وقت صعب لصندوق النقد في أعقاب اتهام شتراوس كان بالاعتداء الجنسي

أوساط ترشح المصري محمد العريان أو التركي كمال درويش لخلافته

TT

من الصعب تخيل وقت أسوأ يكون فيه صندوق النقد الدولي من دون رئيس أوروبي قوي. وعلى ضوء ديونها الكبيرة، توشك اليونان على طلب المزيد من المساعدات من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي. ولا تزال انتعاشة آيرلندا من أزمتها المصرفية احتمالا بعيد المنال، على أحسن تقدير. وبمجرد الوصول إلى اتفاق دولي لتقديم مساعدات للبرتغال، سيتحول السؤال إلى مدى صمود الاقتصاد الإسباني الأكبر الذي يواجه ركودا متزايدا قبل أن يحتاج لمساعدات إنقاذ.

في الواقع، فإن الشيء الأكثر مرارة بالنسبة لدومينيك شتراوس كان أن أزمته الشخصية تأتي في وقت بلغ فيه النفوذ العالمي لصندوق النقد الدولي أعلى مستوى على مدار عدة عقود، لا سيما داخل أوروبا. وخلال فترة رئاسته داخل الصندوق، نسب لشتراوس كان، بدرجة كبيرة، الفضل في توسيع موارد الصندوق بعد الأزمة المالية وتعزيز الحوكمة داخله واستعادة صلاته من خلال استبدال أسلوب براغماتي بالأفكار التقليدية. وقبل أخذه إلى السجن في نيويورك، ظهيرة يوم السبت، بتهم تتعلق باعتداء جنسي، كان شتراوس كان قد سافر، على متن طائرة، إلى أوروبا، لمقابلة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بهدف مناقشة تفاصيل كيفية تعامل أوروبا وصندوق النقد الدولي مع الوضع الاقتصادي المتدهور في اليونان. وعرف عن شتراوس كان قوته في الدفاع عن فكرة أن الإجراءات التقشفية المستمرة في اليونان ستجعل الوضع أسوأ وحسب. وقد تراجع الاقتصاد اليوناني بما يصل إلى 4% خلال العام الحالي بالمقارنة مع ما كان عليه قبل عام، بعد أن وضع المجتمع الدولي إرشادات لتقليل دينها ورفع الضرائب وتقليل النفقات.

وتتناقض رؤية شتراوس كان مع اتجاه أكثر تشددا في شمال أوروبا؛ حيث يعارض الناخبون حزمة إنقاذ أخرى لليونان. ونتيجة لذلك، يضغط سياسيون شماليون للحصول على سعر أعلى من اليونان في حال تقديم المزيد من الأموال. ويقول يانيس فاروفاكيس، المدون وأستاذ الاقتصاد في جامعة أثينا: «تخشى الحكومة اليونانية من أن صندوق النقد الدولي من دون مدير له سيعني قوة تفاوض أقل لصالح اليونان». ويضيف: «على الرغم من الانسجام رسميا بين صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي بخصوص أزمة اليونان، أظهر دومينيك شتراوس كان، بصورة مستمرة، قدرا أكبر من التعاطف مع محنة جورج باباندريو وفهما أفضل، بالمقارنة مع الاتحاد الأوروبي، لأهمية عدم وضع ضغوط على اليونان أكثر مما تتحمله».

وبعد المجر ولاتفيا وآيسلندا، كانت اليونان إحدى أوليات دول منطقة اليورو التي تسعى إلى الحصول على مساعدات مالية من الخارج بعد الأزمة المالية العالمية. لكنها برهنت على أنها مسرح واسع استطاع شتراوس كان أن يؤكد من خلاله قدرة صندوق النقد الدولي على إعادة تقديم نفسه كلاعب عالمي قوي، بعد مرور أكثر من عقد لم يقدم خلاله الكثير. ووصف زملاء سابقون في صندوق النقد الدولي شتراوس كان بأنه مدير يهتم بالتفاصيل فيما يتعلق بالشؤون الأوروبية، لا سيما في 3 عمليات إنقاذ داخل أوروبا أشرف عليها: آيرلندا واليونان والبرتغال.

وأوردت صحف يونانية مؤخرا أنه على مدار أشهر قبل حزمة الإنقاذ اليونانية في مايو (أيار) الماضي، سعى رئيس الوزراء جورج باباندريو إلى استشارة شتراوس كان. وعمل شتراوس كان، وهو اقتصادي فرنسي، عن قرب، مع قيادات أوروبية بارزة في خطط الإنقاذ، معتمدا على علاقاته مع زعماء مثل جان كلود تريشيه في المصرف المركزي الأوروبي، والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، على الرغم من خلافاتهما السياسية.

ومن خلال استعادة المكانة لصندوق النقد الدولي، تمكن شتراوس كان من دفع زلاته الشخصية في الخلفية، بما في ذلك علاقة غرامية عام 2008 مع موظفة بالصندوق، وبعدها اعترف بأنه تصرف بشكل خاطئ. وساعد نجاحه الناس على أن يغضوا الطرف عن بعض التناقضات الموجودة. وهو اشتراكي فرنسي عاكف على حل مشكلات اقتصادية عالمية، لكنه فضل حياة راقية داخل منازل مترفة في باريس وواشنطن وسيارات فارهة وغرفا راقية داخل الفنادق.

ويقول سيمون جونسون، الاقتصادي البارز السابق بصندوق النقد الدولي والأستاذ حاليا بمعهد ماساتشوستس للتقنية: إن الأزمة المالية العالمية أحيت شتراوس كان. وأضاف: «كان الأوروبيون متأخرين في النهوض بمستوى المشكلات الاقتصادية. واستخدم (شتراوس كان) الأزمة كفرصة لتحسين سمعة صندوق النقد الدولي من جديد، وجعله في المقدمة ومركز الأحداث بطريقة لم يكن عليها من قبل».. وفي الواقع فإن العثور على شخص لديه هذه القدرات داخل أوروبا سيمثل تحديا. ومن الناحية التقليدية، يذهب المنصب الأعلى بصندوق النقد الدولي إلى أوروبي، بينما يكون المنصب الثاني إلى أميركي. وفي الوقت الحالي، وعلى ضوء الثروات المتزايدة وتأثير الدول الناشئة، تتزايد الضغوط ليكون الرئيس القادم من دولة مثل الصين أو تركيا أو البرازيل. ويأتي من بين المرشحين المحتملين الذين جذبوا الانتباه مبكرا كمال درويش، المسؤول البارز بمعهد بروكينغز ووزير المالية التركي السابق ومحمد العريان، الرئيس التنفيذي لـ«بيمكو».

وفي وقت مبكر من يوم الأحد، كان مسؤولون في صندوق النقد الدولي ما زالوا يحاولون هضم الأحداث الأخيرة. وتحدث عضو بمجلس الإدارة، شريطة عدم ذكر اسمه، عن أنه من المبكر جدا النظر فيمن يخلف شتراوس كان، إذا استقال. وفي الوقت الحالي، ستستمر إدارة الصندوق كما كان دائما عندما يكون رئيسه في الخارج، ويكون مسؤولا عنه المسؤول التنفيذي الثاني جون ليبسكاي، وهو مسؤول سابق بوزارة الخزانة الأميركية ومصرفي سابق لدى «جي بي مورغان» كان يشرف على لوجيستيات البرنامج اليوناني. ومن موقعه كنائب أول للمدير، اختير ليبسكاي ليكون القائم بأعمال رئيس الصندوق يوم الأحد. وكان قد أعلن أنه سيغادر الصندوق خلال فصل الصيف من العام الحالي، مما يعني أنه قد تكون هناك حاجة لشغل منصبين. وقال مسؤولون في الصندوق وزعماء أوروبيون والحكومة اليونانية يوم الأحد: إن القبض على شتراوس كان لن يكون له أثر كبير على المحادثات المستمرة المتعلقة باليونان والبرتغال. وفي الظاهر، ربما يكون ذلك صحيحا.

على مدار الأسبوع الماضي، كان التنفيذي البارز بصندوق النقد الدولي المسؤول عن اليونان بول تومسن مجتمعا مع مسؤولين حكوميين داخل اليونان ومسؤولين تنفيذيين من الاتحاد الأوروبي والمصرف المركزي الأوروبي. ولدى الصندوق خبيران فنيان داخل وزارة المالية اليونانية على مدار العام الماضي؛ لذا لن يكون هناك ضعف في الخبرة لتحديد كمية الإقراض إلى اليونان والشروط التي يجب فرضها وما إذا كان يتعين إجراء بعض التعديلات في دين الدولة أيضا. وسيكون من الصعب محاكاة شتراوس كان كشخصية مؤثرة أوروبية تدعمه علاقات شخصية قديمة. وعلى الرغم من أن دولا ناشئة، مثل الصين وإندونيسيا والبرازيل، سليمة من الناحية الاقتصادية، فإن الصندوق في حاجة لشخص لديه قدرة على اجتياز حقل ألغام من الأحقاد والتعامل مع الساحة السياسية داخل أوروبا في الوقت الحالي. ويقول جونسون، الاقتصادي السابق بصندوق النقد الدولي: «هذا أمر غير مسبوق، فليس لدينا الكثير ليرشدنا. وعلى المدى القصير، يمكن للعاملين التعامل مع الوضع، لكن بعد أسبوع وفيما يتعلق باستراتيجية الصندوق الأوسع، سيزداد الغموض».

* خدمة «نيويورك تايمز»

* أسهم في التقرير من نيويورك: غراهام بولي ودان بيلفسكي