اقتصاديون: سياسة البنك الاحتياطي الفيدرالي لدفع عجلة الاقتصاد الأميركي مخيبة للآمال

يعتقدون أن فوائدها كانت محدودة إلى حد كبير

TT

ساهمت جهود المصرف الاحتياطي الفيدرالي التجريبية الهادفة إلى إنعاش الاقتصاد عن طريق شراء كميات ضخمة من الديون الفيدرالية في إنعاش البورصة وقللت تكلفة الصادرات الأميركية، كما أتاحت للشركات اقتراض الأموال بأسعار فائدة أقل.

غير أن معظم الأميركيين لا يشعرون باختلاف، وأحد أسباب ذلك أن تلك المزايا كانت محدودة إلى حد كبير. وفي حقيقة الأمر، تشير التقديرات الأخيرة التي أجراها الاقتصاديون إلى أن سرعة تعافي الاقتصاد من الأزمة المالية العالمية قد تباطأت منذ شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، حينما بدأ المصرف الاحتياطي الفيدرالي شراء سندات خزانة بقيمة 600 مليار دولار لضخ دولارات خاصة في الاستثمارات التي تخلق فرص عمل.

ويقول عدد كبير من الاقتصاديين إن النتائج المخيبة للآمال تبرز حدود قدرة البنك المركزي على الخروج بالأمة من هذه الضائقة الاقتصادية.

فيرى مارك توما، أستاذ الاقتصاد بجامعة أوريغون، متحدثا على وجه الخصوص عن برنامج شراء السندات: «من الجيد إيقاف الهبوط، ولكن فيما يتعلق بتحويل الأمور عن وجهتها فعليا ودفع الانتعاش الاقتصادي، لا أعتقد أن السياسة المالية لديها تلك القدرة».

ويؤكد بيرنانكي وأنصاره أن عمليات الشراء قد حسنت الظروف الاقتصادية، غير أنها لم تقض على المخاوف من التضخم، نمط من انخفاض الأسعار يمكن أن يؤجل عمليات الشراء ويوقف النمو. وقد ارتفع معدل التضخم، الذي يعتبر مفيدا في تحقيق الاعتدال، ليقترب من المعدلات الصحية منذ أن بدأ المصرف الاحتياطي الفيدرالي في شراء السندات.

وقال بيرنانكي في حديث له يوم الجمعة، أدلى فيه برأي كرره بعد ذلك أكثر من مرة: «حققت هذه الإجراءات التأثيرات المتوقعة على الأسواق، وبهذا، تدعم خلق فرص عمل جديدة، كما تدعم الاقتصاد».

غير أن النمو ما زال بطيئا، وما زالت الوظائف نادرة، ومع انتهاء عمليات شراء الديون في شهر يونيو (حزيران)، يتعين على المصرف الاحتياطي الفيدرالي الآن أن يقرر الإجراء الذي يعتزم اتخاذه بعد ذلك.

يعمل المصرف الفيدرالي على تشجيع النمو بشكل عام من خلال خفض أسعار الفائدة. وخلال الأوقات العادية، يقلل المصرف من أسعار الفائدة قصيرة الأجل وتنتقل تأثيرات مثل هذا الإجراء إلى الأنواع الأخرى من الاقتراض مثل سندات الشركات وقروض الرهن العقاري. ولكن مع اقتراب أسعار الفائدة قصيرة الأجل من الصفر منذ ديسمبر (كانون الأول) 2008، حاول المصرف الاحتياطي الفيدرالي استهداف أسعار الفائدة طويلة الأجل مباشرة عن طريق دخول السوق وعرض قبول عائدات أقل.

قصر المصرف الاحتياطي الفيدرالي برنامج شراء السندات بمبلغ 600 مليار دولار نتيجة تعرضه لضغط سياسي كبير. وفي الوقت الذي يبدو فيه ذلك مبلغا ضخما، فإن عمليات الشراء لم تتماش مع إصدار الحكومة لدين جديد، وبالتالي، فقد ضاع الجهد المبذول هباء. ويشير عدد كبير من الأبحاث إلى أنه كان من الممكن أن يكون للمصرف الفيدرالي تأثير أكبر بإنفاق المزيد من الأموال على شراء نطاق واسع من أنواع سندات الدين، مثل سندات الرهن العقاري، مثلما فعل في بادئ الأمر.

وفي الوقت نفسه، ترى مجموعة من منتقدي هذه السياسة أن المصرف الاحتياطي الفيدرالي قد تجاوز حدود الإنفاق، مما أدى إلى تكون محفظة استثمارات تقدر بأكثر من تريليوني دولار التي ربما تعوق قدرة البنك المركزي على رفع أسعار الفائدة للحد من التضخم. ويرى بعض هؤلاء المنتقدين ارتفاع سعر البترول وسلع أخرى مؤشرا ينذر بارتفاع عام في الأسعار.

قال تشارلز إل بلوسر، رئيس المصرف الاحتياطي الفيدرالي في فيلادلفيا وأحد الأعضاء العشرة في مجلس وضع السياسات التابع للمصرف: «لم أكن من أشد المعجبين بهذه السياسة في المقام الأول». وأضاف: «لم أعتقد أن مثل هذه السياسة سيكون لها تأثير كبير، كما أنها زادت تعقيد استراتيجية الخروج من الأزمة. وما شهدناه لم يغير من رأيي».

كان قرار المصرف الاحتياطي الفيدرالي بشراء السندات، المعروف باسم التخفيف الكمي، محاكاة البنك المركزي في اليابان، التي بدأت شراء السندات في 2001 سعيا لخفض معدل التضخم.

نجح النموذج الأميركي في البداية. فخلال الفترة من نوفمبر 2008 حتى مارس (آذار) 2010، قام المصرف الاحتياطي الفيدرالي بشراء سندات رهن عقاري وسندات خزانة، تقدر قيمتها بأكثر من 1.7 تريليون دولار، مما أدى إلى خفض أسعار الرهونات العقارية وكذلك تقليل تكاليف الاقتراض للشركات المعروفة بنحو نصف في المائة، حسب دراسات كثيرة. ويحقق هذا مدخرات سنوية قيمتها 5 ملايين دولار لكل مليار دولار يتم اقتراضه.

ومع انتعاش الاقتصاد الصيف الماضي، أشار بيرنانكي في خطاب ألقاه في شهر أغسطس (آب) إلى أن المصرف الفيدرالي سوف يبدأ حلقة ثانية من إجراءات التخفيف الكمي، التي سرعان ما أصبحت تعرف بالاختصار QE2. وكانت الاستجابة الأولية مماثلة: ارتفعت أسعار الأصول وانخفضت أسعار الفائدة، كما هبطت قيمة الدولار.

لكن كون هذه الحلقة من الإجراءات أكثر محدودية وتركيزها على سندات الخزانة فقط، فقد ظهرت معها أيضا مشكلة انخفاض العائدات. وقللت دورة عمليات الشراء الأولى تكاليف الاقتراض بإقناع المستثمرين القلقين بقبول علاوات مخاطر أقل. ومع اقتراب الأسواق من العودة إلى حالتها الطبيعية، حذر بيرنانكي في حديثه في أغسطس من أنه لم يكن من الواضح ما إذا كان المصرف الاحتياطي الفيدرالي سيحقق نجاحا مماثلا في إقناع المستثمرين بقبول معدلات عائد أقل أم لا. وقال: «يبدو من المحتمل أن تكون لعمليات الشراء هذه آثار أكبر أثناء فترات الضغط الاقتصادي والمالي».

ويقول المصرف الاحتياطي الفيدرالي إن توقعاته قد عززتها هذه الحقائق، لكن على الرغم من ذلك، فقد خفض البرنامج العائدات على سندات الخزانة طويلة الأجل بنسبة 0.2 في المائة مقارنة بالنسب التي كان سيطلبها المستثمرون في غياب إجراءات المصرف الاحتياطي الفيدرالي. ويعتبر هذا هو التأثير نفسه تقريبا الذي كان من المحتمل أن يحققه البنك المركزي بخفض معدله الإرشادي المقدر بنسبة 0.75 في المائة، وهو الإجراء الذي سيعتبر عنيفا في الأوقات العادية.

غير أن بعض الاقتصاديين يقولون إن البرنامج الجديد كان له تأثير أقل على الاقتصاد بمفهومه الأوسع، من ذلك التأثير الذي كان يمكن تحقيقه باتباع الإجراء المعتاد الممثل في خفض أسعار الفائدة قصيرة الأجل. وتوقع المصرف الاحتياطي الفيدرالي أن يجبَر المستثمرون على شراء أنواع أخرى من الديون، على النحو الذي يقلل أسعار الفائدة بالنسبة لمقترضين آخرين. غير أنه قد زاد كم سندات الخزانة المتاحة للمستثمرين منذ نوفمبر، نظرا لأن إصدارات سندات الدين الحكومية الجديدة تجاوزت عمليات شراء السندات التي قام بها المصرف الاحتياطي الفيدرالي.

وكشفت دراسة نشرت في فبراير (شباط) عن أن معدلات الفائدة انخفضت، ولكن فقط بالنسبة للشركات ذات التصنيف الائتماني المرتفع. وكتب أرفيند كريشنامورثي وأنيت فيسينغ يورغنسن، أستاذا المالية بجامعة نورث ويست: «لم تتأثر أسعار الفائدة المرتبطة بدرجة كبيرة بالمنازل وبالكثير من الشركات - أسعار الفائدة على سندات الرهن العقاري وعلى سندات الشركات الأدنى مستوى - بدرجة كبيرة بالسياسة النقدية.

وثمة دليل آخر على النجاح المحدود لسياسة المصرف الاحتياطي الفيدرالي، تتمثل في عدم ارتفاع معدل الاقتراض بشكل ملحوظ، مما يشير إلى أن الشركات - التي تحقق أرباحا قياسية - لا ترى فرصا حتى الآن للقيام بمزيد من الاستثمارات. وإلى أن تقوم بهذا، يرى بعض الاقتصاديين أن المصرف الفيدرالي سيستمر في تطبيق سياسته.

وقال مايكل ليفي، الاقتصادي البارز في «بنك أوف أميركا»: «ما الذي فعله؟ لقد خفف شروط الائتمان، لقد حرك البورصة وخفض قيمة الدولار». لكنه تساءل قائلا «لكن هل سيوفر المصرف الفيدرالي الذي يقوم بشراء سندات الخزانة وتغيير برامج جدولة الديون بالفعل المزيد من الوظائف بشكل دائم؟».

* خدمة «نيويورك تايمز»