتحول إلى الإعمار ورصد الأموال الهائلة للإعمار والانفتاح على ملف الاستثمار يجعل المال أكثر استباحة إذا كانت لا توجد منظومة ملائمة. وهناك عمل غير قليل في تلك الدوائر لمحاربة الفساد الإداري والمالي.

* ما هو التحدي الرئيسي اليوم للاقتصاد العراقي؟

- التحدي الرئيسي هو أن الاقتصاد اقتصاد ريعي، مرتبط كليا بالنفط، وهناك حاجة لتنويع مصادر الموازنة وتطوير الموارد غير النفطية. وذلك مرتبط في قطاعات أخرى من الصعب تطويرها الآن وهي الضرائب والجمارك. رفع أجور الضرائب والجمارك الآن لا يخلو من المشكلات وفيه تبعات اجتماعية وسياسية ولذلك اتخذنا قرارا في مجلس الوزراء بتأجيل تطبيق قانون التعرفة الجمركية الذي كان من المفروض أن ينفذ بشهر مارس (آذار) رغم أن ذلك يخسر وزارة المالية مبالغ مهمة. ومع كل التحديات الأمنية والسياسية في المنطقة التي يمكن أن تؤثر على الاقتصاد العراقي. ومن التحديات الكبيرة البطالة وضرورة خلق فرص العمل، وفي نهاية المطاف المسؤولية تقع على الحكومة العراقية ولكن لن تحل من دون تفعيل القطاع الخاص وهو ما زال بدائيا في العراق.

* ما هو أهم ما تم إنجازه خلال هذه الزيارة إلى واشنطن؟

- اللقاءات الرئيسية كانت لقاءات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبناء موازنة عام 2012 لأن لدينا اتفاقا معهم. وقد نجحنا في الاتفاق بنقل مقر مكتب البنك الدولي من عمان إلى بغداد وسيباشرون ذلك خلال الأيام المقبلة وهذا تقدم ممتاز جدا وكذلك اتفقنا مع مؤسسة التمويل الدولية على نقل مركزهم إلى بغداد وذلك يشجع الاستثمار كثيرا. وهذا قرار مهم جدا، ضمن رجوع العراق إلى المنظمات الدولية والانفتاح على الشركاء الدوليين.