بنك الاحتياط الفيدرالي أمام خيارات محدودة لتحفيز نمو الاقتصاد الأميركي

بعد نهاية برنامج «التيسير الكمي» في يونيو

بن بيرنانكي («نيويورك تايمز»)
TT

توقع خبراء اقتصاد أن يؤكد بن بيرنانكي، رئيس البنك المركزي وزملاؤه تعهدهم بإكمال مخطط تخصيص 600 مليار دولار من أجل شراء ديون الخزينة بنهاية شهر يونيو (حزيران) عندما يجتمعون خلال الأسبوع المقبل من أجل وضع مخطط السياسة النقدية، حسبما ذكر نيل سوف، كبير الخبراء الاقتصاديين في شركة «كريدي سويس هولدينغز» الأميركية بمدينة نيويورك. وسوف يكون السؤال الذي يواجه مصرف الاحتياط الفيدرالي وقتها هو: «متى نبدأ في سحب الحافز من الاقتصاد؟ ومن المحتمل أن تكون الخطوة الأولى هي إصدار قرار بخفض ميزانيته العمومية عبر وقف إعادة الاستثمار في عائدات الديون المستحقة على سندات الخزينة.

وكان مسؤولو مصرف الاحتياط الفيدرالي منقسمين في اجتماعهم الأخير بشأن توقيت تشديد السياسة المالية، حسبما ذكرت محاضر جلسات الاجتماع الذي عقد في يوم 15 مارس (آذار) الماضي. وبينما أشار عدد قليل من المسؤولين إلى إمكانية ضمان القيام بتحرك ما خلال العام الحالي، «أشار عدد قليل من المسؤولين الآخرين إلى أن توفيق سياسة استثنائية قد يكون مناسبا بعد عام 2011».

وذكر معظم المحللين الذين شاركوا في المسح الذي أجراه موقع «بلومبيرغ نيوز» والبالغ عددهم 50 محللا خلال الشهر الماضي أن مصرف الاحتياط الفيدرالي سوف يحافظ على استقرار محفظة سنداته لبعض الوقت بعد انتهاء برنامج شراء ديون الخزينة الذي تصل تكلفته إلى 600 مليار دولار. ورأت أغلبية قوامها 16 محللا أن ينتظر البنك المركزي لمدة تتراوح ما بين أربعة وستة أشهر قبل السماح بتقليص المشتريات.

وقد يؤجل المصرف كذلك قراره إلى العام التالي إذا قام أوباما والكونغرس بتشديد السياسة النقدية بشكل أسرع وأكثر حدة مما يتوقعه البنك المركزي بالفعل، حسبما ذكر روبرتو بيرلي، المدير الإداري للمجموعة الاستراتيجية الدولية والاستثمار في واشنطن والمسؤول السابق في مصرف الاحتياط. وأضاف أن هذا الأمر سوف يسهم أيضا في تأجيل توقيت أول زيادة يطبقها المصرف على أسعار الفائدة الخاصة به. وترى سوق العقود الآجلة في شيكاغو أن هناك أكثر من ثلث فرصة لأن يرفع البنك المركزي هدفه الخاص بمعدل احتياطات الخزانة الفيدرالية بحلول شهر يناير (كانون الثاني) عام 2012. وكان هدف السعر الذي تحصله البنوك بعضها من بعض على الودائع قصيرة الأجل يتراوح ما بين 0 و0.25 في المائة منذ شهر ديسمبر (كانون الأول) 2008. وقال لورانس ماير، محافظ مصرف الاحتياط الأسبق إنه كان يحتفظ بتوقعاته القائلة إن صانعي السياسة سوف يرفعون سعر الفائدة خلال شهر يناير رغم أنه أضاف أن «تخفيضات النفقات الحادة سوف تضع ضغطا على هذه الدعوة». وصرح ماير، الذي يشغل الآن منصب نائب رئيس شركة «ماكرو إيكونوميك أدفايزرز» ومقرها مدينة سانت لويس أن «السياسة النقدية يجب أن تعوض دائما ما تفعله السياسة المالية للاقتصاد». وأضاف أن «بيرنانكي لن يقول ذلك على الإطلاق، ولكن هذه هي الحالة».

وثيقة الميزانية

* وذكر مارك زاندي، كبير الخبراء الاقتصاديين في شركة «موديز أناليتكس» ومقرها مدينة ويست شيستر بولاية بنسلفانيا أن الاقتصاد الأميركي يبدو مستعدا بالفعل للتعرض لصدمة مالية تعوق النمو بنسبة نقطة واحدة مئوية خلال العام المقبل مع انتهاء العمل بالتخفيض المؤقت في ضرائب الدخل وإجراءات التحفيز الأخرى. وسوف تركز أي وثيقة ميزانية على هذا الأمر. وأخبرت جانيت ييلين، نائبة رئيس مصرف الاحتياطي الفيدرالي النادي الاقتصادي بمدينة نيويورك خلال الأسبوع الماضي بأنها لم تكن قد فكرت في إمكانية تقديم «حزمة أساسية من أجل تشديد السياسة المالية» خلال جولة إصدار التقديرات ربع السنوية الأخيرة للبنك المركزي.

وخلال الاجتماع الذي عقد يومي 25 و26 يناير، رأت لجنة الأسواق المفتوحة الفيدرالية إجمالا أن الأسواق الأميركية تتوسع بنسبة تتراوح ما بين 3.4 في المائة و3.9 في المائة خلال العام الحالي، و3.5 في المائة و4.4 في المائة خلال عام 2012. وسوف يقدم بيرنانكي التقديرات المحدثة للمجموعة في المؤتمر الصحافي الأول خلال شهر أبريل (نيسان) الحالي الذي يعقده يوم 27 من الشهر. وقد ارتفعت الآمال بشأن التوصل إلى اتفاق بشأن ميزانية تمتد لعدة سنوات بعدما قدم أوباما والأعضاء الجمهوريون في مجلس النواب الأميركي برامج منفصلة خلال الشهر الحالي من أجل كبح جماح العجز والدين. وصرح ألان غرينسبان، رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي السابق عندما حل ضيفا على برنامج «لقاء الصحافة» التلفزيوني الذي أذيع على شاشة محطة «إن بي سي» الإخبارية الأميركية يوم 17 أبريل بقوله: «أشعر بأنني أكثر تفاؤلا إلى حد بعيد بشأن حل هذه القضية الآن بصورة تفوق تفاؤلي خلال الشهور القليلة الماضية».

من جانبه قال محمد العريان، الرئيس التنفيذي لشركة «باسيفيك إنفستمنت مانجمنت» أيضا إنه قد أصبح أكثر أملا بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاق، على الرغم من أنه كان قد حذر من أنه «لا تزال هناك قرارات صعبة يجب أن تتخذ».

وبينما أراد كل من أوباما والجمهوريين في مجلس النواب تقليل العجز التراكمي في الميزانية بمقدار 4 تريليونات دولار، فإنهم اختلفوا على السرعة والوسيلة التي يمكنهم من خلالها القيام بهذا الأمر. وكان أوباما قد دعا إلى تبني طريقة «متوازنة» تجمع بين تخفيضات النفقات وزيادات الضرائب من أجل تحقيق هدف جمع 4 تريليونات دولار أميركية خلال 12 عاما. ويرغب الجمهوريون في استخدام تخفيضات النفقات فقط لتحقيق هذا الهدف خلال 10 سنوات. ويزيد الإعلان الصادر عن وكالة «ستاندرد أند بورز» للتصنيفات الائتمانية خلال الأسبوع الحالي بأن الحكومة الأميركية تخاطر بفقدان تصنيفها الائتماني «AAA» من الضغوط الواقعة على أوباما والجمهوريين للتوصل إلى اتفاق.

تحديات مالية

* وقال توني فراتو، الذي عمل كمسؤول في البيت الأبيض ووزارة الخزانة الأميركية تحت قيادة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش إن «توقعات وكالة ستاندرد أند بورز تضيف بالتأكيد إلى الدافع الموجود حاليا في واشنطن لمواجهة تحدياتنا المالية». وقالت الوكالة التي تتخذ من مدينة نيويورك مقرا لها إن هناك ثلث فرصة لاحتمال أن تقوم بخفض التصنيف خلال عامين، مضيفة «فرضيتها الأساسية» بأن الكونغرس وإدارة أوباما سوف يتوصلان إلى اتفاق بشأن برنامج لتخفيض العجز. وعبر وزير الخزانة الأميركي تيموثي غيتنر عن ثقته بأن «القادة السياسيين سوف ينحون خلافاتهم جانبا ويتقدمون صوب التوصل إلى خطة طويلة الأجل لتضيق العجز وتقليل الدين». وقال غيتنر في مقابلة أجرتها معه محطة «بلومبيرغ» التلفزيونية يوم 19 أبريل: «لدينا فرصة الآن على مدار الشهرين التاليين لتحقيق بعض التقدم الحقيقي. وما نتفق عليه هو إرساء بعض الأهداف القوية لزيادة المدخرات وتقليل العجز على مدى إطار زمني محدد بقيود قابلة للتنفيذ».

انخفاض العائد على السندات

* انخفضت العائدات على سندات الخزانة أجل عشر سنوات (مدتها 10 سنوات) إلى أدنى مستوى لها في شهر تقريبا خلال الأسبوع الحالي بفعل تخمينات بأن تخفيضات الميزانية الحكومية سوف تسهم في تباطؤ الاقتصاد وسوف تساعد مصرف الاحتياط الفيدرالي على الامتناع عن رفع تكاليف الاقتراض، حسبما ذكر محمد العريان، الرئيس التنفيذي لشركة «باسيفيك إنفستمنت مانجمنت». وكان العائد على السندات المالية العشرية 3.41 في المائة في تمام الساعة التاسعة والنصف صباح أمس في بورصة لندن، بحسب أسعار شركة «بلومبيرغ بوند تريدر». ويمثل هذا العائد انخفاضا بأكثر من نصف نقطة مئوية عن متوسط العائد المسجل خلال العشر سنوات الماضية. وقال العريان، الذي تدير شركته، التي تتخذ من منطقة نيوبورت بيتش بولاية كاليفورنيا مقرا لها، وهي من صناديق الاستثمار في السندات في العالم، خلال مقابلة أجريت معه يوم 19 أبريل الحالي في برنامج «سيرفيليانس» الذي يذاع على راديو «بلومبيرغ» مع المذيع توم كيني: «كلما كان هناك المزيد من التقشف المالي، زادت احتمالية امتناع مصرف الاحتياط الفيدرالي عن رفع تكاليف الاقتراض».

وسوف تقلل اتفاقية تمتد من 10 إلى 15 عاما من أجل الحفاظ على استقرار وتقليل معدل الدين الفيدرالي قياسا بإجمالي الناتج المحلي من النمو الاقتصادي الأميركي بمقدار الربع وصولا إلى نصف نقطة سنويا، وفقا لسيناريو تديره شركة «إنغلوود» وهي شركة للاستشارات والخدمات الداخلية مقرها ولاية كلورادو. وقد يحاول مجلس الاحتياط الفيدرالي تخفيف هذا الأثر عبر تشديد القيود الائتمانية بشكل أكثر بطئا مما قد يحدث بخلاف ذلك، حسبما ذكر ناريمان بيهرافيش، كبير الخبراء الاقتصاديين في شركة «آي إتش إس» العالمية للمعلومات التجارية.