ضخامة المشاريع في السعودية بحاجة إلى تنويع مصادر التمويل

تحديات تواجه القطاع المصرفي في تأمين مصادر تمويلية تلبي حاجة الإنشاءات الجديدة

يدعو عدد من الخبراء إلى إيجاد طرق تمويلية تواكب المشاريع الضخمة في السعودية («الشرق الأوسط»)
TT

أكد اقتصاديون سعوديون على ضرورة تنويع مصادر تمويل المشاريع، في الوقت الذي تشهد فيه السعودية نهضة تنموية عبر عدد من المشاريع الضخمة، من أجل تخفيف العبء الحكومي في تمويل هذه المشاريع، وللاستفادة من السيولة المتوافرة في البلاد لتلبية حاجات المشاريع التمويلية.

وتواجه عمليات تنويع التمويل تحديات ومصاعب في السعودية، في الوقت الذي أنهى فيه مؤتمر «يورومني 2011» أعماله يوم أول من أمس، والذي تنظمه وزارة المالية السعودية، بالتعاون مع مؤسسة يورومني للمستثمر الدولي، وذلك تحت عنوان «تنويع مصادر التمويل».

وأشار الدكتور سعيد الشيخ، عضو مجلس الشورى السعودي، كبير اقتصاديي البنك الأهلي التجاري، لـ«الشرق الأوسط»، أن المشاريع القائمة حاليا في السعودية لا يمكن أن تعتمد على مصدر واحد للتمويل، في إشارة إلى التمويل الحكومي لهذه المشاريع عبر أذرعته التمويلية، مشددا على ضرورة التنويع في مصادر التمويل، وأضاف: «قد تدخل الحكومة بنسبة معينة في تمويل المشاريع عبر صندوق الاستثمارات العامة، وهو ما عملت عليه الحكومة في الماضي وحتى في الوقت الراهن في ظل تعثر التمويل الدولي في أعقاب الأزمة المالية العالمية».

وتعد البنوك أحد أبرز مصادر التمويل الرئيسية للمشاريع عبر ما تقدمه من عمليات الإقراض، إلى جانب التمويل الحكومي وإصدار السندات والصكوك، إلا أن الدكتور الشيخ لفت إلى أن البنوك تواجه معضلة في تمويل المشاريع على الرغم من توافر سيولة عالية لديها، حيث تواجه تحديا كبيرا يكمن فيما يُعرف بالمواءمة ما بين الأصول والخصوم، نظرا لاعتمادها بالدرجة الأولى على الودائع الجارية، والتي تكون دائما تحت الطلب، في الوقت الذي تستلزم فيه القروض فترات سداد طويلة، وزاد: «من الصعب على البنوك أن تمول مشاريع يتطلب سدادها فترة 5 أعوام، عبر تمويل هذا الإقراض من خلال ودائع جارية تحت الطلب، لذلك فإن البنوك لا تستطيع المساهمة بشكل كبير في إقراض المشاريع الضخمة حتى في ظل توفر هذه السيولة الكبيرة، ومعظم تمويل البنوك سيبقى قصير الأجل، نظرا لضرورة المواءمة بين آجال الودائع الموجودة لدى وآجال استحقاقات القروض التي يقدمها البنك».

وإلى جانب الإقراض، أوضح كبير اقتصاديي البنك الأهلي التجاري، أن البنوك تحاول حاليا التغلب على هذا التحدّي عبر الاعتماد على إصدار سندات في السوق السعودية أو الدولية، حيث إن فترة سداد هذه السندات طويلة تصل إلى 5 أعوام، وليست تحت الطلب مثل الودائع الجارية، أي إنه من الممكن تمويل قرض تتراوح مدته ما بين 5 - 10 أعوام، في مقابل إصدار سند تصل مدة سداده إلى 5 أعوام، الأمر الذي يحقق المواءمة بين آجال الخصوم وآجال الموجودات أو الأصول، وأشار في الوقت نفسه، إلى أن البنوك سعت في فترات ماضية إلى هذا الأمر لرفع مساهمتها في تمويل المشاريع.

ونوّه الدكتور الشيخ بأن الشركات الكبيرة في السعودية، مثل الشركة السعودية للكهرباء وشركات الاتصالات وكبرى شركات المقاولات، تستطيع تمويل مشاريعها عبر إصدار سندات داخلية، حيث إن ثقة مجتمع المال بهذه الشركات تتيح لها القيام بهذا الأمر، واستدل الدكتور الشيخ بما قامت به شركة «سابك» في خوض هذه التجربة بنجاح، وأضاف «هناك مشروع بين شركة أرامكو وشركة داو الأميركية لإنشاء مجمع صناعي للتكرير والمنتجات البتروكيماوية، ويقدر حجم التمويل المقدر لهذا المشروع بنحو 20 مليار دولار، ولن يعتمدوا فقط على البنوك، ولكن أيضا من خلال إصدار صكوك أو سندات، ومن خلال مساهمة شركات أجانب أيضا، أو جهات تمويل أجنبية، ولذلك مشاريع بهذا الحجم تستلزم تنويع في مصادر التمويل، قد يكون تمويل حكومي بصحبة تمويل بنكي بصحبة تمويل مباشر من سوق رأس المال المحلي أو الدولي».

وبيّن الدكتور الشيخ، أن السعودية شهدت في عامي 2006 و2007، زخما في عمليات تنويع التمويل، مستشهدا بمشروع «كيان» السعودية، الذي احتاج إلى تمويل يبلغ 1.6 مليار دولار (6 مليارات ريال)، بينما وصل التمويل المقدم له إلى 2.67 مليار دولار (10 مليارات ريال)، إلاّ أنه أوضح أن الأزمة المالية العالمية غيّرت الأوضاع بشكل سلبي، وقال: «لولا الأزمة المالية التي حصلت عام 2008 وانعكاسها السلبي على القطاع المالي عالميا، لكانت وتيرة التمويل أسرع مما هي عليه الآن»، إلاّ أنه أكد في الوقت نفسه، إلى وجود عودة ملموسة مؤخرا منذ العام الماضي 2010، ولا تزال مستمرة على نفس الوتيرة هذا العام 2011.

ويتفق الدكتور إحسان بو حليقة، الخبير الاقتصادي، مع سابقه في ضرورة انتهاج مبدأ تنويع مصادر التمويل، مشيرا إلى أن الاقتصاد السعودي يسعى منذ 40 عاما إلى تنويع المصادر الاقتصادية وتوليد القيمة في الاقتصاد، وتخفيف أعباء التمويل عن الحكومة، ولم يخف في الوقت ذاته، وجود الكثير من التحديات التي تواجه قضية تنويع مصادر التمويل.

وانتقد الدكتور بو حليقة، لـ«الشرق الأوسط»، دور سوق المال السعودية، مشيرا إلى أنها لم تمارس دورها بالشكل المطلوب، مؤكدا في الوقتِ ذاته، ضرورة أن تكون هناك بنية تحتية تهيئ من خلال استراتيجية قد تقودها بمؤسساتها التمويلية المتخصصة، وذلك لتوفير الاحتياجات التمويلية للمشاريع، سواء عن طريق الملكية والمشاركة في هذه المشاريع، أو من خلال أدوات الدين بما في ذلك الصكوك والسندات، لافتا إلى أن هذا الأمر لا يحدث بشكل حقيقي، وجميع ما يحدث يبقى في إطار محدود.

وأضاف بو حليقة: «هناك العديد من مستلزمات البنية التحتية، تتعلق بالتنظيم والمواءمة مع السياسات الاقتصادية والنقدية، وبوجود الأنظمة واللوائح والقوانين ذات الصلة، ووجود العديد من المؤسسات التي تساهم في توفير المعلومات وفي تنظيم السوق» مؤكدا على أهمية المبادرة الحكومية لقيادة هذا الشأن، معتبرا أن القطاع الخاص لا يمكنه تنظيم نفسه بنفسه لأن السعودية لا تزال بلدا ناميا.

ولفت الدكتور بو حليقة، إلى أن القروض البنكية، كانت ولا تزال هي الخيار الحقيقي المتاح للتمويل، إلى جانب إلى ما توفره الحكومة من تمويل من خلال صناديقها المتخصصة، مشددا على وجود تحد كبير يكمن في تنشيط السوق السعودية لأن تقوم بدورها بشكل كامل.