تقرير دولي: العالم سيعتمد أكثر على بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتزويده بالنفط

«بوز أند كومباني» تشدد على أهمية التعاون لتلبية ارتفاع الطلب المتوقع خلال الفترة المقبلة

TT

قال تقرير دولي حديث إن العالم سيعتمد أكثر على بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتزويده باحتياجاته النفطية، حيث أشار التقرير إلى أنه وبحسب وكالة الطاقة الدولية، سترتفع مساهمة بلدان منظمة الدول المصدرة للنفط - أوبك في أسواق النفط العالمية من 42 في المائة في عام 2011 إلى 52 في المائة في سنة 2035، وهو مستوى لم يسبق له مثيل منذ أوائل سبعينات القرن الماضي. وأشار التقرير الصادر من شركة «بوز أند كومباني» العالمية والذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، إلى أن استمرار بلدان أوبك في زيادة سعتها الإنتاجية يتطلب منها الاستفادة من موارد تزداد صعوبة الوصول إليها أكثر فأكثر، كما أن هذا سيرفع الطلب على شركات النفط الوطنية التي تملكها حكومات هذه البلدان، مشيرا إلى أن زيادة السعة الإنتاجية والتغلب على التحديات التكنولوجية ستتطلب قيام شراكات طويلة الأمد بين شركات النفط الوطنية وشركات النفط العالمية التي تستثمر في المنطقة منذ عقود. وقال الدكتور رائد قمبرجي الشريك في «بوز أند كومباني» إن بناء العلاقات يحتم على حكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا العمل على تحقيق توازن بالغ الدقة، فمن جهة، يتعين عليها الاستفادة لأقصى حد من قيمة ومنافع مواردها الذاتية من النفط والغاز، فضلا عن اقتناء أحدث التكنولوجيات.

وأضاف: «في الوقت نفسه، يتعين عليها أن تقدم لشركائها الدوليين حوافز مالية مقنعة، مع معدلات عوائد ملائمة، بهدف الاستفادة من التكنولوجيا والمهارات والاستثمارات الضرورية لإتمام عمليات تنقيب وإنتاج أكثر تعقيدا. ويعتبر تصميم النظام المالي والضريبي الملائم - أي الاتفاق الذي يحكم دور شركات النفط العالمية في استخراج النفط والغاز في بلد معين - أساسيا في إرساء هذا التوازن». وأشار إلى أنه في الوقت الراهن، تعتمد المنطقة 3 أشكال أساسية من الأنظمة المالية والضريبية التي تطورت منذ بداية ستينات القرن العشرين وهي أنظمة الضرائب والامتيازات، واتفاقات تقاسم الإنتاج، واتفاقات الخدمة، وعندما تم توقيع أول الاتفاقات في المنطقة، حصلت شركات النفط العالمية على حقوق التصرف في المواد النفطية التي كانت تنتجها، وكانت تدفع للحكومات المضيفة ضرائب مقابل الحصول على هذه الحقوق. وبين قمبرجي: «ولكن منذ ذلك الحين، انتهجت الحكومات مسار الاتفاقات التي لا تتضمن نقلا للملكية أو التي تنص على نقل جزئي لها، بهدف ضمان حصد بلدانها منافع كافية من مواردها الطبيعية وتلبية الاحتياجات السياسية بعدم منح ملكيتها للآخرين»، مشيرا إلى أنه من أجل تحقيق هذه الغاية مع الاستمرار في تقديم الحوافز الملائمة لشركات النفط العالمية فيما يتعلق باستثماراتها المالية وغيرها من الاستثمارات، اعتمدت الحكومات في المنطقة عددا من المقاربات، حقق بعضها النجاح أكثر من سواه. وضرب التقرير مثالا بالجزائر، حيث تقدم لشركات النفط العالمية شروطا هي من الأصعب في المنطقة، وتتضمن قاعدة ضريبية تبدأ بنسبة 30 في المائة ويمكن أن تصل إلى 70 في المائة، ونتيجة لذلك، عانى الإنتاج من الصعوبات بسبب انكفاء شركات النفط العالمية، إذ تراجع عدد الآبار التي حفرتها شركات النفط العالمية من 30 بئرا في عام 2005 إلى نحو 4 آبار في عام 2010.

وتابع: «في حال استمرار فرض هذه الشروط، فإنه من غير المتوقع أن تتمكن الجزائر من إعادة الإنتاج إلى مستوياته المرتفعة التي سجلها في عام 2007». وقال دايفد برانسون، المستشار التنفيذي في «بوز أند كومباني» إن ليبيا تشكل مثالا آخر للبلدان التي عجزت فيها الأنظمة المالية والضريبية عن إحداث استثمار طويل الأمد - حتى قبل اندلاع الأزمة السياسية الراهنة، فبعد رفع العقوبات في عام 2004، تنافست شركات النفط العالمية بما فيها أوكسيدنتال وشيفرون وبريتيش غاز وإيني وإيكسون موبيل على تقديم العطاءات بهدف الفوز بعقود تنقيب وإنتاج، ظنا منها أنها ستجني أرباحا كبيرة من الاكتشافات الجديدة. وأشار إلى «أنه بناء على هذه النظرة التفاؤلية حيال توقعات البلاد، وافقت هذه الشركات على نسبة 13.1 في المائة من الإنتاج، وهي نسبة قليلة مقارنة بالنسبة المتوسطة للمنطقة البالغة 40 في المائة، لكن اليوم، وبعد 5 سنوات على منح التراخيص الأولية، جاء أداء التنقيب مخيبا للآمال وتبيّن أن غالبية الكميات المكتشفة ستعاني من صعوبات في مواجهة العوائق الاقتصادية الدنيا للتنمية».

وأكد أنه على الرغم من نجاح الحكومة في تحفيز الاستثمار القصير الأمد، فقد دفع ضعف أداء التنقيب المترافق مع العائد المحدود على الاستثمار شركات النفط العالمية، أكثر إلى إرجاء عقودها أو إبطالها بدلا من الاستثمار في التكنولوجيا التي تتطلبها عمليات التنقيب الصعبة. وشدد أنه حتى لو استقر الوضع السياسي في ليبيا سريعا، فإن البلاد - شأنها بذلك شأن الجزائر، ستعاني من صعوبات في تحقيق تطلعاتها الطويلة الأمد بالنسبة إلى نمو الإنتاج ما لم تعدّل العقود لتشجيع شركات النفط العالمية على الاستثمار في تطوير عمليات التنقيب التي لا جدوى اقتصادية لها في الوقت الراهن وفي التكنولوجيات المطلوبة لتعظيم إنتاج الحقول الحالية. غير أن المؤكد أن تعديل العقود سيستغرق وقتا ويحدث حالة من عدم الاستقرار، مما يحدّ تاليا من قدرة ليبيا على المساهمة في تلبية الطلب المتزايد على النفط. وأضاف وآشيش ساتري، مدير أول في «بوز أند كومباني» العالمية أنه على عكس مثالي الجزائر وليبيا، أظهرت جولات الترخيص النفطية في العراق في عام 2009 أن شركات النفط العالمية قد تقبل على ما يبدو بشروط مالية وضريبية غير جاذبة، في حال كانت المنافع المحتملة مقنعة بما يكفي. فوفق شروط الاتفاقات، سوف يجني المتعاقدون أقل من دولار واحد لكل برميل، لكنهم ما زالوا يتوقعون حصد ما نسبته 10 إلى 20 في المائة من العائد على استثماراتهم نظرا إلى سهولة الإنتاج النسبية.

وزاد: «لذلك تمكنت الحكومة العراقية من استقطاب شركات النفط العالمية لمساعدتها في تحقيق أهداف الإنتاج مع تمكينها من المحافظة على ملكية مواردها. ورغم أن الحكم على استمرارية هذه الشروط في المدى الطويل ما زال مبكرا، فقد حقق العراق خطوات أولى قوية في دفع شركات النفط العالمية إلى الميدان والإنتاج بعد فترة طويلة من الانقطاع». وبين التقرير أن عمان تظهر أن البلدان التي تحوي مصادر نفطية يصعب الوصول إليها قادرة على استقطاب شركات النفط العالمية في حال تقديم الشروط المناسبة، حيث تراجع الإنتاج في الحقول الناضجة في البلاد من 950 ألف برميل في اليوم في عام 2000 إلى ما دون 800 ألف برميل في اليوم في أواسط العقد الماضي.

وأكد أنه بعد إقرار الحكومة بوجود مشكلة، بادرت إلى العمل مع الشركات العاملة وشجعت المنافسة بين الشركات الجديدة بهدف تغيير مسار الأمور. حيث أنشأت الحكومة بالتعاون مع شركة «شل» مركز شل للتكنولوجيا - عمان، وهو مركز أبحاث وتطوير في مسقط يسمح للشركة بتطوير تكنولوجيا يمكنها استعمالها في أماكن أخرى. إضافة إلى ذلك، منحت الحكومة شركات النفط العالمية إمكان الوصول إلى حقول كانت خاضعة لسيطرة شركة النفط الوطنية، أي شركة تنمية نفط عُمان، وقد حصلت شركة أوكسيدنتال مثلا على شروط مشجعة للاستثمار لتطوير حقل مخيزنة الضخم، ومن المتوقع ارتفاع الإنتاج من 10 آلاف برميل يوميا إلى 15 ألف برميل يوميا في سنة 2012. وبفضل هذه المبادرات، ارتفع إنتاج عُمان مجددا إلى أكثر من 800 ألف برميل يوميا في عام 2009. وأوضح التقرير إلى أن الأمثلة السالفة الذكر تظهر أنه لا يوجد بالضرورة إطار موحد لتصميم النظام المالي والضريبي الملائم، فالتركيبة الملائمة للحوافز والخيارات ستختلف بحسب البلد. لكن في جميع الأحوال، يتعين على شركات النفط الوطنية المملوكة للحكومات وشركات النفط العالمية أن تعيد النظر بشكل أساسي في علاقاتها وتقر بأنها تواجه تحديا مشتركا بهدف ضمان حصول الاقتصاد العالمي على ما يحتاجه من النفط والغاز.

وتابع تقرير «بوز أند كومباني» العالمية أن النظام المستقر يعتبر الذي من الممكن توقعه والذي يقدم قاعدة طويلة الأمد للاستثمار ويكون قادرا على تكييف التحديات والنتائج التقنية غير المتوقعة أساسيا في ضمان تحقيق شركات النفط الوطنية أهداف الاستفادة لأقصى حد من قيمة مواردها بما يسمح بتنويع اقتصاداتها، وفي حصول شركات النفط العالمية على حصة عادلة من العوائد على استثماراتها، بما يمكّن الجانبين من العمل بلا تعقيدات بهدف تحقيق الهدف المشترك القاضي بتأمين النفط الذي يحتاجه العالم لتلبية الطلب المتنامي.