مصر: القروض السياسية تثير جدلا بعد اتهام أحد البنوك بالتعامل مع رجال أعمال مقربين من نظام مبارك

«إتش إس بي سي»: معاملاتنا كانت تحت إشراف الهيئات الرقابية

أحد أفرع «إتش إس بي سي» في مصر أثناء ثورة «25 يناير»
TT

قال بنك «إتش إس بي سي» (HSBC) ردا على انتقادات صحافية وجهت إليه لتورطه في صفقات مع رجال أعمال مقربين من الرئيس المصري السابق، حسني مبارك، إن معاملاته في مصر كانت تحت إشراف ورقابة الهيئة العامة للرقابة المالية في القاهرة ولندن، وإنها خضعت لجميع معايير الرقابة والحوكمة، وقد روعي فيها قواعد الإفصاح والشفافية مع مراعاة الأحكام والقوانين المعمول بها في مصر. بينما وجه مصرفيون انتقادات للبنوك التي تعاملت مع رجال أعمال مرتبطين بالنظام السياسي، مشيرين إلى أن البنوك يجب أن تبتعد بشكل عام عن «القروض السياسية» لما تحمل من مخاطر عالية.

وتناولت وسائل الإعلام المصرية تقريرا لصحيفة «الغارديان» البريطانية يشير إلى أن بنك «إتش إس بي سي» ساعد مطورين عقاريين مقربين من النظام السابق في جمع صفقات بقيمة أكثر من 450 مليون جنيه إسترليني (نحو 4.5 مليار جنيه مصري)، ويواجه هؤلاء حاليا اتهامات بالفساد.

وأشار التقرير إلى إن الشركتين اللتين أمن البنك حصولهما على ملايين الجنيهات هما «مجموعة طلعت مصطفى» وشركة «بالم هيلز»، وكل من الشركتين تواجهان دعاوى قضائية لإلغاء عقود أراض حصلوا عليها بطرق غير قانونية.

وقضت محكمة مصرية، أواخر الشهر الماضي، ببطلان عقد أرض شركة «بالم هيلز» البالغة مساحتها 930 ألف متر وتمثل 2 في المائة من إجمالي مساحة الأراضي التي تمتلكها الشركة، وتستأنف الشركة هذا الحكم حاليا.

كما قالت شركة «بالم هيلز» في بيان لها، أمس، إنه تم فسخ عقود تخصيص أرض لإحدى شركاتها التابعة وهي «الشرق الأوسط للاستثمار العقاري» على مساحة 9.36 مليون متر مربع، وقالت «بالم هيلز» إن هذه الأرض فراغ ولم يتم تخطيطها أو تطويرها أو طرحها للبيع، لذا فإن تأثير الإلغاء على موقف الشركة المالي هو تقليل حجم أقساط الأراضي المدفوعة للدولة.

وقال بنك «إتش إس بي سي» إنه لم يقدم أي قروض أو تسهيلات ائتمانية لشركتي «بالم هيلز» و«طلعت مصطفى القابضة»، وإن دوره كان متلقي الاكتتاب بالنسبة للأولى واستشاريا للطرح بالنسبة للثانية.

وأشار البنك إلى أنه قام بدور مدير الإصدار بالتعاون مع بنوك قومية أخرى لتوريق سندات لمحفظة قروض «البنك العقاري المصري العربي» الخاصة بتمويل هيئة تعاونيات البناء والإسكان، لدعم قدرة البنك على منح قروض عقارية جديدة عقب إتمام عملية التوريق والتوسع في تمويل نشاط الإسكان المتوسط.

وأشار تقرير «الغارديان» إلى أن البنك كان أكثر البنوك الأوروبية نشاطا في مصر، كما أصبح عضوان من مجلس إدارته وزيرين للدولة في 2004، وهما وزير الاستثمار السابق محمود محيي الدين، ورشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة المصري، وأصبحا يشرفان على مبيعات الأراضي وبرنامج الخصخصة في نظام مبارك.

ورد البنك على ذلك بأن «المسؤولين السابقين كانا عضوين غير تنفيذيين في مجلس إدارة البنك خلال الفترة من 2001 حتى 2004، ولم يكن لهم دور تنفيذي، واقتصر دورهما على حضور اجتماعات مجلس الإدارة ربع السنوية بصفتهما غير التنفيذية، ثم انتهت صفتهما تماما بتقديمهما استقالتهما في عام 2004».

وقال مسؤول مصرفي لـ«الشرق الأوسط»، رفض الإفصاح عن نفسه، إن ما قام به بنك «إتش إس بي سي» - مصر، يعتبر خطأ فادحا بالنسبة لبنك عالمي، فاستراتيجية البنوك بشكل عام تقوم على تجنب التعامل مع رجال أعمال مرتبطين بالسياسة في ما سماه بـ«القروض السياسية».

وتابع: «على الرغم من أن البنك لم يقدم قروضا سياسية للشركتين اللتين تناولهما التقرير، فإنه روج للاكتتاب لشركتين يمتلكهما رجال أعمال مقربين للنظام السابق، والفترة الماضية أثبتت كيف حصلت تلك الشركات على الأراضي».

وأضاف: «البنك كان مستشارا لعملية طرح أسهم شركات عقارية متورطة في حصول على أراض بطرق غير مشروعة، ويعد هذا تورطا أيضا في هذه القضية، فمستشار الطرح عادة ما يعلم كافة الأمور المتعلقة بالشركة وكيفية حصولها على أراض، فيقوم بعمل فحص ناف للجهالة من قبل القانونيين، ثم فحص آخر من قبل المحاسبين، ويقوم بدراسة كاملة لكل عمليات الشركة التي سيتم طرحها للاكتتاب العام للجمهور».

ويشير خبراء إلى أن القطاع المصرفي في مصر به تضارب مصالح كثيرة، وعانى خلال الفترة الماضية من هذا التضارب نتيجة لتدخل كبير من قبل جمال مبارك نجل الرئيس السابق في هذا المجال.

وأشاروا إلى أنه يجب استبعاد رؤساء مجلس إدارة البنوك من لجنة السياسات النقدية في البنك المركزي، فهذا الإجراء لا يحتاج إلى تعديل القانون لتنفيذه، فهذا تضارب واضح في السياسات والمصالح.

وكان البنك المركزي المصري قد أعلن في مارس (آذار) الماضي أنه يدرس تعديل قانون البنك المركزي والقطاع المصرفي والنقد.

وقال المسؤول المصرفي إن عبد السلام الأنور، رئيس مجلس إدارة بنك «إتش إس بي سي» - مصر، يشغل حاليا عضوية مجلس إدارة البنك المركزي المصري، وعضو لجنة السياسات النقدية ولجنة التطوير المصرفي في البنك المركزي المصري، وعضو مجلس إدارة المعهد المصرفي المصري، كما يشغل حاليا عضو مجلس إدارة هيئة المجتمعات العمرانية، وهي الجهة المسؤولة عن منح أراض للمستثمرين بما يخالف قانون المزايدات والمناقصات، بالإضافة إلى عضويته غير التنفيذية في مجلس إدارة شركة «المقاولون العرب».

وأشار المسؤول إلى أن مصر ستواجه خلال الفترة المقبلة تعثرا من قبل رجال الأعمال، المسؤولين السابقين في الحكومة المصرية، بعد حصولهم على مليارات الجنيهات من بنوك مصرية، وقال: «الآن ضمانات البنوك للقروض هي الأصول، أتوقع أن تتعثر البنوك التي كانت تقوم بمنح (القروض السياسية) في الحصول على مستحقاتها، وستدخل البنوك المصرية مرة أخرى في مشكلة تصريف الأصول التي ستؤول إليها من عملية تسوية مديونية العملاء التي ما زال بعضها يعاني منها حتى الآن من عهد سابق».