تقلبات الفضة أثارت قلقا في العالم

هيئة البورصة الأميركية تضع قيودا للحد من ارتفاع أسعار السلع

TT

في الخامس والعشرين من شهر أبريل (نيسان) الماضي، اجتمع نحو اثني عشر مسؤولا من مجموعة «سي إم إي»، التي تدير عددا من بورصات السلع داخل الولايات المتحدة، من خلال مكالمة فيديو لمناقشة الزيادة الكبيرة في أسعار الفضة، التي كانت قد تضاعفت خلال ستة أشهر فقط لتصل إلى 47 دولارا للأوقية. لم يدركوا ذلك، ولكنهم كانوا على وشك اتخاذ أول خطوة تجاه تفجير فقاعة في أسعار السلع العالمية.

وكان المسؤولون يشعرون بالقلق إزاء التدافع على المضاربة وزيادة التقلب في أسعار الفضة، ورأى المسؤولون أنه حان الوقت لزيادة كمية الأموال التي يجب أن يضعها المشترون والبائعون كضمان لتأمين عملياتهم. وطبقت أول زيادة في ما يعرف باسم متطلبات الهامش خلال اليوم التالي، مما رفع التكلفة على المضاربين وأنواع أخرى من المتداولين للعمل داخل السوق.

ولكن استمر السعر في الارتفاع، ليصل إلى قرابة 50 دولارا للأوقية في 28 أبريل الماضي، وعلى مدار الأسبوع التالي تقريبا، قررت البورصة أن ترفع متطلبات الضمان إلى معدل أكبر، في أربعة إجراءات إضافية خلال يومين. وفي النهاية توقفت أسعار الفضة عن صعودها، وشهدت انخفاضا كبيرا. وفي يوم الخميس الماضي، وصل الأمر إلى عدد كبير من السلع، من بينها القهوة والقطن والنفط، فيما كان بعض المستثمرين يدرسون التراجع في الفضة واتجاهات عالمية لمعدلات الفائدة وأخبارا اقتصادية أخرى، وخلصوا إلى أن الطفرة في أسعار السلع التي استغرقت عاما تنتهي.

ويقول ريتشارد فيلتس، نائب رئيس البحث في «آر جاي أوبرين» التي تعمل في مجال سمسرة السلع: «بدأت الاهتزازات التي شهدتها الفضة تؤثر على كل السلع الأخرى». وشهدت الفضة نهاية الأسبوع تراجعا نسبته 27 في المائة. وتراجع النفط الخام بمقدار 15 في المائة، وشهدت معظم السلع الأخرى تراجعات حادة أيضا.

وتسعى بورصات البيع الآجل منذ أشهر إلى التكيف مع التحديات التي تطرحها زيادات متسارعة في الأسعار والتقلبات المفاجئة التي يشهدها كثير من السلع. واشتكى من يعتمدون على بورصات السلع من أجل اتقاء مخاطر في أنشطتهم، مثل المزارعين ومصنعي الغذاء وشركات التعدين، من أن زيادة المراهنة من جانب المضاربين جعلت من الصعب عليهم استخدام الأسواق.

وإلى جانب تغيير متطلبات الهامش، تتخذ بورصات خطوات أخرى كرد فعل على التقلب. وتستخدم بورصة «إنتركونتيننتال»، وهي منافسة لمجموعة «سي إم إي»، برامج كومبيوتر من أجل جعل الأسواق أكثر فعالية من خلال التوفيق بصورة أفضل في طلبات البيع والشراء في السكر وسلع أخرى. كما تبحث أيضا عن تعزيز أنواع عديدة من قواطع الدوائر الكهربية من أجل وقف أو إبطاء التداول خلال الفترات المتقلبة.

ويقول بعض اللاعبين في الأسواق إن البورصات تستخدم متطلبات الهامش من أجل تخفيض الأسعار. ولكن تقول البورصات إنها ليست أدوات لتحديد الأسعار.

وتقول كيمبرلي تايلور، رئيسة «سي إم إي كليرينغ»، التي لديها معاملات مالية في تعاقدات فضة آجلة وسلع أخرى، إن التغيرات في الهامش الأخيرة في ما يتعلق بالفضة كانت تهدف لتخفيض المخاطر للمستثمرين والبورصة.

وقد شهد معيار التقلب في أسعار الفضة اندفاعا كبيرا. وتقول تايلور: «هذه إشارة جيدة جدا على أن الخسائر التي يعانون منها بصورة يومية مستقبلا أعلى من الخسائر التي عانوا منها في الماضي».

ومع ارتفاع أسعار السلع، تقوم البورصات بصورة روتينية بزيادة متطلبات الهامش، التي تعمل كوديعة على التعاقدات محل البيع والشراء. وعندما تشهد الأسعار حركة سريعة صعودا أو هبوطا، تزيد من احتمالية أن بعض المتداولين سيكون عليهم تقديم مزيد من الضمانات بصورة غير متوقعة. وإذا لم يكن لديهم المال، فإن عليهم بيع مراكزهم.

ولا تعد الفضة، التي يجري تداولها في وحدة «كومكس» التابعة لـ«سي إم إي» داخل نيويورك، السوق الوحيدة التي زادت فيها متطلبات الهامش مؤخرا، حيث رفعت «سي إم إي» أيضا متطلبات الهامش على الذرة والنفط الخام والإيثانول ومنتجات أخرى. ورفعت بورصة «إنتركونتيننتال» هوامش الكاكاو في فبراير (شباط) ومارس (آذار) وأبريل (نيسان). وارتفعت هوامش القطن مرتين في شهر فبراير، ولكن الهوامش على تعاقد النفط الخام (برينت)، وهو النفط المعياري الذي يتم تداوله في لندن، ارتفعت 8 مرات خلال العام الحالي.

وحتى السكر الذي انخفضت أسعاره في فترات كثيرة من العام بعد الارتفاع الحاد في العام الماضي، انخفضت هوامشه في شهر مارس.

وتقول مجموعة «سي إم إي» إنها تغير الهوامش بانتظام؛ فعلى سبيل المثال، ارتفعت هوامش الفضة خمس مرات وانخفضت مرة واحدة في عام 2010، وارتفعت هوامش الذرة 36 في المائة في يوم واحد خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول).

وستوضع الزيادة الأخيرة في هوامش الفضة حيز التنفيذ بعد إغلاق السوق يوم الاثنين، مما سيرفع الهامش إلى 21.600 دولار لكل تعاقد آجل جديد، أي بنسبة 84 في المائة أعلى مما كانت عليه قبل أن تبدأ مجموعة «سي إم إي» في تطبيق الزيادات الأخيرة. ويغطي العقد الواحد 5000 أوقية تُرُويْ (أوقية تروي تعادل 31.10 غرام)، بقيمة تصل إلى نحو 176 ألف دولار بسعر إغلاق يوم الجمعة. (عادة ما تكون هوامش السلع أصغر بكثير من نسبة الـ50 في المائة المطلوبة للأسهم).

وقال فيلتس إن الزيادات المتكررة في هامش الفضة كانت علامة تحذير؛ «فعندما ترى سوقا تتجه إلى الارتفاع، ومستويات قياسية في السوق كما هي الحال مع الفضة وزيادات متعاقبة في الهامش، تعد هذه إشارة خطر لتجار السلع من ذوي الخبرة ومؤشرا مبكرا على أننا سنصل إلى مستويات أعلى».

ويقول ويلبر روس، وهو خبير مالي معروف عنه استثماراته في الأصول المتعثرة، إنه «من الواضح أن المضاربة في السلع قد خرجت قليلا عن السيطرة»، وأضاف: «من الواضح جدا أن المضاربات تزيد سعر برميل النفط بقيمة تتراوح بين 10 و20 دولارا، وربما هناك نسب مماثلة في السلع الأساسية الأخرى».

وعلى الرغم من أن العديد من واضعي السياسة في واشنطن، بدءا من الرئيس أوباما ونزولا لما بعد ذلك، يشكون من أن الزيادات في أسعار السلع الأساسية قد تذهب إلى مدى بعيد، فإنه لم يكن هذا بإيعاز مباشر من المنظمين بهدف رفع هوامش الفضة، حسب ما أعلنته مجموعة «سي إم إي». ولكن ستكون لدى المنظمين القدرة قريبا على وضع القواعد الخاصة بهم للمتاجرة في السلع الأساسية والمشتقات. وأعطى قانون «دود - فرانك» الذي صدر بعد الأزمة المالية عام 2008، هيئة تداول السلع الآجلة الحق في تغيير قواعد الهوامش ووضع حدود لمكافحة المضاربة المفرطة والتلاعب في الأسواق.

وقد اقترحت الهيئة قواعد خاصة من شأنها أن تقيد الحد الأقصى لعدد العقود التي من الممكن أن يتحكم فيها أي مستثمر أو شركة، ولكنها لم تقترح أي قواعد بشأن الهوامش، مفضلة التركيز بدلا من ذلك على عشرات من القواعد المالية الجديدة التي لا بد أن تضعها وفقا لتشريعات «دود - فرانك». ولكن الهيئة تواجه ضغوطا من قبل أعضاء في الكونغرس حتى تقوم بالعمل على متطلبات الهامش بسرعة أكبر. ويقود بيل نيلسون، السيناتور عن ولاية فلوريدا، مجموعة تضم نحو 12 عضوا من الديمقراطيين في مجلس الشيوخ الذين حثوا رئيس الهيئة، غاري غينسلر، على اتخاذ خطوات لرفع متطلبات الهامش على عقود النفط والسلع الأخرى. كما طالب أعضاء مجلس الشيوخ بالعمل بسرعة وألقوا باللوم على «وول ستريت والقطاع المالي» نتيجة للسعي إلى إطالة مدة عملية وضع القواعد وتأخير القواعد الجديدة أو إعفاء فئات كبيرة من السلع.

وفي نهاية المطاف، قد تكون الزيادات الأخيرة في هامش الفضة وبعض السلع الأخرى مجرد إشارة نفسية على أن سوق أسعار السلع المرتفعة قد بدأت تأخذ مجراها، وليست إشارة إلى فرض قيد مالي على معظم المضاربين.

وقال هيرمان كوهلمير، وهو وسيط سلع في مدينة «نيو أورليانز» والعضو المنتدب لشركة «مايكل جيه نوخنت آند كومباني»، إن الهوامش لم يكن لها أثر يذكر على المضاربين. وأضاف: «التجار ليسوا صغارا، إنهم ممولون بشكل جيد جدا ولديهم موارد مالية كبيرة جدا».

* خدمة «نيويورك تايمز»

* ساهم في التقرير إدوارد وايت وجولي كريسويل