من يعالج آثار برامج توفير المساكن؟!

سعود الأحمد

TT

تعودنا في الدول النامية على القرارات التصحيحية والإصلاحات الإدارية، لأننا (وبحسب ثقافتنا) لا نتعامل مع قضايانا ومشاكلنا بأسلوب وقائي استباقي (Proactive)، وإنما ننتظر حتى تتفاقم الأمور وتصل إلى مستوى الأزمة، ثم نلتفت لحلها (كالمعتاد) كردة فعل (Reactive)!. ومشكلة هذا النهج أن له آثارا وانعكاسات سلبية، نضطر في النهاية إلى قبولها وتطبيعها.. رغم ضخامة تكلفتها على الاقتصاد الوطني والمواطن!. يلازم ذلك تنصل (مؤسف) من لدن معظم الجهات الرسمية من مسؤوليتها لمساندة هذه القرارات لإنجاحها كي تحقق أهدافها بأعلى قدر من الفعالية وأقل قدر من التكاليف!!!.

وأضرب على ذلك مثلا.. الأوامر التي صدرت لتوفير السكن للمواطن السعودي. وأخص منها توفير خمسمائة ألف وحدة سكنية وتسهيل إجراءات التقديم على قروض الإسكان ورفع مبلغه من ثلاثمائة ألف إلى خمسمائة ألف ريال. وانعكاسها السلبي على سوق البناء من ارتفاع لأسعار المواد والعمالة!. لأن هذه القرارات تبعتها زيادة في الطلب على مواد البناء والعمالة، ارتفعت معه أسعار المواد بشكل مبالغ فيه، رافقه عجز في توفر العمالة المدربة بالعدد الكافي لتغطية الطلب.. مما رفع من تكاليفها وتسبب في تدني مستوى تنفيذ أعمال البناء!. في ظل تقاعس الجهات المعنية عن أداء واجباتها.. ومنها وزارة التجارة والصناعة ووزارة العمل وعجز المؤسسة العامة للتدريب المهني عن توفير العمالة الوطنية.

فمعظم الأسعار ارتفعت.. وفي طريقها إلى تواصل ارتفاعها.. ليصبح علاجنا لمشكلة توفير السكن يقابله خلق مشكلة تتمثل في تضخيم الأسعار، آخذين بالاعتبار أنه ليس كل مواطن يقوم (حاليا) ببناء سكن هو ممن استفاد من هذه القرارات!. بمعنى أن برامج الحكومة لتوفير السكن جاءت لمصلحة فئة معينة، لكن آثارها السلبية انعكست على كافة المجتمع والاقتصاد الوطني!. وحتى لا نوصف بالحديث عن عموميات، أضرب مثالا على ذلك سلعتين أساسيتين في البناء هما: أسلاك تربيط حديد التسليح وأنابيب تمديد الكهرباء. فهاتان السلعتان (وبالصدفة) أسعارهما متقاربة من بعضهما.. وقد كانتا قبل شهرين بسعر يقارب اثنين وثلاثين ريالا للربطة أو اللفة، وهذه الأيام وصلت إلى ما بين الخمسة وأربعين وخمسين ريالا!!. فأين حماية المستهلك (التي تذكر) لتعمل على إنجاح برامج الحكومة لتوفير السكن للمواطن؟!. لماذا لا تتعامل مع هذا الأمر؟!. نحن نعرف أن أسعار هاتين المادتين لم تتحرك بعامل خارجي ولا بمشكلة تقنية أو ندرة.. لكنه استغلال ضعاف النفوس من التجار المنتهزين لفرصة الثراء على حساب الوطن والمواطن. وبنفس المعيار: ماذا صنعت وزارة العمل لتوفير عمالة تلبي حاجة زيادة الطلب؟!. أليس من المتوقع أن يزداد الطلب على العمالة؟!، أم أن البديل هو العمالة الحرة أو المتجولة!؟.

وملخص المشكلة.. أننا نفتقد روح العمل الجماعي بين الجهات الرسمية والهيئات المتخصصة!. وهناك اتكالية في إنجاح استراتيجيات الحكومة، يقابله عزوف من الغرف التجارية والصناعية عن التعاون مع الجهات الرسمية في توظيف خبراتها ومعلوماتها ومعطياتها الأخرى لخدمة المواطن والاقتصاد الوطني!. لأن الواضح أن نظرة الأعضاء الفاعلين في مجالس إدارات الغرف منصبة على مصلحة رجال العمال الذين هم منهم.

*كاتب ومحلل مالي