هل يفاجئ الدولار المستثمرين ويسترجع قوته؟

الرهان على تراجعه بات محفوفا بالمخاطر

TT

هل يمكن أن ينتهي التراجع الذي شهده الدولار لفترات طويلة؟

خلال الجزء الأكبر من العقد الماضي، ولا سيما خلال الأشهر القليلة الماضية، كان الدولار الأميركي ضعيفا في سوق الصرف الأجنبي. وفقد الدولار جزءا من قيمته أمام كافة العملات العالمية الأخرى – ليس أمام اليورو والجنيه الإسترليني والين الياباني وحسب، بل تراجع أيضا أمام الليو الروماني واللاتس اللاتيفي.

وعلى خلفية سياسات مصرف الاحتياطي الفيدرالي وطبع دولارات لإحداث انتعاشة اقتصادية قوية لا تزال بعيدة المنال، بلغ الدولار هذا الشهر أقل مستوى له على مدار 40 عاما أمام سلة من العملات الأخرى.

ولكن ربما لم يعد الرهان ضد الدولار لعبة آمنة - ليس بالضرورة بسبب تحولات مفاجئة في الاقتصاد الكلي ولكن بسبب إحساس بأن عمليات بيع الدولار ربما وصلت مؤخرا لمستوى مبالغ فيه. ومنذ الرابع من مايو (أيار)، ارتفع الدولار بنسبة 4 في المائة في مقابل اليورو و2 في المائة أمام الجنيه الإسترليني، فيما تحسن في مقابل عملتي رومانيا ولاتفيا أيضا. ولا يقف وراء ارتفاع الدولار، رغم أن قصر المدة يجعلنا لا نصف ذلك بأنه اتجاه، تحسن ملحوظ في الأصول الاقتصادية داخل أميركا. وفي الواقع فإن الخطر الحقيقي، وإن كان ضعيفا، المتمثل في احتمالية عدم وصول الكونغرس الأميركي لاتفاق بشأن رفع السقف القانوني للاقتراض الحكومي سوف يظهر حال الاقتصاد الأميركي المحفوف بالمخاطر.

وفي الوقت نفسه، ما زالت معدلات البطالة داخل الولايات المتحدة مرتفعة بشكل كبير، حيث تبلغ نسبتها 9 في المائة. ويوجد اعتقاد قوي بين كبار المستثمرين بأن إدارة أوباما ورئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي بن برنانكي يرحبان ضمنا بدولار أقل قيمة من أجل دفع الصادرات وتشجيع المصنعين الأميركيين على تعيين موظفين بجرأة أكبر.

ويقول راي أتريل، المتخصص في استراتيجيات العملة لدى «بي إن بي باريبا»: «لا يزال الاقتصاد الأميركي يواجه رياحا عكسية؛ من قطاع إسكان ضعيف إلى خصومات في النفقات الحكومية. ولهذه الأسباب نعتقد أن قطاع الصادرات هو القطاع الذي يعول واضعو السياسات عليه في النمو». ولكن يرى محللون سببا آخر فنيا بدرجة أكبر وراء تراجع الدولار على المدى الطويل، وهو سبب ربما يكون في طريقه للزوال. منذ بدء الأزمة المالية العالمية في التراجع عام 2009، أدت الرغبة في الاستثمار في السلع والعملات ذات العائد الأعلى بمختلف أنحاء العالم إلى ما يعرف في لغة التداول بديناميكية المخاطرة.

ويميل مستثمرون إلى بيع حيازاتهم الأكثر أمنا، مثل سندات الخزانة الأميركية، عندما يشعرون أن هناك ارتفاعا أكبر في الأسعار. ولأن 90 في المائة من صناديق التحوط في العالم تعتمد على الدولار، فإن هذه التغيرات في الاتجاه يمكن أن تحدث أثرا سلبيا على العملة الأميركية. كما تبيع المصارف المركزية الغنية بالاحتياطي في أسواق ناشئة الدولار وتشتري اليورو لإحداث توازن في محافظ الاحتياطي الخاصة بها، بحسب ما يقوله أتريل مستشهدا ببيانات حديثة أصدرها صندوق النقد الدولي. ويقول ستيفن جين، المتخصص في استراتيجيات العملات والاقتصادي السابق بصندوق النقد الدولي: «كل شيء يقوى أمام الدولار - وهذا شيء لم يكن يحدث في الماضي».

ولكن يبدو حاليا أن هذا الزخم تحول بدرجة كبيرة، ولا سيما مع عودة مشكلات الدين داخل أوروبا إلى مركز الضوء. ويرى جين أن ارتفاع اليورو إلى 1.49 دولار بالمقارنة مع 1.19 دولار خلال العام الماضي أمر مبالغ فيه، خاصة على ضوء المشكلات المتفاقمة داخل اليونان واقتصادات أخرى ضعيفة بمنطقة اليورو. وفي الوقت الحالي تراجع اليورو إلى 1.42 دولار.

ويقول جين: «على ضوء قضية الديون السيادية والفارق في النمو داخل منطقة اليورو، يعد اليورو مرتفعا بصورة مبالغ فيها». وقد بدأ محللون آخرون يقولون إن ذلك يكفي بالفعل.

ويرجع ذلك بصورة جزئية إلى أن مقدارا كبيرا من ضعف الدولار مؤخرا سببه اعتقاد باحتمالية قيام المصرف المركزي الأوروبي، وبدرجة أقل «بنك أوف إنغلاد»، برفع معدلات الفائدة للإبقاء على معدلات التضخم تحت السيطرة، وفي المقابل لا يزال الاحتياطي الفيدرالي الأميركي ملتزما بالإبقاء على معدلات الفائدة على المدى القصير قريبة من الصفر. ومع احتمالية ارتفاع معدلات الفائدة داخل أوروبا بالمقارنة بنظيراتها داخل الولايات المتحدة، نقل متداولون أموالهم خارج سندات وأذون الحكومة الأميركية للحصول على عوائد أعلى في الخارج.

ولكن كلما قوي اليورو، زادت احتمالية أن يكون لارتفاعه أثر عكسي. ومع ارتفاع اليورو إلى قرابة 1.50 دولار، بدأت قوة العملة تثير شكوكا بشأن استمرارية ماكينة الصادرات الألمانية القوية في العمل بنجاح في مختلف أنحاء العالم، ، بعد أن اكتسبت قوة تنافسية عندما كان اليورو أضعف.

وفي هذه الأثناء، ومع غياب النمو أو ضعف معدلاته في اليونان وأيرلندا والبرتغال وإسبانيا ومواجهة اقتصادات هذه الدول تحديات ضخمة تتمثل في دفع ديونهم، يبدو وضع أوروبا محفوفا بالمخاطر، ولا سيما إذا استمر المصرف المركزي الأوروبي مصرا على دفع معدلات الفائدة لمستوى أعلى خلال العام الحالي.

وكتب مايكل داردا، الاقتصادي البارز لدى «إم كيه إم بارتنرز»، في تنويه أرسله مؤخرا لعملاء: «المحيط الأوروبي المحاصر يواجه صعوبات حاليا بسبب معدلات الفائدة المرتفعة الخاصة باليورو وميزانية المصرف المركزي الأوروبي المتراجعة وارتفاع معدلات التمويل على المدى القصير». وأضاف: «إذا لم يكن ثمة طريق لظهور تعاف معقول في الناتج المحلي الإجمالي المبدئي داخل المحيط الأوروبي، سوف تتعثر إجراءات التقشف المالية ومن المحتمل حدوث تعثرات متسلسلة أو ظهور عمليات إعادة هيكلة عقب ذلك».

ويشعر البعض بالحيرة بسبب الأداء القوي للجنيه الإسترليني على مدار العام الماضي؛ حيث ارتفع بمقدار 11 في المائة أمام الدولار.

وفي الظاهر، تعد الأرقام الاقتصادية المبدئية داخل بريطانيا سيئة مثل أي مكان آخر داخل أوروبا، حيث يمثل العجز 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي وبها قطاع مصرفي ضعيف ونمو اقتصادي بطيء.

وكما أشار بول دو غراو، وهو اقتصادي مقره بروكسل، مؤخرا، فإن العوائد على السندات البريطانية أجل 10 أعوام أقل بمقدار 2 في المائة عن نظيرتها داخل إسبانيا، على الرغم من أن إسبانيا لديها معدلات عجز ودين أقل. ولكن لدى بريطانيا ميزة إدارة سياستها المالية بمفردها، كما أن وضعها بعيدا عن الدولار الأميركي وخارج منطقة اليورو جذب مستثمري السندات الأجنبية الباحثين عن ملاذ آمن.