قصة هندية

علي المزيد

TT

كنت أتحدث مع رجل الأعمال السعودي الصريح علي برمان اليامي عن الاستثمار الأجنبي في السعودية بشكل خاص، وفي العالم العربي بشكل عام، وذكر، بصراحته المعهودة، أننا في العالم العربي نتعامل مع الاستثمار الأجنبي بسذاجة ومن دون أن نفكر في أن يضيف لنا الاستثمار الأجنبي أي قيمة اقتصادية مهمة. واستطرد برمان ذاكرا أن الهند سمحت لمستثمر أجنبي أن يقيم شركة وخط إنتاج معينا، وحينما أراد التنفيذ تقدم المستثمر الأجنبي بطلب سماه دخولا، أو ما يعرف بـتأشيرات دخول، للهند لعمالة أجنبية، سأله المنظمون: لماذا؟ فقال: لأن العمالة التي تجيد التعامل مع هذا الخط غير موجودة في الهند. طلب منه المنظمون، أو قل: مانحو التراخيص، أن يؤجل مشروعه ثلاث سنوات حتى يتم تدريب عمالة هندية تجيد التعامل مع هذا الخط، وهو ما تم؛ إذ تم تدريب عدد من العاملين الهنود، بعد ذلك بدأ خط الإنتاج بالعمل.

لا أعرف لماذا تذكرت هذه القصة وأنا أستمع لمعاناة شركة طيران محلية تذكر أن خسائرها جاءت بسبب ارتفاع سعر الوقود في مطارات السعودية، وأنه يمكن أن تتجاوز الشركة الخسائر إذا خُفض سعر الوقود أو بيع لها كما يباع لـ«الخطوط السعودية».

ونحن نعرف أن الطيران في معظمه نشاط خاسر، لا سيما إذا قُيد بالخدمات المجتمعية، مثل أن تذهب لخط تعرف مسبقا أنه خاسر، لكن لا بد أن تدرجه حتى تحصل على ترخيص. ونحن نعرف مسبقا أن سر الربح في صناعة الطيران هو حصولك على الكاش مقدما بسبب بيع المقاعد، بعد ذلك تستثمر بذراع قوية لتدر ربحا على الشركة من غير النشاط الأساسي.

حقيقة الأمر، نحن لا ندافع عن أموال المستثمرين فقط مع أهميتها، لكننا ندافع عن الفرص الوظيفية التي خلقتها هذه الأموال، والجميع يعرف أنه إذا استمر مسلسل الخسائر فإن المستثمرين سيوقفون الاستثمار، مما يعني موظفين على رصيف البطالة، وأبناء لا يستطيعون دفع الأقساط المدرسية، وفواتير كهرباء لا تجد من يسددها.. الأمر الأهم أنه إذا لم تتفهم الجهات المنظمة للسوق مشكلات المستثمرين وكانت الخسائر لها علاقة بالمنظم، فإن كثيرا من المستثمرين سيحجمون عن دخول السوق العربية، مما يعني كثيرا من الخسائر للاقتصاد، ونحن نقصد الاستثمار المفيد الذي يحمل قيمة مضافة، لا الاستثمار الأجنبي في محلات الفول والبليلة.

* كاتب اقتصادي