بروكسل: الاقتصاد الأوروبي يسير بسرعتين.. وميركل تنتقد الدول المتعثرة

الموافقة على مساعدة البرتغال وترشيح شخصية إيطالية لرئاسة البنك المركزي الأوروبي

TT

«تسببت الاقتصادات الضعيفة لعدد من الدول الأوروبية، وخاصة التي تعاني من مصاعب الديون السيادية، في جعل الاقتصاد الأوروبي يعمل بسرعتين ولسوء الحظ أصبحنا نعيش في أوروبا بسرعتين». هذا ما قاله المفوض الأوروبي المكلف بالشؤون الاقتصادية والنقدية أولي ريهن في كلمته أمام المنتدى الاقتصادي الأوروبي، الأربعاء، في بروكسل وبعد ساعات من اختتام اجتماعات المجلس الوزاري الأوروبي (الإيكوفين) الذي يضم الوزراء المكلفين بالمال والاقتصاد في دول التكتل الموحد.

ووافق المجلس على آلية لمساعدة البرتغال وترشيح شخصية إيطالية لرئاسة البنك المركزي الأوروبي، أما فيما يتعلق بإعادة جدولة ديون اليونان، استقر الوزراء على إرجاء اتخاذ القرار إلى اجتماعهم المقرر الشهر المقبل في لوكسمبورغ.

وبالتزامن مع تصريحات ريهن وجهت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل انتقادات حادة لحكومات الدول التي تعاني من مشكلة الديون، بينما شهدت دول مرشحة للحاق بركب الدول المتعثرة، مظاهرات احتجاجية على الأوضاع الاقتصادية والبطالة، مثل التي عرفتها إسبانيا في وقت يقول فيه معهد الإحصاء إن الاقتصاد الإسباني شهد نموا في الناتج المحلي فاق توقعات الحكومة الإسبانية.

ففي بروكسل، قال المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية والنقدية أولي ريهن، إن الاقتصاد الأوروبي بات يعمل بسرعتين بسبب الاقتصادات الضعيفة داخل عدد من الدول التي تعاني من صعوبات في الديون السيادية. وقال ريهن أمام المنتدى الاقتصادي الأوروبي في بروكسل الأربعاء «لسوء الحظ فإننا بدأنا نعيش في أوروبا بسرعتين». وأضاف في حضور عدد كبير من الخبراء والاقتصاديين والمسؤولين الأوروبيين والأجانب أن بعض الدول تعافت بسرعة وبقوة، في حين أن أخرى تعاني من انكماش في الناتج المحلي الإجمالي أو تواجه نموا منخفضا جدا، وبالنسبة لمعظم الاقتصادات الضعيفة، فإن تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي بشكل فاضح مرتبط بأزمة الديون السيادية، وقال إن تحرك الاتحاد الأوروبي لإنقاذ الاقتصادات المتسيبة نجح في منع الانهيار المالي وتجنب صدمات أشد عنوة للاقتصاد. وأضاف «التدخل لصالح إنقاذ اليونان في مايو (أيار) 2010 مكن من تجنيبها الوقوع في الإفلاس». وأوضح المسؤول الأوروبي أن برنامج التكيف اليوناني لا يزال قيد الاستعراض، وكرر أن المفوضية تصر على أن يسرع اليونانيون بوتيرة الإصلاحات.

وأكد أنه من الواضح أن على اليونان التحرك بجدية نحو الإصلاحات وتعزيز برنامج الخصخصة قبل اتخاذ أي خطوات جديدة. وقال «أتوقع قرارات ملموسة من قبل الحكومة اليونانية في الأيام المقبلة». وتزامن ذلك مع توجيه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل انتقادات إلى حكومات الدول الأوروبية المدانة، وطالبت حكومات كل من اليونان والبرتغال وإسبانيا بتقديم إثباتات على نيتها في إجراء خطط تقشفية تخرجها من أزمة المديونية. وحسب تقارير إعلامية من برلين، وجهت ميركل انتقادات غير مسبوقة من رئيس حكومة ألمانية لقوانين سن التقاعد والعطل في هذه البلدان، مضيفة أن «الحديث لا يدور عن عدم تكبد ديون جديدة فقط بل أيضا عن ضرورة ألا يتقاعد مواطنو دول مثل اليونان والبرتغال وإسبانيا أبكر من المواطنين الألمان».

وكانت الحكومة الألمانية اتخذت بعد نقاشات استمرت سنوات قرارات برفع سن التقاعد تدريجيا من 65 عاما إلى 67 عاما. وحذرت ميركل من أنه «ليس من المعقول أن تتعامل جميع البلدان في منطقة اليورو بعملة واحدة في حين يحصل مواطنو دولة معينة على عطل أطول من عطل مواطني دولة أخرى»، خاصة أن الموظفين والعمال في ألمانيا يحصلون وفقا للقوانين الألمانية على 20 يوما عطلة على الأقل في السنة.

وعلى صعيد تقديم مساعدات للدول المدانة، اشترطت ميركل ضرورة أن تبذل هذه الدول جميع الجهود اللازمة من أجل الخروج من أزمة الديون وتقديم إثباتات ملموسة على ذلك، قائلة «نعم ألمانيا تساعد ولكنها مستعدة لتقديم هذه المساعدات فقط إذا بذلت الدول المدانة الجهود المطلوبة وإذا أثبتت ذلك». وأكدت أن ألمانيا لا تريد أن تفلس دولة معينة في منطقة اليورو، لأن ذلك يعني إفلاس الجميع متابعة «لا نستطيع أن نتضامن مع هذه الدول ونقول في الوقت ذاته استمروا في سياستكم»، في إشارة إلى ربط تقديم المساعدات بشروط مسبقة.

وشددت ميركل على أن العملة الأوروبية الموحدة ما زالت مستقرة، قائلة «اليورو مستقر، ولكن دعوني أقل الحقيقة وأؤكد أنه إذا لم ننتبه فإن مستقبلنا سيكون مختلفا، ولهذا يجب على حكومات الدول المدانة معرفة أن التدبير الجيد هو أساس الاقتصاد الجيد».

وكان مفوض الاتحاد الأوروبي للشؤون الاقتصادية والمالية أولي ريهن أعلن مساء الثلاثاء أن توافق الأطراف على إقرار برنامج صندوق النقد الدولي لليونان شرط أساسي لاتخاذ مزيد من الخطوات.

وأضاف ريهن في مؤتمر صحافي أعقب اجتماع وزراء مالية الاتحاد الأوروبي: «إننا نتوقع أن تبدأ اليونان بتنفيذ برنامج الخصخصة من دون تأخير لتوفير 50 مليار يورو»، مشيرا إلى أن الخصخصة يمكنها أن تقلل الدين العام في اليونان بأكثر من 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2015 عند تنفيذها بالكامل، وهي حجر الزاوية في برنامج الإنعاش في اليونان.

وأكد أن الإصلاحات الاقتصادية في اليونان «ليست مسألة لعبة سياسية بل هي مصير وطني»، متسائلا «إذا كان ذلك ممكنا في كل من البرتغال وآيرلندا فكيف لا يكون ذلك ممكنا في اليونان». وتلقت اليونان 120 مليار يورو من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي خلال هذه السنة للتغلب على المشكلات الاقتصادية، ولكن الوضع الاقتصادي استمر في التدهور، مما أدى إلى تكهنات أطلقتها وسائل إعلامية بأن أثينا ستدعو إلى إعادة هيكلة ديونها وطلب مزيد من القروض. وقال ريهن إن إعادة هيكلة الدين ليس مطروحا، مشيرا إلى أن عدد سكان اليونان يصل إلى 10 ملايين نسمة في حين لديها ديون تصل إلى 330 مليار يورو.

وسبق أن أعلن مكتب الإحصاءات الأوروبي (يوروستات) أن اقتصاد منطقة اليورو نما خلال الربع الأول من السنة الحالية بأسرع وتيرة له منذ الربع الثاني من 2010 بسبب الأداء القوي لاقتصادي ألمانيا وفرنسا، وهو ما محا تأثير الخطط التقشفية على أداء اقتصادات دول مثل آيرلندا وإسبانيا. وتقرير المكتب أظهر تباينا كبيرا بين الدول المركزية، مثل ألمانيا وفرنسا، وبين الدول الأطراف، كإسبانيا والبرتغال، مع تسجيل الاقتصاد اليوناني لنمو قوي فاجأ الجميع. كما أشار تقرير مكتب «يوروستات» إلى أن النسبة الفصلية لنمو الناتج المحلي الإجمالي لدول المنطقة الـ17 بلغت 0.8 في المائة، لتفوق بذلك توقعات الخبراء التي قدرت بـ0.6 في المائة، فيما بلغت النسبة السنوية 2.5 في المائة. مكتب «يوروستات» أكد أيضا أن صادرات دول المنطقة ساهمت بشكل كبير في نمو الاقتصاد، لا سيما أن الاستهلاك الداخلي يعاني بسبب ارتفاع أسعار الطاقة ومعدل التضخم.

وعلى صعيد متصل، قال المعهد الوطني للإحصاء إن الاقتصاد الإسباني شهد نموا إيجابيا تجاوز توقعات الحكومة في الربع الأول من العام الحالي، وذلك بفضل المساهمة القوية للقطاع الخارجي، وزيادة الطلب على المنتجات الإسبانية. وأضاف المعهد في بيان تناقلته وسائل الإعلام المختلفة، أن الناتج المحلي الإجمالي للبلاد شهد نموا بمعدل 0.3 في المائة في الفترة بين يناير (كانون الثاني) ومارس (آذار) الماضيين مقارنة بالربع الأخير من العام الماضي، فيما شهد تحسنا بلغ 0.8 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، مشيرا إلى أنه يعد الربع الثالث على التوالي من النتائج الإيجابية. وعزا المعهد هذا التحسن إلى الأداء القوي للصادرات الإسبانية التي سجلت نموا بلغ 11.2 في المائة خلال هذه الفترة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، مشيرا إلى استمرار السلوك السلبي للطلب المحلي الذي لم يتعاف من آثار الأزمة الاقتصادية التي هزت البلاد في عام 2008 متسببة في ركود اقتصادي استمر مدة 7 أرباع حتى أوائل عام 2010. وأوضح أن انهيار صناعة البناء في البلاد على خلفية الأزمة المالية يشكل عائقا كبيرا في وجه النمو الاقتصادي للبلاد إلى جانب عوامل أخرى تتمثل في نسبة البطالة العالية وكثرة القيود على القروض الممنوحة إلى جانب ارتفاع معدل التضخم السنوي وأسعار الطاقة. وكانت الحكومة الإسبانية توقعت أن يحقق الاقتصاد نموا بمعدل 1.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام في الوقت الذي تشير فيه توقعات المفوضية الأوروبية وبنك إسبانيا المركزي إلى أن النمو لن يتجاوز 0.8 في المائة. يذكر أن معدلات البطالة في إسبانيا بلغت أكثر من 21 في المائة من اليد العاملة مسجلة ضعف نسبتها المسجلة في الاتحاد الأوروبي ليبلغ عدد العاطلين عن العمل في البلاد 4.2 مليون نسمة مع نهاية شهر أبريل (نيسان) الماضي بعد أن كان بلغ نحو 5 ملايين شخص مع نهاية الربع الأول من العام، وتزامن هذا الإعلان مع تجمع مئات المتظاهرين في ساحة «بويرتو دل سول» وسط العاصمة مدريد، مطالبين بالإصلاح السياسي والاجتماعي وبديمقراطية حقيقية، فيما البلاد ترزح تحت تأثيرات أزمة مالية. وقد استجاب المتظاهرون لدعوات بالتظاهر تقودها حركة شبابية عبر المواقع الاجتماعية لشبكة الإنترنت، وهم يحتجون ضد الفساد والفقر وانتشار البطالة، والهيكلة السياسية التي تعتمد نظام الحزبين، شعارهم في ذلك: «لسنا سلعة في أيدي البنوك والسياسيين». ويعتزم الطلاب مواصلة تحركهم الاحتجاجي، ليشمل عددا من المدن الإسبانية الأخرى، إلى حين إجراء الانتخابات الإقليمية والبلدية الأحد المقبل. وتعاني إسبانيا من ارتفاع لنسبة البطالة تجاوزت 20 في المائة، خلال الربع الأول من العام الحالي، وهي نسبة قياسية في بلد صناعي. وقد تكلف إجراءات التقشف التي اتخذتها الحكومة الاشتراكية العام الماضي الكثير، خلال الانتخابات المقبلة، أمام اليمين المحافظ الذي يمثله الحزب الشعبي.