كيف تختار المستشار المالي المناسب؟

اختياره قد يكون بنفس درجة خطورة اختيار طبيب

TT

ربما تغلق البورصة تعاملاتها مسجلة أعلى ارتفاع وصلت له خلال ثلاث سنوات، ولكن آثار ما حدث منذ بداية 2008 ما زالت عالقة بالأذهان. ومن ثم، ربما يعد اتخاذ قرار باختيار مستشار مالي جديد أو التمسك بالمستشار القديم مقلقا على وجه الخصوص. فكيف يمكن للمستثمرين معرفة ما إذا كانوا سيحصلون على استشارة جيدة أم لا؟ وإذا ما استعانوا بمستشار مالي جديد، فكيف يمكنهم التأكد من أنه سيكون أفضل ممن سبقه؟

في ما مضى، كان هناك عدد قليل للغاية من الأفراد الذين يمكن استشارتهم في ما يتعلق بالمستشار المالي المناسب الذي يمكنهم اختياره. ولعب المحاسبون والمحامون هذا الدور في هذا الصدد، على نحو حذر. إلا أنهم كانوا يقدمون اثنين أو ثلاثة من المستشارين ويتركون القرار النهائي للمستثمر.

والآن، أنشأ دوغلاس بلاك، خبير في مجال السمسرة والوساطة عمره 30 عاما، شركة تسمى «سبرينغ ريف بارتنرز» ستتولى مهمة فحص المستشارين الماليين واختيار المناسبين منهم للأسر الثرية. وعلى الرغم من أن حجم الثروة المطلوب أن يتمتع بها المستثمر للاستفادة من استشاراته كبير، من 5 ملايين دولار إلى 50 مليون دولار، فإن أسلوبه قد يساعد هؤلاء الذين يعتزمون تقدير المستشار المالي لتلبية احتياجاتهم. وربما تكون استشارته موجهة للأثرياء، لكن أي شخص لديه أموال يرغب في استثمارها يمكنه انتهاج ممارساته.

ويقول بلاك: «لا تقوم الشركات بمهمة التوفيق بين قدرات المستشار المالي والإمكانات المادية للعميل بشكل جيد». وأضاف: «لم يسحبوا البساط من تحت أقدام المستشارين في تحديد أي من المستشارين سيعمل مع أي من العملاء».

ويدخل بلاك، الذي بدأ حياته المهنية كمستشار مالي وتركه بعد أن وصل إلى منصب مدير العمليات بشركة «يو بي إس» لإدارة الثروات في 2010، هذا المجال في وقت مناسب، فالمستثمرون في حالة من القلق بشأن احتمال اتخاذهم الاختيار الخاطئ.

وذكرت تشارلوت بي بيار، المؤسسة والرئيسة التنفيذية لمعهد المستثمرين الاختصاصيين، أن أعضاء المؤسسة يقومون الآن بفحص عدد يتراوح من 8 إلى 10 مستشارين، في الوقت الذي اعتادوا فيه مقابلة مستشارين أو ثلاثة فقط على الأكثر.

وقالت بيار: «هذا اختلاف كبير ويتطلب تخصيص وقت أكبر».

وعلى الرغم من أن المستثمرون الأثرياء ربما جنوا مكاسب ضخمة ويفهمون بكل تأكيد مدى تعقد العالم، فإن لديهم المخاوف نفسها التي تختلج أي شخص آخر تجاه انتقاء الاختيار الخاطئ. إذن، كيف تنتقي المستشار المناسب دون أن تصيبك حالة من الارتباك؟

وبعيدا عن حجم ثروة المستثمرين، فإنهم يقعون في الأخطاء نفسها عند اختيار المستشارين الماليين. وربما يكون الاستماع إلى اقتراحات أفراد الأسرة والأصدقاء بشأن إدارة الأموال أو، الأسوأ من ذلك، انتقاء أفراد من الأسرة أو أصدقاء للقيام بهذه المهمة، فكرة سيئة. أولا، لا يوجد ارتباط بين شعورك تجاه شخص ما وقدرة هذا الشخص على القيام بمثل هذه المهمة على نحو جيد. ولتتذكر جميع من شعروا بالإعجاب ببرنادرد إل مادوف. ثانيا، الاستعانة بصديق أو قريب لأداء هذه الخدمة يجعل الاستغناء عن خدماته أمرا صعبا.

الاندفاع في القيام بهذه العملية خطأ آخر. ويمكن أن يكون اختيار مستشار مالي بنفس درجة خطورة اختيار طبيب، وهو عمل يتطلب بالضرورة قدرا من الوقت أكبر من ذلك الذي يتطلبه انتقاء لون طلاء. غير أنه بالنسبة للكثير من المستثمرين، حتى هؤلاء الذين تعين عليهم من قبل اتخاذ قرارات صعبة في مجال عملهم، يكون عملا ممتعا تماما كمشاهدة هذا الطلاء يجف على الحائط.

وقال جيم غرابمان، صاحب شركة «فاميلي ويلث» للاستشارات، التي تعمل مع المستشارين الماليين: «لا يجري الناس مقابلات شخصية مع العدد الكافي من الأفراد». وأضاف: «يأخذون بمقترحات شخص آخر. فما يصلح لصديقك أو زميلك ربما لا يكون أفضل اختيار لك».

والاعتماد على شركة صاحبة اسم مميز ربما يكون سيئا تماما، كالاستعانة بشخص تعرفه. غير أن اختيار شركة صغيرة، اعتقادا أن الحجم الأصغر يعني توجيه مزيد من الاهتمام للعملاء ربما يسبب مشكلات مماثلة.

وقال بلاك: «في اعتقادنا أن هناك مستشارين متميزين منتشرين بمختلف الجهات، غير أنه لا توجد شركات كبرى في هذا المجال».

ويعتبر اختيار مستشار عبئا كبيرا تماما كاختيار زوج: فأنت ترغب بالفعل في أن تستمر علاقتك معه للأبد، وأن تكون مفيدة ومرضية، ولكن إذا حدث أن انهارت العلاقة، فلن ترغب في أن يعود عليك ذلك بالضرر.

يقول بلاك، الذي تتلقى شركته رسما ثابتا أو نسبة ثابتة من الأصول مقابل استمرار القيام بدورها الرقابي، إنه طرح 18 سؤالا على جميع الشركات العاملة في مجال الاستشارات المالية و17 سؤالا على المستشارين. وبالنسبة للشركات، تعلقت بعض الأسئلة الرئيسية بأسلوب عمل المؤسسة وخبرتها وإجراءاتها المتبعة في إدارة المخاطر، بالإضافة إلى كيفية تعاملها مع أي مشكلات تظهر على السطح.

أما عن المستشارين، فتتمثل المعايير في مزيج من القواعد والأسئلة المحددة، فهو لن يعمل مع أي مستشار تقل خبرته عن سبع سنوات. وقد كان أحد الأشياء التي اكتشفها أثناء عمله في شركة «يو بي إس» أن الأمر استغرق من أي موظف مالي سبع سنوات على الأقل كي يثبت نفسه. وذكر أنه رغب أيضا في التأكد من أن الشركة التي يعمل بها المستشار المالي لديها خبرة واسعة بالعملاء الذين يماثل حجم ثرواتهم حجم ثروة العميل الذي يتعامل معه.

إلا أنه ذكر أن القيمة التي تضيفها شركته لعملية الاختيار ربما تكمن في الأسئلة التي ليست لها إجابات بسيطة بنعم أو لا. وتوجد قائمة بالمعايير السبعة عشر الخاصة باختيار المستشارين على الموقع الإلكتروني الخاص بالشركة.

وتمثل إحدى الإحصاءات البسيطة التي يراجعها في مقدار المبلغ الإضافي الذي يطلب العملاء الحاليون للمستشار إدارته. وذكر بلاك أن معظم الأفراد شديدي الثراء استعانوا بعدة مستشارين على مدار فترات حياتهم المختلفة. إلا أن المستشار المالي الذي يقوم بمهمته على الوجه الأمثل، في مقابل الصديق الذي يعرفونه من فترة المدرسة الثانوية، هو الذي سيحصل على الأموال الجديدة التي يستثمرونها.

غير أنه حتى المحامون والمحاسبون الذين ينتهجون الأسلوب التقليدي المتمثل في عرض مقدمات على المستشارين الأثرياء يدركون حقيقة أن تعقد كل من الاستثمارات الفردية والاقتصاد العالمي يتطلب مزيدا من الآراء وليس عددا أقل منها.

وأشار ديفيد سكوت سلون، الرئيس المشارك لقسم خدمات إدارة الثروات الخاصة بشركة الاستشارات القانونية «هولاند آند نايت»، إلى أنه شجع العملاء أصحاب الثروات الضخمة على تشكيل لجان من المستشارين. ويساعد هذا في اختيار مستشارين جدد، غير أنه يسهل أيضا عملية استبعاد مستشار سابق. وقال: «بجمع مجموعة من المستشارين معا، ستكشف الصلة الضعيفة عن نفسها». وأضاف: «على الرغم من أنه ربما يكون صديقا، فإن هذه فائدة وجود فريق من المستشارين».

وفي الوقت الذي يمكن أن يكون الخبراء فيه على خطأ، عادة ما ينتقي المستثمرون المستشارين الذين يروقون لهم بشكل شخصي، سواء كان هؤلاء المستشارون يتمتعون بأفضل مهارات إدارة الأموال المثلى أم لا.

وعليك قبول أن هذا سوف يحدث. قال جي. سكوت بادج، المدير الإداري لشركة «راي لاين» الاستشارية، المتخصصة في تقديم الاستشارات المالية للأسر الثرية: «ما تبحث عنه هو شخص لديه نفس قناعاتك». وأضاف: «نحن نعلم من خلال كوننا نزاعين للشك في كل شيء يقنعنا بأن ثمة طرقا عدة لتحقيق هذا الهدف، وجميعها لا تجدي نفعا في موضع ما. ليس الأمر هنا متعلقا ببلوغ حد الكمال. بل بإيجاد علاقة جيدة».

ربما يبدو هذا مشابها لقبول فكرة أن الطبيعة البشرية ستكون عرضة مرة أخرى لتقلبات السوق. وتقول باير، من معهد المستثمرين الاختصاصيين، إنه من وسائل تقليل تأثير الشخصية إعداد مخطط بسيط لتقييم مميزات وعيوب كل مستشار مالي يتم إجراء مقابلة معه.

ويقدم آخرون نصيحة ضد فكرة أن يتم إدخال المستشارين في منافسة ضد بعضهم بعضا، من خلال منح كل واحد منهم مبلغا من المال لاستثماره، وتحديد المستشار المالي الذي حقق أفضل عائد.. قال غروبمان: «يتحمل الناس عددا هائلا من العلاقات السيئة، نظرا لاعتقادهم أن عليهم تحقيق مستويات أداء أعلى». وأضاف: «ما نراه عند انخفاض الأسعار أنه بمجرد أن يهبط مستوى الأداء، تنهار العلاقة. فالأداء الاستثماري لا يشار إليه على أنه ناجح إلا عندما يكون ممتازا ووصل إلى مستوى القمة، وهذا أمر لا يمكن الحفاظ عليه».

ويتمثل أحد المقاييس الموضوعية لتقييم مستشار في الفارق بين ما هو مأمول وما يتم تقديمه فعليا. ويطلق بلاك على هذا مسمى «فجوة المبيعات». ويسمح هذا للعملاء بتقييم مدى تحقق الوعود التي قدمها لهم أحد المستشارين الماليين، عندما يطلب منهم تقييمها.

ولأن بعض الفجوات ستظل دائما موجودة، فإنه يتعين على المستثمرين أن يبقوا في حالة من الحذر والاحتراس، حتى وإن فضلوا القيام بأي عمل آخر.

* خدمة «نيويورك تايمز»