تنازل المسؤولين السابقين عن ممتلكاتهم أولى خطوات استرداد أموال المصريين

خبراء أكدوا ضرورة الاستعانة بخبرات أجنبية لاستعادة الأموال غير المشروعة

TT

امتزجت آراء خبراء قانونيين واقتصاديين ما بين التخوف والترحيب بشأن الاتجاه الذي يتبناه جهاز الكسب غير المشروع المصري في ما يتعلق بإسقاط دعاوى قضائية متهم فيها مسؤولون سابقون تتعلق بالتربح من خلال استغلال مناصبهم، مقابل التنازل عن أموالهم بالداخل والخارج.

ففي الوقت الذي وصفوا هذا الإجراء بأنه أولى الخطوات نحو استرداد أموال المصريين المنهوبة، تخوفوا في المقابل من قيام المتهمين بحيل لا تمكن السلطات بالكشف عن كامل حساباتهم، مطالبين بالاستعانة بخبرات أجنبية، كون التجربة جديدة على البلاد، ولا يوجد لدى المسؤولين خبرة كافية للتعامل مع تلك الأمور. وأكد الخبراء ضرورة تبني هذا الإجراء مع مسؤولين سابقين آخرين متهمين، ولكنهم حذروا من أن يكون التفاوض الذي يجري حاليا بشأن إسقاط كافة الدعاوي القضائية، سواء المتعلقة بالفساد أو تلك المتعلقة بقتل المتظاهرين وأعمال التخريب وغيرها التي حدثت خلال ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، مقابل رد الأموال.

وأفرجت السلطات القضائية المصرية، أول من أمس، عن سوزان ثابت قرينة الرئيس السابق حسني مبارك بعد تنازلها عن أرصدة بنكية بمبلغ 24 مليون جنيه، بعد أن تم احتجازها 15 يوما على ذمة التحقيق في قضايا تضخم الثروة، كما قدم محاميها توكيلا رسميا غير قابل للإلغاء باسم مساعد وزير العدل لشؤون الكسب غير المشروع أو من ينوب عنه لتنازلها عن جميع أرصدتها في جميع حساباتها السرية، سواء كانت جارية أو ودائع أو توفيرا أو غير ذلك لصالح الدولة ممثلة في وزارة المالية، كما أقرت ووقعت بالموافقة على كشف عن جميع حساباتها بالداخل والخارج. وتعكف إدارة الكسب غير المشروع على دراسة إمكانية أن يقوم الرئيس السابق ونجلاه بالتنازل عن كافة ممتلكاتهم في مصر والخارج مقابل أن تتنازل الدولة عن الدعوى القضائية وإسقاطها بجهاز الكسب غير المشروع.

وذكرت تقارير صحافية أن جهاز الكسب غير المشروع حصل من الرئيس السابق ونجليه جمال وعلاء وزوجتيهما على موافقة كتابية باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية للكشف عن حساباتهم البنكية بالداخل والخارج، وأن الجهاز اتخذ خطوات إجرائية بهذا الصدد للكشف عن حسابات مبارك وعائلته حاليا داخل مصر وخارجها من خلال لجنة إعادة الأموال المهربة للخارج بالتعاون مع إدارة التعاون الدولي بوزارة العدل ووزارة الخارجية وبعض السفارات في مصر، حيث سيتقدم الجهاز بطلب رسمي لكشف أرصدة مبارك وعائلته في بعض الدول ومنها أميركا ولندن ودول الاتحاد الأوروبي، لتحديد القيمة الحقيقية لأرصدة الرئيس وعائلته وبعض كبار المسؤولين.

وقالت بسنت فهمي، مستشار بنك «البركة» المصرفي، إن التصالح مع السياسيين ورجال الأعمال بشأن التربح غير المشروع هو أمر جيد، فالبنوك حاليا تعاني بشكل كبير من تعثر رجال الأعمال وبعض السياسيين الذين حصلوا على قروض، ولن يستطيعوا الوفاء بالتزاماتهم للجهاز المصرفي. ولكنها تخشى من أن يكون هذا التفاوض الذي يتم الآن بشأن إسقاط كافة التهم الجنائية، سواء التي تتعلق بالكسب غير المشروع أو التي تتعلق بأعمال إجرامية متهمين بها، وقالت: «مثل هذا الإجراء يمثل تقنينا للفساد، يجب أن يكون التصالح على أساس إسقاط التهم المتعلقة بالتربح غير المشروع».

وتابعت: «الأموال التي ستعود إلى مصر لن تكون مؤثرة بشكل كبير على الاقتصاد، فالأهم هو تبني استراتيجية سليمة لبناء اقتصاد سليم».

وترى بسنت أن المشكلة في عملية استرداد الأموال من الخارج تكمن في إمكانية أن يكون المسؤولون السابقون نقلوا ممتلكاتهم وأموالهم بأسماء أشخاص آخرين، وفي تلك الحالة ستكون عملية استرداد كافة الأموال صعبة. واتفق جميل حليم، الخبير القانوني، مع هذا الرأي وقال: «هناك العديد من الحيل التي يقوم بها مسئولون تربحوا من خلال منصبهم، فمن الممكن أن تكون لديهم حسابات وأرصدة لدى البنوك وشركات بأسماء شخصيات يثقون بها، وفي تلك الحالة يجب على الحكومة المصرية الاستعانة بمكاتب أجنبية لديها خبرة في كيفية استعادة الأموال التي جنيت بأساليب غير مشروعة».

وتابع: «هذه أول تجربة لمصر، لا يوجد لدى المسؤولين خبرة كافية للتعامل مع تلك الأمور، وهناك بلدان أخرى مرت بنفس التجربة.. ويجب على المسؤولين الآن الاستفادة من التجارب السابقة حتى يتمكنوا من الكشف عن كافة حسابات المسؤولين بالخارج». وأضاف حليم أن هناك إمكانية في ألا يمكن التوكيل الذي يقدمه المتهمون المسؤولون من الكشف عن حساباتهم، ويمكن التلاعب بها بحيث لا تسمح بالكشف عن كافة الأرصدة والحسابات. وشدد على ضرورة الاستفادة من تجارب البلدان التي مرت بنفس الظروف التي تمر بها مصر الآن حتى تتمكن اللجان القضائية من الكشف على كافة الحسابات الداخلية والخارجية. وأكد حليم قانونية الإجراءات التي يتخذها جهاز الكسب غير المشروع في هذا الصدد، وقال إن التعديلات التي أجريت على قانون الجنايات والأخرى التي أجريت على قانون البنك المركزي تتيح التصالح في تلك القضايا مقابل رد المال العام الذي أخذ بطرق غير قانونية من الدولة أو الذي تم الحصول عليه من دون ضمانات من قبل البنوك.