كيف يمكن تجنب أزمة مالية عالمية في المستقبل؟

كبار مسؤولي المال والمصارف الأميركية شككوا في نجاعة القوانين القائمة

كينيث غريفنث الرئيس التنفيذي لمجموعة «سايتدال» أثناء إفاداته يوم الخميس امام الكونغرس حول نجاعة القوانين الجديدة في منع كارثة مالية (أ.ب)
TT

كانت المفارقة كبيرة؛ حيث كان ألان شوارتز، الرئيس التنفيذي السابق لشركة «بير ستيرنز» الذي اطلع على انهيارها الوشيك وخطة الإنقاذ التالية التي ساعدت الحكومة فيها، موجودا في مؤتمر مايكل ميلكين السنوي، وهو نسخة مصغرة من منتدى دافوس، يقام في منطقة الساحل الغربي لمسؤولي المال. وكان شوارتز يترأس لجنة النقاش خلال الأسبوع الماضي حول ما إذا الأمر قد انتهى إلى أنه من «الخطير جدا» أن يتعرض «قانون دود- فرانك» للفشل. وحتى منذ تمرير التشريع، سمعنا بشكل متكرر من متحدثين رسميين في واشنطن بأن القانون الجديد سوف يساعد في حمايتها من الاضطرار لإنقاذ أكبر مصارفنا خلال الأزمة التالية. وكانت مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية قد نشرت مؤخرا دراسة حول الطريقة التي كانت هيئة الحل الجديدة ستتجنب بها الدمار الناجم عن انهيار مصرف «ليمان براذرز» إذا كان لديها صلاحيات في ذلك الوقت. ويؤكد جامي دايمون، الرئيس التنفيذي لمصرف «جي بي مورغان تشيس»، أحد أكبر المصارف في الولايات المتحدة، بشكل متكرر على أنه ليس ثمة حاجة لتفكيك المصارف، وقال إن التشريع الجديد سوف يحول دون حدوث آثار تالية تنشأ من فشل مصرف كبير لأن الحكومة سوف تتمكن من الاستحواذ عليه وتفكيكه بطريقة منظمة.

لذا، فقد ثار شعور بالذعر لدى البعض بعد سماعهم بوجهة النظر المعاكسة من لجنة «الخبراء» التي يرأسها شوارتز؛ حيث وصف رايموند دبليو ماكدانيال جونيور، الرئيس التنفيذي لوكالة «موديز» للتصنيفات الائتمانية، التشريع بأنه «ربما لا يكون قابلا للتطبيق». وصرح جيم ميلشتاين، كبير مسؤولي إعادة الهيكلة السابق في وزارة الخزانة الأميركية والذي كان قد أشرف على إنقاذ المجموعة الدولية الأميركية، والذي ساعد رئيسه «تيموثي غايتنر» في صياغة القوانين بقوله: «أعتقد أنها تلقت قدرا عميقا من الإخفاقات». وقال توماس ويلسون، رئيس مؤسسة أولستيت للتأمين ونائب رئيس مصرف الاحتياط الفيدرالي في مدينة شيكاغو إن القانون الجديد «يخلق تشككا إضافيا بدلا من اليقين». وذهب كين غريفين، مؤسس صندوق التحوط التي تبلغ قيمته 15 مليار دولار في مجموعة «سيتاديل إنفستمنت غروب» إلى أبعد من ذلك عندما زعم أن التشريع لن يعمل فقط كما هو مقترح، ولكنه سوف «يرسخ بعمق الرأسمالية الحميمة في نسيج نظامنا المالي، وهو ما يثير مخاوفي».

وأضاف بقوله: «إن الأمر يستحق الاستماع لهؤلاء الرجال». (وقد طرح معهد ميلكين فيديو عن لجنة المناقشة على شبكة الإنترنت. وبينما يبدو أن الجدل بشأن خطورة «فشل المؤسسات المصرفية الكبرى» قد فقد قوة دفعه، يجب ألا يكون الأمر كذلك. وعند الاستماع إلى هذه المجموعة، كان من الواضح أن هناك أزمة مالية أخرى قد تحدث قريبا - وربما أسرع مما نتوقع. وعندما تظهر أزمة، سوف يتعين علينا أن نختبر، في الواقع، عملية تشريع (دود فرانك)، الذي يمنح الحكومة الحق في الاستحواذ على مصرف مترنح، قبل أن يتعثر، حسب المأمول. إنه خط الدفاع الأخير بالنسبة لنا. ولكن غريفين لديه توجه مختلف تماما إزاء هذه المسألة؛ حيث يرى أن الحكومة سوف تأتي وتقول إننا سوف نصفي مؤسستك بدون أن ترفع دعوى إفلاس. وقال: «إنها مرافعة إلزامية» مشيرا بذلك إلى أنه سوف يكون هناك «قدر قليل من توجه الإشراف القضائي».

وتابع حديثه قائلا: «وبعد ذلك سوف تقول مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية هؤلاء هم الدائنون وسوف نحميكم من الخضوع لدعاوى قضائية ونقوم بتسويتها بدرجة أو بأخرى، وبعدها لن يرفع الدائنون دعاوى قضائية ضدكم». ولكن ما معنى كل هذا؟ يرى غريفين أن «هذا يعني أن الشركات المرتبطة بواشنطن والتي تستسيغ التملق السياسي، سوف تكون مفضلة على حساب الشركات التي لا تمتلك نموذجا تجاريا يدور حول إرضاء السياسيين وتقديم مساهمات لحملاتهم الانتخابية». وبأسلوب آخر، يمكن أن تضيف عملية محاولة الحكومة للاستحواذ على بنك كبير متعثر، وكيف سيتعامل الدائنون مع هذا الأمر في النهاية، بالفعل إلى مشاعر التشكك السائدة وسط الأزمة عندما نتمكن من تحملها بشكل محدود.

وقال ويلسون: «أعتقد أن رفع دعوى إفلاس بالنسبة لمؤسسة مالية يمكن أن يسرع بالفعل من الانهيار بدلا من وقف هذا الإفلاس».

وحتى في ظل ضمان الحكومة لهذه العملية، قال ميلشتاين إنه كان يتوقع بأنه سوف تكون هناك أزمة في المرة التالية، وأنه من المستبعد أن «يقبل أي شخص على شراء بوليصة تأمين من إحدى الشركات التابعة لمؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية تمتلك أصول المجموعة الدولية الأميركية أو أي شخص آخر محظوظ بشكل كاف للدخول في هذه الدعاوى القانونية».

إذن كيف يمكن تجنب الأزمة المالية القادمة؟

من سوء الحظ أن الإجابة معقدة وهيكلية، وسوف تتطلب أكثر من مجرد التقديم المبسط لتشريع، حيث إنها تتطلب إعادة كتابة قواعد قدر كبير من التشريعات التي تحكم هذا القطاع. وقال غريفين: «كل بنك في الولايات المتحدة لديه ضمان من مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية على الباب الأمامي، وتشعر البنوك بسعادة مفرطة للتمتع بالإيجارات الاقتصادية التي تذهب مع إعانة دافعي الضرائب فيما يتعلق بهذا الضمان. ويجب أن يكون ضمان الحكومات مقصورا على أنشطة محدودة جدا تنطوي على المخاطرة. ويجب أن يتم تقديم قروض عالية الجودة للعملاء ورهون عالية الجودة وقروض تجارية عالية الجودة. ويجب أن نفصل هذه الأجزاء من نظامنا التجاري عن هذا الجزء من نظامنا المالي الذي يدور حول المخاطرة العنيفة».

وقد يكون كل ذلك صحيحا، وقد يكون في نهاية المطاف هو الطريق الوحيد لإنقاذ أنفسنا من العاصفة القادمة المثالية. ولكن هذا الأمر يتطلب إقناع الناس بهذه الفكرة مثل ويلسون، والأشخاص الذين يمتلكون صوتا قويا في المصرف الاحتياطي الفيدرالي الذين دخلوا في مناقشة أحدثت ضجة كبيرة في الأروقة بعد العرض الذي قدمه. وقال غريفين: «يغبط العالم نظامنا المالي في الولايات المتحدة. ونحن نمتلك مهارات إضافية وقدرات وبنية أساسية وبيانات أكبر من أي أناس آخرين، ويحب الناس هذا الأمر، ولكننا شعرنا فجأة بأن لدينا نظاما تحول إلى شيء مزعج - وأحسسنا بأننا كما لو كان يتعين علينا أن نفكك هذا النظام إلى قطع قليلة صغيرة وأن نترك باقة من الشركات الصغيرة تفعل ذلك. ولا يمكنني أن أتفهم هذا الأمر على الإطلاق».

وأضاف بقوله: «ومع هذا يأتي خطر تعرض بعض الشركات الضخمة لمشاكل، وأوضح أن هذا يمثل حدثا نادرا، كما في احتمالات الخطر المنخفض ويجب ألا نوجه حياتنا حول حدث نادر».

وتابع حديثه: «يجب أن ننطلق من هنا». وأشار إلى أننا «لن نركب القطار عائدين إلى المنزل من هنا» بسبب خوفنا ببساطة. وقد يكون هذا صحيحا. ولكن هناك سبب يحول دون سقوط الطائرات إلا فيما ندر؛ وهو اللوائح الحكومية الصارمة.

* خدمة «نيويورك تايمز»